اخبار

“وثيقة الدم” التي كتبها نتنياهو وحسمت مصير 6 أسرى قتلوا في غزة

كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الاثنين، عما وصفتها بأنها “وثيقة الدم”، التي وضعها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وحسمت برأي الصحيفة مصير المحتجزين الستة الذين قُتلوا واستعادت إسرائيل جثثهم أخيراً.

وأوضحت الصحيفة أنه بعد ظهر يوم السبت الموافق 27 يوليو/ تموز، تم في إسرائيل الانتهاء من إعداد وثيقة من سبع صفحات باللغة الإنكليزية، تشكّل الصفحتان الأوليان  منها الجزء الرئيسي، وتم إرسالها في ذلك المساء إلى الدول الثلاث التي تتوسط بين إسرائيل وحماس: الولايات المتحدة، قطر ومصر. وفي اجتماع عُقد في اليوم التالي في روما، تم تقديمها بالكامل مع الملاحق من قبل رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد)، ديفيد برنيع إلى رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ورئيس وزراء قطر، وكبار ممثلي المخابرات المصرية.

تبدأ الوثيقة بصفحتين غير مكتملتين تحتويان على نص، تليهما ثلاث صفحات من الخرائط ومن ثم صفحتان من الجداول، عبارة عن قائمة بأسماء بعض المحتجزين في غزة، مصنّفة حسب الفئات. ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمني اسرائيلي كبير لم تسمّه قوله “سيحكم التاريخ يوماً ما على هذه الوثيقة بقسوة شديدة”. وتابع المسؤول: “في الأعلى، في أعلى الوثيقة، مكتوب أنها (وثيقة توضيحات)، ولكن في رأيي أن اللقب الأنسب لها هو (وثيقة الدم)، لأن صفحاتها ملطّخة بدماء المختطفين الستة الذين قُتلوا في النفق برفح. أسماء أربعة منهم مدرجة في الملحق الموجود في نهاية الوثيقة. لولا التخريب المتعمّد في الوثيقة لمنع التوصّل إلى صفقة، لكان هناك احتمال كبير أن يُطلق سراحهم قبل نحو شهر، وأن يكونوا هنا معنا على قيد الحياة”.

وبحسب المسؤول الكبير، الذي قالت الصحيفة إن مسؤولين آخرين مرتبطين بالمفاوضات أكدوا روايته، “ولدت هذه الوثيقة في الخطيئة، وهي محاولة من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لنسف اللحظة الإيجابية التي كانت في المفاوضات، عندما اعتقدنا جميعاً أنه من الممكن التوصّل إلى اتفاق…، وبدلاً من ذلك، تم غمر الجمهور الإسرائيلي بمعلومات مضللة، إن لم تكن أكاذيب مطلقة. الوثيقة ملطخة بدماء ونهاية المختطفين الستة، ولا نعلم من سينجح (أي نتنياهو) بقتله غداً، وبعد أسبوع، وبعد شهر. هذا إلى جانب الأضرار الجسيمة الأخرى التي قد يلحقها بإسرائيل والمنطقة برمتها. هناك شيء واحد فقط لن يأتي به بالتأكيد، لأنه خلق خصيصاً لمنع ذلك، وهو صفقة مختطفين”.

وشرحت الصحيفة سبب اعتبار أن الوثيقة وُلدت بالخطيئة، ذلك أنه بعدما تبيّن أن حركة حماس تقبل بمعظم الشروط التي قدّمتها إسرائيل في المسودة الأخيرة لاتفاقية تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في 27 مايو، وعندما وصلت الأصداء الإيجابية الأولية إلى إسرائيل، وقبل يوم واحد من تقديم “حماس” ردها الرسمي، أوضح الوزير بتسلئيل سموتريش أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار قد يرد بشكل إيجابي على الاقتراح، وادّعى أن ذلك علامة ضعف من جانبه، وبسبب هذا الضعف، يجب على إسرائيل رفض المقترح الذي اقترحته بنفسها. وهكذا، حتى قبل أن يصل الرد إلى إسرائيل، تم تعريفه في مكتب رئيس الوزراء بأنه “رفض صارخ من حماس”، ذلك في حين اعتقد مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي وكبار أعضاء فريق التفاوض أن هذا كان تطوراً إيجابياً للغاية، وأن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.

وعندما رأوا في مكتب نتنياهو أن هناك فرصة للتوصل إلى صفقة، قرروا “التراجع”، وأرسلوا رئيس الموساد ديفيد برنيع إلى الدوحة لنقل الرسالة بأن نتنياهو لديه “توضيحات”. وادّعت عيناف تسينغاوكر، والدة المحتجز ماتان، في شهادتها أمام لجنة التحقيق المدنية أخيراً، أنه قبل فترة وجيزة أخبرها برنيع بأن نتنياهو يقوم بتخريب المفاوضات لأسباب سياسية. ونفى برنيع ذلك، رغم أن هناك آخرين متأكدون من أنهم سمعوه وأعضاء فريق التفاوض الآخرين يقولون أشياء مماثلة، وأحياناً بشكل أكثر صراحة.

وبحسب الصحيفة، رد رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بالقول إن “هذه أشياء مفاجئة”، في إشارة إلى “التوضيحات” الإسرائيلية، وطلب من برنيع صياغة جميع القضايا التي تمت مناقشتها على نحو مكتوب وتسليمها للوسطاء. وأضاف أنه طالما لم تفعل إسرائيل ذلك، فلا جدوى من الاستمرار (في المفاوضات). واعتبرت الصحيفة أن رئيس الوزراء القطري كان على حق في مطلبه، “لكن ليس من المؤكد أن لدى المختطفين وقتاً للانتظار. الأسبوعان اللذان مرا على تقديم الوثيقة، وأسبوعان آخران حتى انعقاد القمة الفاشلة مسبقاً في الدوحة لمناقشتها، لأنها وثيقة كان من الواضح أن حماس سترفضها”.

ورغم أنه تم إطلاق اسم رسالة “التوضيحات” على الوثيقة، إلا أن التوضيحات، وفقاً للصحيفة العبرية، لم تكن من الأشياء البارزة فيها. وأدرك فريق التفاوض الإسرائيلي والوسطاء، أن معظم ما جاء فيها عبارة عن ابتكارات وإضافات وتغييرات في المقترح الذي قدّمته إسرائيل بنفسها في وقت سابق، وقالت إن بإمكانها التوقّيع عليه. ورغم أن “حماس” أزالت أغلب اعتراضاتها على المقترح، هبطت “رسالة التوضيح” وسحقت كل شيء.

وبشأن محور فيلادلفيا، تم في الاقتراح الإسرائيلي الأصلي التعهد بانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة بأكمله. وقد أبلغت الدول الوسيطة “حماس” شفهياً بأن الانسحاب يشمل محور فيلادلفيا، لكن في الخرائط المرفقة بـ”التوضيحات”، تبيّن أن قوات الجيش الإسرائيلي باقية هناك. ونقلت الصحيفة عن أحد أعضاء فريق التفاوض الإسرائيلي: “من أصل ست نقاط مكتوبة على نصف صفحة من وثيقة التوضيح، فإن خمساً منها تهدف إلى إلحاق أكبر قدر من التخريب في المفاوضات والتأكد من عدم نجاحها أبداً”. وأوردت الصحيفة أمثلة: “هكذا، على سبيل المثال، محور نتساريم الذي يقسم القطاع إلى جزأين، وهي القضية التي انسحبت فيها إسرائيل من الاتفاق حولها وفتحتها مرة أخرى للنقاش، بما فيها مسألة تفتيش من يمرون عبره، ومعبر رفح الذي طُرح كموضوع جديد، والمزيد والمزيد من الصعوبات. ولعدة أشهر، أدت قضية قوائم المفرج عنهم إلى تأخير المفاوضات، وهو الطلب الذي تقدّم به نتنياهو ورفضته حماس. وفي النهاية، أسقطت إسرائيل هذا المطلب، الذي تسببت المماطلة فيه بمقتل عدد غير قليل من المحتجزين، لكنه عاد في وثيقة “التوضيح”، إذ أدرجت إسرائيل في الملحق الثاني قائمة بجميع من تعتقد أنه ينبغي إدراجهم في المرحلة الأولى، المرحلة الإنسانية”.

“خدعة نتنياهو”
وقال مسؤول أمني إسرائيلي مطّلع على التفاصيل: “خدعة نتنياهو كانت أن هناك جدلاً حول من سيتم تعريفه بأنه مريض. ويمكن لحماس الادعاء أن منهم من ليس مريضاً أو ليس شديد المرض على نحو يسمح بشمله في القائمة. هذا يقود إلى أسابيع أو أشهر من الجدل. وفي هذا الملحق وردت أسماء أربعة من المختطفين الستة الذين قُتلوا. ثلاثة منهم على الأقل ما كان ليكون جدل حولهم، هم المرأتان كرمل جات وعيدن يروشالمي، بالإضافة إلى هيرش غولدبرغ بولين الذي بُترت يده. وكان سيتم إطلاق سراحهم لو تمت الصفقة”. كما انتقد المسؤول الذي تحدّث إلى الصحيفة بشدة زملاءه في المؤسسة الأمنية، وقال إنه كان عليهم إبداء موقف أكثر وضوحاً وحسماً، “عندما تلقّوا تعليمات كانوا مقتنعين بأنها خاطئة، بدافع اعتبارات سياسية، ويمكن أن تكلف على الأرجح حياة جنود”.

وتابعت الصحيفة: “لقد سمع الكثيرون أن رؤساء فريق التفاوض (الإسرائيلي) يتحدّثون بحدة ضد الوثيقة الدموية، وهي نقطة بارزة في تصريحاتهم ضد نتنياهو، والتي في رأيهم تدمّر أي فرصة للتوصل إلى صفقة، لكنهم حرصوا على عدم قول هذه الأشياء علانية للجمهور… لقد تصرّفوا في النهاية حسب إملاءات نتنياهو، على الرغم من أنهم كانوا يعرفون أنهم يزيدون بشكل كبير من المخاطر على حياة المختطفين”. وانتقد المسؤول نفسه رئيس الأركان هرتسي هليفي قائلاً إنه “أحد المسؤولين عن أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وكان يجب أن يقلب الطاولة على نتنياهو من أجل إطلاق سراح المختطفين أيضاً بسبب فشله (فشل هليفي)”، متهماً رئيس الأركان وقادة الجيش الآخرين بأنهم “سمحوا بشن حرب طويلة، يبدو أنها كانت تهدف في الوقت نفسه إلى إطلاق سراح المختطفين وهزيمة حماس، فيما كانوا يعلمون أن ذلك أمراً مستحيلاً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *