اخبار السودان

إنتصر الجيش لنفسه ولكن من ينتصر للشعب المغلوب على أمره !!؟

سيد محمود الحاج

 

ظل الجيش خلال الثلاثة عقود الأخيرة يعمل على حماية النظام الحاكم دون الإهتمام بتقوية ذاته او الإهتمام بالمهام الموكلة إليه في الأساس وهي حماية الوطن والمواطن إذ لم يتسنى له ذلك بعد ان أصبح أداة تتحكم فيها عصبة عملت حثيثاً على إضعافه وفرض هيمنتها عليه بأدلجته وغربلته بحيث لم يبق على سطح الغربال إلاّ من أرادت له البقاء من عناصرها المندسين او من الضباط الخنوعين والذين لا يُخشى لهم بأسٌ ، أما غيرهم فقد أحيلوا للمعاش أو تمت تصفيتهم بطرق إكتنفها الغموض . ومثل الجيش كان حال الشرطة فقد أُفسدت عن عمد حتى بات بأس أفرادها يُخشى اكثر من بأس سائر المجرمين من لصوص وقُطاع طرق وغيرهم . أما الأجهزة الأمنية الأخرى فالحديث عنها يطول وما فعلته لا يحتاج إلى تسليط ضوء ويكفى ما حدث في بيوت الأشباح حيث أُدخلت الأسافين في أدبار الرجال وفي أدمغتهم ناهيك عن أفعال أخرى لم يفعل مثلها المغول ولا التتر ولا أسوأ الطغاة الذين عرفهم التاريخ فقد كانت ملكية خاصة لمن يقفون وراء النظام جُنّدت لها عناصر مؤدلجة لا علاقة لها بالعسكرية بل تم تجنيدهم وفقاً لإنتماءاتهم فمنهم معلمون ومنهم موظفون بل ومنهم عمال ومنهم من لم يكن له عمل ولا مؤهل له سوى صلة قرابة بينه وبين أحد المتنفذين وما أكثرهم !! .

إن عقيدة الجيوش ومهمتها الأساسية في كل دول العالم هي الزود عن حياض الوطن وضمان أمن المواطن وحماية الدستور لكن هل كان ذلك حال جيشنا خلال هيمنة نظام الإنقاذ المندحر !! …. بالطبع لا وكلنا نعلم هذه الحقيقة فلا داعي ان نستمر في المكابرة والمحاباة وذلك الخوف من قول الحقيقة والذي أوصلنا إلى ما أوصلنا إليه وما نعيشه الآن !!! فأين كان الجيش حين أستبيحت الفشقة وحلائب وشلاتين .. وأين كان حين قام رأس النظام بقذف نطفة الجنجويد في رحم الجيش ليحرق مئات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ في دارفور قبل أن يستفحل أمره ويصبح وحشاً يقضي على اليابس والأخضر ويفعل الأفاعيل في معظم مدن السودان وعلى رأسها عاصمة البلاد بمدنها الثلاث وضواحيها .. هل من عارٍ أكبر من ان تُستباح العاصمة وكل قيادات الجيش بما فيها القيادة العامة وفي وضح النهار!!؟ وهل كان من بادر بالضربة الأولى هو الدعم السريع كما يزعمون أم أن هنالك مجموعة لا تنصاع لأمر احد من قادة الجيش بل لأوامر نفر من نظام كان هو صاحب القرار وصاحب الأمر والنهي !!؟ .

ويقولون أن الجيش لم يكن له علم بالحرب بل أُخذ على حين غرة فما بال ذلك السور المنيع المشيد من الخرسانة المسلحة عقب إندلاع الثورة والذي أنفقت على تشييده مبالغ طائلة كانت كافية لتشييد عدد من المدارس والمشافي .. هل تم بناء ذلك الحصن تحصّناً من غضب شعب أعزل أم خوفاً من طرفٍ بات لديه من العدة والعتاد ما لم يتوفر لدى الجيش !!؟ .

قامت الحرب والثمن الذي دفعه الشعب المكلوم أكبر بمئات المرات مما دفعه الجيش ، فالشعب قد أغتصبت حرائره وقُتّل ابناءه ونهبت ممتلكاته ومتاجره وكل مايملكه وبات بين ليلة وضحاها بين نازح بين الأقاليم ولاجيء يستجدي قوت يومه على شوارع دول الجوار وهو الذي عاش عبر الحقب عزيز النفس كريم الخصال يأوي اللاجئين القادمين من دول أخرى ولم يعش مثل هذا الذل الذي عاشه في عهد ما عُرف بنظام الإنقاذ والذي كان أجدر أن يُطلق عليه نظام الأذلال أو نظام الإنقاص!! .

