منشقون عن البوليساريو ينتقدون الشيخوخة السياسية لقيادة الجبهة الانفصالية

انتقد مسؤولون سابقون منشقون عن جبهة البوليساريو الانفصالية تشبث قيادة هذه الأخيرة بـ”خطابات الحرب البادرة والكفاح المسلح”، مسجلين أن هذه القيادة تفتقر لسلطة اتخاذ القرار بسبب تبعيتها المطلقة للنظام الجزائري، كما تفتقد للقدرة على إنتاج أفكار جديدة تواكب التحولات التي عرفتها قضية الصحراء المغربية، مطالبين في الوقت ذاته بـ”إيجاد أطراف أخرى للتفاوض معها لحل هذا النزاع، بدل المراهنة على الوصول إلى حل مع البوليساريو والجزائر اللتين تقتاتان من استمرار هذا الصراع”.
جاء كلام هؤلاء المسؤولين السابقين في التنظيم الانفصالي الذي يتخذ من تندوف الجزائرية مقرا له، ردا على تصريحات للمسمى “إبراهيم غالي”، زعيم ميليشيا البوليساريو، أشار فيها إلى أن “الجبهة لن تنخرط في أي مقاربة لا تحترم حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير والاستقلال”، ملقيا باللوم على مجلس الأمن الدولي الذي اتهمه بـ”التواطؤ” مع المغرب، مدعيا في الوقت ذاته أن “جمهوريته الوهمية” تسعى إلى “تعزيز التعاون مع دول الجوار، خاصة الجزائر وموريتانيا”، داعيا إلى “تقوية جهاز العلاقات الخارجية لتصدر المعترك الذي تخوضه الجبهة”، حسب تعبيره.
عقيدة إيديولوجية وفشل جزائري
محمد لمين النفاع، مسؤول عسكري سابق في البوليساريو عضو اللجنة السياسية لحركة “صحراويون من أجل السلام”، قال إن “إصرار جبهة البوليساريو على تبني الخطاب نفسه الذي تبنته في السبعينات رغم المتغيرات والتحولات التي عرفتها هذه القضية، راجع بالأساس إلى عاملين؛ أولهما أن البوليساريو أسست في بداياتها على إيديولوجية وعقيدة سياسية أعلت فيها من سقف المطالب، إذ إن تعاقدها مع ساكنة المخيمات حينها كان من أجل الاستقلال، وبالتالي فالقيادة الحالية تعتبر التراجع عن هذا المطلب بمثابة انتحار سياسي”.
أما العامل الثاني المفسر لتشبت الجبهة الانفصالية بهذا الخطاب غير الواقعي، فيتجلى، حسب لمين النفاع، في كون “البوليساريو لا تمتلك قراراها، إذ إن ما يقوله غالي وباقي قادة الجبهة إنما يُملى عليهم من طرف القيادة في الجزائر”، مؤكدا في هذا الصدد أن “عددا من قادة البوليساريو يعترفون بأن مطلب الاستقلال لا يمكن أن يتحقق، ويرغبون في التوصل إلى حل مع المغرب، غير أنهم في الوقت ذاته يعترفون بأنه البوليساريو لا تملك سلطة اتخاذ هذا النوع من القرار”.
وأوضح عضو اللجنة السياسية لحركة “صحراويون من أجل السلام”، في تصريح لهسبريس، أن “الرهان على إيجاد حل لهذا الصراع في ظل هذين العاملين، لا يمكن أن يتحقق، وهو ما يحتم البحث عن شركاء جدد يريدون فعلا لهذه القضية أن تحل بشكل سلمي ويؤمنون بضرورة التوصل إلى حل فعلي لهذا النزاع، وليس الرهان على استمراريته خدمة لأجندة معينة”.
وبخصوص دعوة زعيم الانفصاليين إلى “تقوية الجهاز الدبلوماسي”، أشار المتحدث إلى أن “مسؤولي البوليساريو عودونا على هذا الكلام الموجه أساسا للاستهلاك الداخلي، ثم إن الجبهة لا تمتلك أي جهاز دبلوماسي، حيث إن الدبلوماسية الجزائرية هي التي تتحرك على المستوى الدولي وتهيئ الأرضية قبل أن تأتي بمسؤولي الجبهة لتؤثث بهم المشهد وليلعبوا الأدوار التي أنيطت بهم”، مسجلا أن “كلام غالي يؤكد فشل الدبلوماسية الجزائرية في تدبير هذا الملف وفي تحقيق أي تراكمات لصالح طرحها ومشروعها”.
ولفت المسؤول العسكري السابق بالجبهة إلى أن “قادة البوليساريو يناقضون أنفسهم بالتهجم على أدوار مجلس الأمن الدولي الذي يحاولون أن يعلقوا عليه شماعة فشلهم”، مشددا على أن “هجوم غالي على المجلس الأممي دليل على أن البوليساريو فشلت في صنع حلفاء يتبنون الطرح الذي تنادي به”.
تخوف انفصالي وشيخوخة سياسية
وخلص لمين النفاع إلى أن “مخاطبة البوليساريو موريتانيا على أعلى مستوى في الجبهة، يترجم حجم المخاوف من التقارب المغربي الموريتاني الأخير، خاصة على المستوى الاقتصادي، والتخوف أيضا من تغير موقف نواكشوط من هذا النزاع، إذ يريدونها أن تُبقي على موقفها الحالي حيال هذا الصراع وألّا يتطور إلى موقف أكثر ميلا وتأييدا للطرح المغربي”.
من جهته، قال محمد شريف العروسي أحمد سالم، عضو سابق بالبوليساريو مسؤول العلاقات الخارجية بـ”حركة صحراويون من أجل السلام”، إن “قضية الاستقلال التام عن المغرب انتهت منذ زمن بعيد، في وقت تستمر فيه القيادات الهرمة لجبهة البوليساريو والمصابة بالشيخوخة السياسية في تضييع وقت الصحراويين من خلال التشبث بخطابات الحرب الباردة والكفاح المسلح”، مسجلا أن “الاستقلال لا يأتي إلا بالقوة العسكرية أو بالقوة السياسية والدبلوماسية، وهو ما لا تتوفر عليه الجبهة”.
وأوضح المتحدث لهسبريس أن “النخبة السياسية التي تحكم البوليساريو اليوم لم تعد قادرة على إنتاج أفكار سياسية جديدة وظلت حبيسة تصورات لم يعد بالإمكان تطبيقها على أرض الواقع بالنظر إلى التحولات الكبرى التي عرفها العالم في العقود الأخيرة، سواء على مستوى تطور مفهوم الحروب أو على مستوى تدبير وإدارة الصراعات الإقليمية والدولية”.
ولفت مسؤول العلاقات الخارجية بـ”حركة صحراويون من أجل السلام” إلى أن “الأمر المنطقي والواقعي في الوقت الحالي، هو تسوية هذه القضية بطريقة سلمية من خلال الحكم الذاتي المغربي الموسع الذي اقترحته المملكة المغربية، باعتباره الحل القابل للتطبيق على الأرض الذي يحظى بدعم دولي وأممي”، مشددا على أن “البوليساريو بتصورها الحالي باتت تشكل مشكلا كبيرا بالنسبة لدول المنطقة المغاربية، بما فيها موريتانيا نفسها”.
المصدر: هسبريس