السودان صراع الأحزاب والغرب والخليج
السودان صراع الأحزاب والغرب والخليج
زين العابدين صالح عبد الرحمن
في عام 2014م عندما دعا رئيس نظام الإنقاذ السابق عمر البشير إلى حوار وطني الذي أطلق عليه اسم (خطاب الوثبة) كان الهدف منه هو ضرب التحالفات الجديدة التي بدأت تبرز في الساحة السياسية وأيضا خفض حدة الخلاف داخل المؤتمر الوطني، حيث بدأت أصوات تنادي بالتغيير المحدود داخل المؤسسة الحزبية والنظام، في الجانب الآخر كان تحالف قوى الإجماع يتكون بقيادة الحزب الشيوعي وحزب المؤتمر الشعبي، وقبل الأخير الدخول في الحوار بينما بقي الشيوعي يقود التحالف رافضاً للحوار. في الجانب الآخر كان تحالف نداء السودان بقيادة الإمام الصادق المهدي لم يكن رافضاً الحوار بل الأجندة التي المطروحة. كان التحالفان يقودان الصراع ضد حكم الإنقاذ بأجندات مختلفة. بينما ذهبت القوى السياسية الأخرى مشاركة في حوار الوثبة. وحنث الرئيس بقسمه، كان قد أكد في خطابه أنه سوف يلتزم بمقررات الحوار وينفذها على الفور. وبعد صدور قرارات الحوار ظهر تياران داخل المؤسسة السياسية للنظام؛ الأول كان يطالب بتنفيذ ما جاء في خطاب الوثبة. والثاني تعرض القرارات إلى البرلمان لكي تأخذ قوتها، وما يوافق عليه البرلمان ينفذ. وانتصر الرأي الثاني وذهبت القرارات للبرلمان وتم تغييرها بالصورة التي تخدم الحزب الحاكم.
خارج دائرة السلطة كانت هناك مجهودات رئيس دولة جنوب أفريقيا السابق ثابو امبيكي المدعومة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي يقود حواراً بين الحكومة ومجموعة نداء السودان بينما كان تحالف إجماع القوى يقاطعها.
كانت الدول الغربية تعتقد أن النظام في آخر نهاياته لذلك بدأت تقدم دعماً لورش عقدت في يوغندا وأخرى في كينيا حضرها عدد من منظمات المجتمع المدني، وعضوية لأحزاب تحت مسميات مختلفة، هذه الورش واصلت عملها ورشة تلو الأخرى.
كان جهاز الأمن يعتقل بعض المشاركين فيها عقب عودتهم واستجوابهم، وعندما تواصلت الورش قام جهاز الأمن بإغلاق ومصادرات لممتلكات بعض المراكز. كانت الورش تحاول إعداد وتدريب عناصر لكي يكونوا مؤهلين للمشاركة في السلطة الجديدة.
في يونيو 2018م كانت ألمانيا قد دعت قوى نداء السودان التي تضم حزب الأمة والحركات المسلحة لورشة حوارية ومن خلال الورشة تقدمت ألمانيا ومعهد بيرقهوت ببرلين بمبادرة تهدف لوقف وإنهاء الحروب في السودان، وتحقيق السلام الشامل، والتحول الديمقراطي. واعتبرت الإنقاذ الورشة الهدف منها تقويض النظام، وطالب رئيس النظام في خطاب له في البرلمان باتخاذ إجراءات قانونية ضد الذين شاركوا في الورشة.
في الجانب الآخر كانت كل من الإمارات والسعودية أيضاً لهم تقديراتهم الخاصة، أن التغيير إذا حدث في السودان لابد من إحتوائه، حتى لا تخرج منه قوى سياسية عريضة تؤسس نظاماً ديمقراطياً، وكان لابد من البحث عن عناصر يخدموا المشروع الخليجي.
في 2018م عندما أعلن عن تشكيل حكومي جديد رشحت أميرة الفاضل وزيرة الشؤون الاجتماعية السابقة في الإنقاذ والتي كانت تعمل في الاتحاد الأفريقي ومقيمة في أديس أبابا، رشحت عبد الله حمدوك لكي يشغل حقيبة وزارة المالية بعد ما استشارته، وقبل إعلان التشكيل الوزاري اتصل عدد من رجال الأعمال بحمدوك للحوار وطلبوا منه أن لا يقبل الوظيفة.
وبعدها كما أعلن صلاح مناع جاء اجتماعه مع مو إبراهيم وصلاح قوش في أديس أبابا، كان قوش قد حزم أمره أن التغيير يجب أن ينجح لكن بتصوره هو، أن يتم إزاحة البشير من المشهد السياسي، وتشكيل حكومة مدنية تشارك فيها كل الأحزاب على أن يكون هناك مجلس عسكري. كان قوش يحمل ذات الرؤية التي كان قد شرع في تنفيذها عندما تم إبعاده من رئاسة جهاز الأمن والمخابرات، وتم تعيينه مستشارا أمنياً لرئيس الجمهورية، وبدأ من موقعه الجديد يتصل بعدد من قيادات الأحزاب في حوار يبدأ بسؤال (رؤيتهم لحل المشكلة السياسية في البلاد) لكن استطاع الدكتور نافع علي نافع أن يدبر له العملية الانقلابية ويزج به في السجن. عاد قوش لذات المشروع بعيداً عن أعين البصاصين الصغار.
اعتمدت الإمارات والسعودية في عملية الاستقطاب على رجال الأعمال المقربين لكليهما. وكانت الدولتان حريصتان أن لا تأتي حكومة من قوى ليس لها علاقة بهما، خاصةً كانت هناك دعوات بدأت تظهر بسحب القوى العسكرية السودانية من اليمن. وكان سكرتير الحزب الشيوعي محمد مختار الخطيب قد أدان في الندوة التي كان قد عقدها الحزب في ميدان الأهلية بأم درمان 2019، قال “قيام الإمارات والسعودية بإجراء مجموعة من الاتصالات مع كيانات سياسية وقيادات بارزة في قوى المعارضة غير متحمسة للتغيير الجذري في السودان” وعندما اشتد الخلاف بين المكون المدني والعسكري استطاعت كل من السعودية والإمارات أن تلعبا دورا بارزا في تقريب وجهات النظر من خلال اجتماعات كانت تتم بين المكون العسكري وقيادات سياسية برعاية إماراتية سعودية، كان يقوم بالوساطة عدد من رجال الأعمال السودانيين، والذين كانوا قد استقطبوا حمدوك من قبل للمشروع، وهم الذين طرحوا اسمه باعتباره الخبير الاقتصادي الذي رفض أن يعمل مع الإنقاذ كوزير للمالية.
الملاحظ في هذه المسيرة أن الأحزاب كانت تتلقى الأفكار من خارج دائرتها السياسية، وتخفيفاً لأزمتها تطلق عليهم مجموعة الأصدقاء، الأحزاب لم تكن لها أجندة واضحة ولا مشروع سياسي واضح، وهذا كان قد أكده رئيس الوزراء عندما ذهب خمدوك في أول زيارة للمملكة العربية السعودية وفي لقاء الجالية السودانية قال إن الحرية والتغيير لم تقدم له أي مشروع، بمعنى هو الذي سوف يضع مشروعه، وبالفعل تبنى حمدوك الاقتصاد الحر وقبل شروط البنك وصندوق النقد الدوليين. الأمر الذي رفضته بعض عضوية الحرية والتغيير اليساريين، وأيضاً لم يعط أي أهمية لقرارات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته قوى الحرية والتغيير. كيف لشخص مرشح من رجال أعمال وخلفه دول أوروبية وخليجية تبحث عن مصالحها يتبنى شعارات لليسار رفضتها الصين الشيوعية وأصبحت في مقدمة دول الاقتصاد الحر.
وعندما وقع انقلاب 25 أكتوبر وبدأت بعض القوى أن تجعل من شعار اللاءات الثلاث قدسية في العمل السياسي، وأصاب الحرية والتغيير المركزي حالة من الانكسار بسبب موقف القوى السياسية منها وأيضاً رجال المقاومة لم تجد غير السعودية والإمارات والولايات المتحدة، وقبلت قيادات الحرية المركزي بمبادرة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي (مولي في) للالتقاء والحوار مع العسكر، وعادت مرة أخرى للقاءات الغرف المغلقة التي تطورت فيما بعد إلى (الاتفاق الإطاري) وحتى ورشة لجنة تسيير نقابة المحامين كانت من بنات أفكار الرباعية بهدف توسيع دائرة المشاركة خاصةً وأن الشارع كان رافضاً لمشاركة القوى السياسية التي كانت مشاركة مع الإنقاذ حتى سقوطها، وحتى الورش هندسها رئيس بعثة الأمم المتحدة فولكر بيرتس.
إن غياب المشروع السياسي للأحزاب إذا كانت منفردة أو في تحالف يبين الأسباب التي جعلت النفوذ الأجنبي هو الذي يطغى ويحدد الأجندة السياسية في البلاد.
الملاحظ أن السودان هو الدولة الوحيدة التي تتدخل في شأنها السياسي دول عديدة، إذا كانت من الإقليم أو من المجتمع الدولي. لم يتم ذلك بعد الثورة حتى فى عهد الإنقاذ السودان كان تحت البند السابع للأمم المتحدة، ويتواجد في أراضية أكثر من ثلاثين ألف عسكري أجنبي تابعين للأمم المتحدة، السودان الدولة التي بها نخب سياسية عاجزة أن تحل مشاكلها وأزماتها دائماً تلجأ للآخرين لكي يحلوا مشاكلها، الأمر الذي جعل البلاد لقمة سائغة لدول أخرى. الكل يريد استغلال ثروات هذه البلاد خارج دائرة نظم وإجراءات الدولة، هناك نخب لا تبحث إلا على مصالحها الخاصة، تحت يافطات عديدة رجال أعمال وسياسيين ومنظمات مجتمع مدني وعسكريين وغيرها، أو بمعنى أصح سرقة ثروات البلاد بالتآمر مع الأجانب دون أن تكون هناك أي فائدة لهذا الشعب المغلوب على أمره. حتى الحركات المسلحة التي حملت السلاح من أجل حقوق مناطقية عندما تصل السلطة تنسى تماماً المواطنين كل همها أين مواقع قياداتها في السلطة.
أليس من العار الذي يسمع حاكم إقليم دارفور الذي يتحدث عن الذي يجري في الإقليم ويخاف أن يتهم القوى التي تمارس كل انتهاك الحقوق والقتل والاغتصاب. أليس كان عليه أن يصمت. حتى السلطان بحر الدين في اللقاء الذي أجرته معه قناة الحدث خاف أن يقول من هي الجهة التي تمارس كل هذا الخراب والدمار والقتل في دار مساليت. كلما تسأله المذيعة من الذي فعل ذلك يهرب حتى جعلته في زاوية ضيقة قال مسلحين لابسين زي الدعم السريع وما عارف إذا كانوا هم دعم ولا لا. رغم أن والي ولاية غرب دارفور مع ذات القناة اتهم الدعم السريع مباشرة ولقي ربه. لكن قتله خلق حالة من الذعر عند الآخرين، إذا أنت غير قدر المسؤولية وتحمل تبعاتها يجب أن تستقيل هناك أعتقد من هو جدير بها من داخل مخيمات اللاجئين. نسأل الله حسن البصيرة.
المصدر: صحيفة التغيير