فسؤالنا أين كان الجيش وأين كانت الأجهزة الأمنية بمختلف مسمياتها حين هُتكت أعراض المواطن ونهبت ممتلكاته وسُلبت كرامته على أيدي أفراد الدعم السريع ومن أطلق سراحهم من السجون ومن عصابات النيقرز صنع أيدي ذاك النظام !! بالطبع كان الجيش في شغل عن واجباته المفروضة بعد أن بات مؤسسة تجارية وإقتصادية وأبعد ما تكون عن مهامها الأساسية .. مؤسسة تعني بتصدير الذهب واحتكار التجارة بأنشطتها المختلفة حتى فقد تلك الهيبة التي كان عليها في زمن أولئك الشرفاء الذين ظلوا حتى وفاتهم يقطنون منازل خصصتها لهم الحكومات ولم يقتني أحدهم منزلاً خاصا به فأين أولئك من صغار ضباط باتت دورهم تناطح السماء في عهد ما أسموه بنظام الإنقاذ !!؟ .

أين كان الجيش حين تآمر مع حليفه وبقية كتائب الكيزان على فض الإعتصام في ساحة القيادة العامة بالقتل غدراً والسحل والإغتصاب والتخلص من جثث الضحايا الأبرياء بالرمي في النيل او وضعها في حاويات ثم سكب المواد الحارقة عليها لإخفاء آثار جرمهم الشنيع بل وقد أوصد أبواب القيادة أمام من حاول الإستجارة بها … فشتان ما بين من أجاروا ضبعاً وبين من ظلوا ومازالوا يدّعون بأنهم جاؤوا لرفع لواء الإسلام فهل فعل مثل هذه الأفعال بوذي او مجوسي او حتى من لا يدين بدين في زمننا المعاصر هذا ؟؟؟ .

 

نقولها بصوت عالٍ ودون مواراة أو خوف أنه منذ العام ١٩٨٩م لم يعد الجيش ذلك الذي عرفناه منذ أن كان رجاله من أمثال احمد محمد وغيره من رجال خلدوا في الذاكرة وفي انصع صفحات التاريخ ، وبعد ان اصبح وكالة يديرها علي عثمان ونافع وعلي كرتي واحمد هارون وبعد ان غدا مؤسسة تجارية تتوخى الربح وتجهل شرف الوطن وعزّته .. نعم … لم يعد بإمكاننا أن نقول بأن لدينا جيش او شرطة او أي أجهزة أمنية اخرى بعد أن نخر سوس المتأسلمين في أوصالها وعبث بها أيّما عبث وعليه ينبغي أن يقدّم كل من يقدمون أنفسهم الآن كقادة للجيش للمحاسبة الفورية والميدانية بتهمة الخيانة وإهمال الواجبات الموكلة إليهم لصالح نفر لا علاقة لهم بالجيش والتي كانت نتيجتها ما عاناه المواطن المبتلى بأمثالهم من الذين باعوا ضمائرهم مقابل الجاه والسلطة .

هذه هي حقيقة الجيش الذي يرقص قادته الآن فرحاً بما يسمونه إنتصاراً لكنه في الحق ليس إنتصاراً ولكن فقط كنساً لأوساخ خلفها نظامهم المباد وإزاحة لتوأم كان أكثر منهم شرّاً … ألم يأتي الدعم السريع من رحم الجيش !!!؟ … إنهم الآن يلصقون تهمة الخيانة على كل من يقول الحقيقة وكل من يكشف عوراتهم لكن الحقيقة شمس لا تحجبها حجج المنافقين وهم بذلك يتذرعون بذات الحجج والمصدّات التي تستخدمها الماسونية من مثل معاداة السامية ومن يؤمنون بنظرية المؤامرة ولا غرابة في ذلك إذا تتبعنا حقيقة من هم ومن أين أتوا !! .

 

نقولها بصوت مجلجل … علينا أن نجلس جميعاً وبكل أطيافنا لننبذ الجهوية والعنصرية البغيضة لنتدارك امر الوطن الذي بات قاب قوسين أو أدنى من الزوال وان نعيد للسودان مجده وامنه وإبعاد كل المتسلطين وبناء سودان جديد عماده الحرية والعدل والمساواة ونبذ كل ما كان سائداً قبل هذه الحرب وتكوين جيش وأجهزة أمنية ولاؤها للوطن وحده وليس غير ذلك وهمها الأوحد أمن الوطن والمواطن بعيدة عن كل اجندة سياسية او أيدولوجية .. وإن لم نفعل ذلك الآن فلنلم أنفسنا على كل ما يترتب على ذلك حيث لا ينفع الندم من بعد!! .

المجد للوطن والعزة لشعبه وعاش السودان ولؤاءه خافقاً بين الأمم !! .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *