غزة تنزف بين صرخات الأطفال وصمت العالم

لا تزال دماء الأطفال الفلسطينيين تُلوّن أرض غزة، بينما تتراكم جثث العائلات تحت أنقاض بيوت دمّرها الاحتلال الصهيوني، إذ أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن مستشفيات القطاع استقبلت خلال الساعات الماضية 26 شهيدا. فهذا المشهد هو حلقة متكررة من مأساة إبادة جماعية ممنهجة يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه بالقتل والتهجير والحصار، في وقت بدأت تعلو فيه أصوات من داخل جيش الاحتلال لوقف هذه الحرب التي أصبحت بلا هدف وغير قادرة على إعادة الأسرى، حيث تم فصل المئات بسبب هذه المطالب، بينما تحدثت وسائل إعلام أمريكية عن قرب إنجاز صفقة جديدة لتبادل الأسرى ووقف الحرب.
ومنذ فجر اليوم الجمعة، كثّف الاحتلال من الغارات والقصف على بيت لاهيا شمال القطاع وخان يونس جنوبه، أين ارتقى 12 شهيداً بينهم 7 أطفال من عائلة واحدة، الذين قضوا تحت أنقاض منزلهم الذي دمّرته طائرات الاحتلال، حيث نقل الدفاع المدني جثث الضحايا إلى مستشفى ناصر الذي يعمل بأقل من طاقته بسبب نقص الأدوية والوقود. فهذا المشهد يتكرر يومياً مع قصف منطقة المواصي في رفح وتنفيذ غارات على جباليا، وتدمير ممنهج للمنازل في حي المحطة بمدينة خان يونس.
وفي الوقت نفسه، يواصل جيش الاحتلال سياسة الإنذارات المزيفة، حيث طالب سكان أحياء الزيتون والشجاعية والتفاح شرق مدينة غزة، بإخلاء منازلهم تحت ذريعة حمايتهم، بينما يعلم الجميع أن هذه المناطق التي يتم إخلاؤها غالباً ما تتعرض للتدمير الكامل. المتحدث العسكري الصهيوني يدعو السكان للانتقال إلى “مراكز الإيواء غرب المدينة”، في حين أن هذه المراكز إما غير موجودة أو أصبحت هدفاً للقصف منذ أشهر.
فهذه الجرائم ترتكب تحت حصار خانق في ظل منع دخول المساعدات الإنسانية، إذ تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الكيان يمنع 75% من بعثات الأمم المتحدة، بينما تحذر شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية من أن القطاع دخل مرحلة المجاعة الحقيقية بعد نفاد 90% من المواد الغذائية والدوائية، كما يعاني 60 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، والمستشفيات لم تعد قادرة على العمل دون كهرباء أو أدوية أساسية.
من جهتها، نددت الأمم المتحدة، في بيان صدر، أمس، بالضربات الجوية التي استهدفت منازل المدنيين، مشيرة إلى أن 224 غارة بين مارس وأبريل أصابت مباني سكنية وخيام النازحين، 36 منها لم تترك ضحايا إلا من النساء والأطفال. وارتفعت حصيلة الشهداء في قطاع غزة منذ بدء العدوان في 7 أكتوبر 2023 إلى حدود 51 ألف شهيد، والإصابات إلى أكثر من 115,875.
في الأثناء، أكدت شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية دخول قطاع غزة في حالة المجاعة بعد نفاد مخزون الغذاء والدواء والوقود.
وطالبت الشبكة السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة بإعلان قطاع غزة منطقة مجاعة، كما دعت لتدخل دولي لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني وفتح كافة معابر قطاع غزة وضمان وجود ممرات إنسانية آمنة لإدخال المساعدات الإنسانية والطواقم الطبية والإغاثية.
