بين الشهيق والزفير فرصة للحياة

د. مهدي تاج الدين
حدث في أحيان كثيرة وستحدث صفعات قاسية وبشدة من هذه الحياة فندور حول أنفسنا لبرهة أو نسقط مغشيا علينا على الأرض دون سابق إنذار ، ولا صوت يُسمع سوى أنين قلب أنهكه المسير وثقل عليه الحمل ولم يعد قادراً على الاستمرار. في تلك اللحظة نفقد الإحساس بالعالم حولنا ، ومع كل قطرة دم تصل إلى أعضاء جسمنا ؛ تتدفق سيول من الألم والأسى. نضع يدنا على أنفنا مراقبين توالي الشهيق والزفير ، ثم نسأل مستغربين : “هل ما زلنا حقاً على قيد الحياة”؟ .
هكذا حالنا اليوم ، أو على الأقل حال الغالبية العظمى من المواطنين الذين أصبحوا مشردين ، تائهين ومصدومين أمام المشهد ، حائرين بين خوفهم من ويلات الحرب التي وصفها بعضهم بالعبثية ، وبين ضياع آمالهم وطموحاتهم في وطن ينبغي أن يكون حنوناً يُهَبْ إليه أغلى شيء.
أحبابنا وأعزائنا نراهم يسقطون واحداً تلو الآخر (نسأل الله لهم الرحمة) ، وليس أمامنا خيار لنختار ، الصمت أم البكاء.
الوطن ، حلم انتظرناه عمراً لأجل تحقيقه كاد أن يذهب من بين أيدينا ويتركنا على رصيف النسيان ، وأشخاص أعزاء قاسمنا معهم أجمل الذكريات ، فصاروا بين يوم وليلة مجرد غرباء … الأمر سيان ؛ تختلف السيناريوهات والنتيجة واحدة : خيبة أمل تهزم كل التوقعات وأرواح تقذفها الدانات كأنها تهشيم الأواني والزجاج ، والأكثر إيلاماً وقسوة ألّا نمتلك الجرأة والشجاعة الكافية لإظهار موقفنا للملأ ، فنخلد لعزلة فؤادنا وحيدين نلتوي في دوائر اليأس ندمن عادة التحديق في اللاشيء ، تنطفئ رغبتنا في الحياة ، ننعزل بذهننا المزدحم بأسئلة لا نملك جُرأة الإجابة عنها ، نلوم الدعم السريع، الكيزان ، الجيش ، القحاتة ، النخب ، أمريكا ، تشاد ، نلوم الإنس والجن والشمس والقمر ونلعن حظنا البائس مرارا وتكرارا ثم ندفن رسؤوسنا تحت الوسادة لساعات ، ظنا منا أن غيمة الحزن قد تمر بسلام كلما طال نومنا. نتمنى الاستيقاظ على صدى معجزة.
إن كنا شعباً يستحق الحياة ؛ فما هو سبب كل هذا الخذلان؟ .
من حق كل منا أن يعيش حزنه بكل تفاصيله ، بل هو واجبه أمام ذاته ، لكن يجب ألا نبالغ في الجلوس على أعتابه. ما نحتاجه حقا هو شجاعة الوقوف مجددا ، أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً… طالما هناك متسع للحياة وأشياء جميلة لم نعشها بعد.
أعلم أن “الكلام سهل حين يكون أحدنا خارج المعركة!” أدرك أنه لا أحد يعلم عن كلٍ منا كم صبر؟ وكم كافح وكم ضحى؟ لا أحد يعلم كم مرة هُدِم جدار سكينته وكبريائه وأعاد بناءه ، لا أحد يعلم كم سعيت جاهدا ولم تبلغ النصر ، لا أحد يعلم كم مرة طرقت الأبواب المغلقة وصمدت طويلا دون أن تنصرف … وحدك تعلم ما أصابك ووحدك قادر على انتشال نفسك من جديد.
أوجاعنا كشعب مطولة وضاربة في الزمان والمكان ، وخسارتنا باهظة الثمن ، ولكن اعتقد أنه آن الأوان كي نمضي بشكل أو بآخر ولن يبقى سوى أثر تلك الدروس والعبر المستخلصة من هذه التجربة … النتيجة : نسخة منا أكثر نضجا وأشد تحملا ، إن نحن أحسنا تدبر المعاني.
نسأل الله أن تقف هذه الحرب ، فما جرى كفيل بأن يجعلنا نعي الدرس ولن ندعها تتكرر.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة