في خطوة تثير الجدل داخل الأوساط العلمية، استخدم باحثون الذكاء الاصطناعي لتصميم فيروسات جديدة تعرف باسم “عاثيات البكتيريا” وهي فيروسات تصيب البكتيريا فقط ولا تهاجم البشر أو الحيوانات ما فتح الباب أمام عالم جديد من “الكائنات المصممة بالذكاء الاصطناعي”.
وكشفت الدراسة التي أعدها فريق من جامعة ستانفورد أن النماذج الذكية تمكنت من إنتاج فيروسات تختلف جذريا عن السلالات المعروفة، إلى درجة اعتبرت فيها “أنواعا جديدة تماما”.
وأكد الباحثون أنهم اتخذوا إجراءات صارمة لضمان عدم قدرة تلك النماذج على إنتاج فيروسات تصيب البشر أو النباتات أو الحيوانات، لتفادي أي مخاطر بيولوجية محتملة.
وأظهرت دراسة أخرى أعدها باحثون في شركة “مايكروسوفت” أن الذكاء الاصطناعي قادر على التحايل على أنظمة الأمان المستخدمة حاليا لمنع تصميم جزيئات أو مواد بيولوجية خطيرة، مثل السموم أو الفيروسات المعدلة.
وأكدت النتائج أن بعض برامج الفحص المستخدمة في شركات التكنولوجيا الحيوية يمكن خداعها بسهولة، ما يرفع من احتمالات إساءة الاستخدام.
وعقب اكتشاف هذه الثغرة، أعلن فريق “مايكروسوفت” عن تطوير تصحيحات أمنية عالمية لتعزيز حماية قواعد البيانات الحيوية وبرامج الفحص، مؤكدين أن الخطر ما زال محدودا، لكنه قابل للتطور في المستقبل القريب.
أزمة الاستخدام المزدوج
جوهر القلق العلمي يدور حول ما يعرف بـ”مشكلة الاستخدام المزدوج”، أي أن نفس التكنولوجيا التي تُستخدم في تطوير علاجات أو حلول طبية قد تستغل لإنتاج أسلحة بيولوجية أو أمراض معدية.
فعلى سبيل المثال، يمكن لتقنيات تعديل الفيروسات أن تستخدم لفهم الأمراض، لكنها قد توظف أيضا لتصميم مسببات وباء جديدة.
الباحثان “سام كينغ” و”برايان هي” من جامعة ستانفورد كانا مدركين لهذا الخطر أثناء تطوير عاثياتهم الجديدة، فحرصا على منع النماذج من الوصول إلى أي بيانات تتعلق بفيروسات تصيب البشر أو الحيوانات.
وأوضح كينغ في تصريح لموقع لايف ساينس أن “الطريقة الحالية معقدة للغاية وتتطلب وقتا وخبرة، وهي بعيدة عن أي استخدام خطير في الوقت الراهن”.
الذكاء الاصطناعي والأمن البيولوجي
تؤكد ة الأكاديمية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي قادرة على تجاوز القيود الموضوعة لها، إذ قالت الدكتورة تينا هيرنانديزبوسارد، من كلية الطب بجامعة ستانفورد: “هذه النماذج ذكية بطبيعتها، وبمجرد تدريبها على بيانات محددة، يمكنها التحايل على القيود الموضوعة”.
وأضافت أن الحل يكمن في وضع معايير دقيقة لما يسمح باستخدامه في تدريب النماذج، مع تطوير أدوات فحص أكثر دقة وتحديث القوانين التي تحكم هذا المجال.
أما في مايكروسوفت، فقد أنشأت الشركة نظاما لتقييم الأبحاث الحساسة من خلال مبادرة دولية تعرف باسم (IBBIS)، والتي تُراجع الطلبات المقدمة من الباحثين الراغبين في الوصول إلى بيانات حساسة.
وتعد هذه أول تجربة عالمية لتطبيق نظام “وصول مُدار” إلى المعلومات العلمية عالية الخطورة.
الحاجة إلى ضوابط جديدة
حتى الآن، لا توجد لوائح دولية صارمة تُنظم استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في البيولوجيا، إذ بعض عمليات الفحص ما تزال طوعية، وهناك أجهزة يمكنها تصنيع بروتينات وجينات في المختبر دون أي رقابة خارجية.
لكن جهودا حكومية بدأت بالظهور، خاصة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لوضع أطر تنظيمية جديدة تقلل من خطر إساءة استخدام هذه التقنيات.
ويرى اء أن الحل يكمن في تبني أنظمة أمن متعددة المستويات، تشمل أدوات فحص أكثر تطورا، وإجراءات تدقيق دقيقة قبل اعتماد أي مشروع بحثي يستخدم الذكاء الاصطناعي في مجال الأحياء.
ورغم المخاوف، يؤكد العلماء أن التكنولوجيا تحمل وعودا كبيرة أيضا، إذ يمكن للعاثيات المصممة بالذكاء الاصطناعي أن تفتح الباب لعصر جديد من العلاجات لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
لكن كما قال الباحث ديغانز: “كلما زادت دقة المعلومات الوراثية، زادت قدرتنا على اكتشاف المخاطر المحتملة في وقت مبكر”.
ورغم أن الذكاء الاصطناعي لا يمتلك اليوم القدرة على تصنيع كائنات حية معقدة من الصفر، إلا أن الطريق نحو ذلك أصبح أقصر من أي وقت مضى ما يجعل قضية الأمن البيولوجي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.