من يرضى بالظلم شريك فيه، وإن ادّعى الحياد

أمد/ الظلم لا يقوم إلا على ساقين: ظالمٌ يمارس ظلمه، وساكتٌ يبرره أو يتجاهله أو يتظاهر بالحياد. وفي معادلة الحق والباطل، لا يوجد مكان رمادي، ولا مناطق حيادية، فمن لم يكن مع المظلوم فهو بطريقة أو بأخرى مع الظالم، حتى وإن لم ينطق أو يتحرك.
ادعاء الحياد في وجه المآسي، خاصة عندما يكون الباطل واضحًا والحق ناطقًا، لا يُعدُّ موقفًا نبيلاً، بل هو انسحاب من المروءة وتخلٍ عن المسؤولية الإنسانية والأخلاقية. فالحياد في زمن الجرح خيانة للضمير، وشراكة غير مباشرة في الألم. ومن يزعم أنه محايد وهو يرى القصف والقتل والتدمير، فإنما هو شاهد زور على عصر من الانكسار الأخلاقي.
إن ما يحدث في غزة من مجازر ودمار لا يترك عذرًا لأي أحد أن يصمت أو يتوارى خلف حجة “الحياد”، فسكوتك لن يُحسب لك، بل سيُحسب عليك، وستُسأل عنه أمام الله ثم أمام التاريخ. ومن يرضى بالظلم خوفًا، أو تواطؤًا، أو راحةً، فهو شريك فيه، سواء علم أم لم يعلم، وسواء برر أم تظاهر بالموضوعية والاتزان.
الحياد حين تُنتهك الكرامة، وتُسحق حقوق الناس، وتُزهق الأرواح، ليس حكمة ولا عقلانية، بل هو عار مغطى بالهدوء الزائف. يقول المفكر الفرنسي فولتير: “الذين يجعلونك تصدق السخافات، يمكنهم أن يجعلك ترتكب الفظائع.” وكذلك الذين يجعلونك تصدق أن الحياد في وجه الظلم فضيلة، قد يجردونك من إنسانيتك وأنت لا تشعر.
في النهاية، ما من عذرٍ مقبول في موقفٍ يتطلب موقفًا، وما من حيادٍ يشفع لصاحبه إذا انتصر الظلم، لأن من يرضى بالظلم، شريك فيه، وإن ادّعى الحياد.