وشددت على أن ذلك يأتي “في ظل صمت دولي مخز وتواطؤ مريب”، حيث خالفت حكومة الاحتلال التزاماتها الدولية، كقوة احتلال، بإدخال الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
هذا، وقدّرت وكالة الأونروا نزوح نحو 400 ألف شخص في قطاع غزة بعد استئناف العمليات العسكرية الصهيونية، مشيرة إلى أن النازحين يعانون من أطول فترة انقطاع للمساعدات منذ بدء الحرب على القطاع.
دعت الأونروا إلى وقف إطلاق نار فوري في غزة والإفراج عن جميع الأسرى وضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون أي عوائق.
وفي ظل هذه الكارثة، تتصاعد داخل الكيان حركة احتجاج غير مسبوقة ضد الحرب، حيث وقع أكثر من 2000 أكاديمي و970 جندياً احتياطياً، بينهم قادة سابقون في الجيش، عرائض تطالب بوقف فوري للأعمال العسكرية، وكان رد جيش الاحتلال بفصل مئات الجنود، بينما وصف وزير الدفاع هذه المطالب بأنها “مس بشرعية الحرب العادلة”.
وتعكس هذه المطالب حالة الانقسام والشرخ داخل الكيان، إذ لم تعد الحرب تحظى بإجماع داخلي، إذ بلغ الانقسام في المؤسسة العسكرية نفسها، وهذا مؤشر يعكس الهشاشة المتفشية داخل الكيان سياسيا وعسكريا.
هذه التطورات قد تمهّد لتحول استراتيجي في مسار الحرب، حيث تدفع التكاليف الباهظة والانقسامات الداخلية نحو قبول تسوية قد تشمل وقفاً لإطلاق النار أو حتى إنهاء العمليات العسكرية، خاصة مع تصاعد الضغوط الدولية وتراجع الدعم الشعبي للحرب.
وأشارت وسائل إعلام أمريكية، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زعم أن بلاده تقترب من إبرام صفقة لإعادة الأسرى الصهاينة في غزة، مشيرًا إلى تواصل واشنطن مع الكيان والفصائل الفلسطينية لتحقيق هذا الهدف. ووصف ترامب الفصائل الفلسطينية بـ”المنظمة المقززة”، بينما كشفت تقارير عبرية عن تلقي عائلات الأسرى رسائل من مسؤولين أمريكيين تفيد بتقدم المفاوضات، وأن الصفقة قد تُنفّذ خلال أيام. وأفادت مصادر أمريكية أن ترامب منح الكيان مهلة أسبوعين إلى ثلاثة لمواصلة العمليات العسكرية قبل الدفع لوقف الحرب.
هذا، ونفت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس تلقي أي عروض جديدة لوقف إطلاق النار في غزة، حيث نقلت وسائل إعلام عربية عن مصدر قيادي قوله إن الحركة لم تتسلم أي مقترحات حديثة، مشيراً إلى أن حماس قد وافقت سابقاً على آخر مقترح تلقته من الوسطاء وأعلنت موقفها بوضوح قبل عيد الفطر.
وأوضح المصدر أن الحركة تبقى منفتحة على أي مبادرات جديدة تحقق وقفاً لإطلاق النار وانسحاباً للقوات الصهيونية.
وفي سياق متصل، نقلت شبكة “سي.إن.إن” عن مصدر مشارك في المفاوضات وجود “فرق كبير” في زخم التفاوض بين الفرق الأمريكية والصهيونية، مع تأكيده على تصاعد “الإلحاح والضغط” من واشنطن والوسطاء، فيما بدأ “صبر الأمريكيين ينفد” بسبب غموض هدف الكيان من الحرب وتردي الأوضاع الإنسانية في غزة.
ولكن المفارقة هنا تكمن في أن واشنطن التي تدعي السعي لصفقة إفراج عن الأسرى ووقف الحرب عبر اتصالاتها مع الفصائل الفلسطينية، تواصل تزويد الكيان بالأسلحة وتوفير الغطاء السياسي للكيان المتهم بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية غير مسبوقة في غزة، متسببا في أسوأ كارثة إنسانية في تاريخ الإنسانية.