كتب : محمود الهواري
12:25 م
02/11/2025
شهدت أمريكا الشمالية في 8 أبريل 2024 ظاهرة فلكية نادرة تمثلت في كسوف كلي للشمس، لم تقتصر آثارها على المشهد البصري المذهل فحسب، بل امتدت إلى تأثيرات بيولوجية على سلوك الطيور، وفقا لبحث علمي جديد نُشر في مجلة “Science” .
وأوضح فريق من الباحثين أن 29 نوعا من الطيور غردت كما لو أن يوما جديدا قد بدأ خلال فترة الكسوف وبعدها مباشرة، في استجابة فطرية لتغير الضوء المفاجئ، الذي اعتبرته هذه الأنواع إشارة على بزوغ فجر جديد.
وقالت ليز أغيلار، الباحثة الرئيسية وطالبة الدكتوراه في جامعة إنديانا بلومنغتون بالولايات المتحدة، إن دراسة استجابة الحيوانات للأحداث الطبيعية مثل الكسوف تساعد في فهم كيفية تأقلمها مع التغيرات البيئية السريعة وتعزز جهود الحفاظ على التنوع الحيوي.
وأضافت في تصريحاتها لـ “CNN” أن الضوء من أقوى العوامل التي تؤثر في سلوك الطيور، وحتى دقائق قليلة من الظلام كانت كافية لتغيير نمط نشاطها اليومي.
حدث الكسوف خلال موسم الربيع، وهي فترة حساسة بالنسبة للطيور التي تكثر خلالها التغريدات لجذب الشريك أو الدفاع عن الأراضي أو بدء الهجرة الليلية.
ولتوثيق هذه الظاهرة، طور الفريق تطبيقا مجانيا للهواتف الذكية باسم “SolarBird”، شجع المستخدمين في أمريكا الشمالية على تسجيل ملاحظاتهم الصوتية خلال الحدث.
وأسفرت التجربة عن أكثر من 11 ألف ملاحظة من نحو 1,700 مستخدم غطت نطاقا بلغ 5 آلاف كيلومتر على طول مسار الكسوف.
كما استخدم الباحثون أجهزة تسجيل صوتي صغيرة في ولاية إنديانا، جمعت أكثر من 100 ألف مقطع صوتي قبل وأثناء وبعد الكسوف، لتوثيق استجابات الطيور بشكل علمي دقيق.
اعتمد الباحثون على نظام الذكاء الاصطناعي “BirdNet”، الذي يميز أنواع الطيور من خلال تغريداتها. وبحسب نتائج التحليل، أظهر 29 نوعا من أصل 52 نوعا تغيرا ملحوظا في سلوكها الصوتي أثناء الكسوف، حيث ازداد نشاط بعض الأنواع بينما التزمت أخرى الصمت التام.
لكن الظاهرة الأبرز كانت عند عودة ضوء الشمس، إذ أطلقت 19 نوعا من الطيور ما وصفه العلماء بـ”جوقة فجر كاذبة”، وهو نمط تغريد مشابه لما يحدث عند بداية اليوم، ما يشير إلى إعادة ضبط مؤقتة لساعتها البيولوجية.
أكدت أغيلار أن استجابات الطيور تفاوتت تبعا لحساسيتها للتغيرات الضوئية، وكانت أقوى في المناطق التي شهدت كسوفًا كليًا كاملًا.
من جانبه، أشار الدكتور ستيفان كاهل، مبتكر تقنية BirdNet في جامعة كورنيل، إلى ضرورة التحقق من دقة النتائج، موضحا أن “الذكاء الاصطناعي قد يخطئ أحيانًا، لكن الأخطاء تكون منهجية ويمكن تتبعها، ما يجعل النتائج قابلة للتحقق”.
تلفت الدراسة الانتباه إلى أن فهم تأثير الضوء على سلوك الطيور يكتسب أهمية متزايدة مع ارتفاع مستويات التلوث الضوئي عالميًا.
فقد كشفت أبحاث سابقة أن الإضاءة الصناعية تربك الإشارات الزمنية لدى الطيور وتجعلها تغرد لفترات أطول من المعتاد، كما تتسبب في تشتيت الطيور المهاجرة ودفعها إلى الاصطدام بالمباني العالية في المدن.
يشير العلماء إلى أن مراقبة هذه السلوكيات خلال الظواهر الفلكية النادرة مثل الكسوف تتيح فرصة فريدة لفهم التوازن بين الطبيعة والضوء، في عالم يزداد سطوعا يوما بعد يوم.
