اخبار المغرب

حماس و”الدعوة الخاطئة”

في تحول غير محسوب العواقب، دعا القيادي في حركة حماس، سامي أبو زهري، الاثنين (31 مارس 2025)، “كل من يستطيع حمل السلاح في كل مكان في العالم الى أن يتحرك” ضد خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، حسب ما أوردته وسائل الإعلام.

والدعوة إلى حمل السلاح “في أي مكان في العالم” ضد المصالح الأمريكية والإسرائيلية تؤكد أن حماس، إن تبنت تلك الدعوة رسميا، وقعت أخيرا في فخ خطير من شأنه القضاء عليها والزج بآلاف الشباب والمتحمسين عبر العالم في قضايا الإرهاب. ذلك أن الأعمال التي دعا إليها القيادي في حماس تصنفها قوانين جميع الدول ضمن قضايا الإرهاب، بل إن حماس نفسها، وهي حركة تقاوم الاستعمار، لم تسلم عملياتها في الأراضي المحتلة من هذا التصنيف من طرف عدد من الدول.

ولا يختلف اثنان من أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والمدعوم بلا شروط من طرف الإدارة الأمريكية، يمثل أبشع فصول جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فقد خلف إلى حدود الساعة ما يقرب من 60 ألف قتيل معظمهم من الأطفال والنساء، وحكم بالتجويع والتهجير على 2.2 مليون شخص أصبحوا مهددين بالترحيل القصري في إطار خطة الرئيس دونالد ترامب الداعية إلى تهجير الفلسطينيين خارج غزة، بعد عاشو في سجن الحصار والقصف الإسرائيلي لأزيد من 15 شهرا.

ومن الإنصاف التذكير بأن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كانت طيلة تاريخ نضالها ضد المستعمر الإسرائيلي المدعوم أمريكيا، بعيدة عن التورط في عمليات استقطاب المقاتلين من غير الفلسطينيين إلى القتال معها، كما أنها أيضا نجحت في عدم الانزلاق إلى الدعوة إلى القيام بعمليات ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي الأخطاء التي ارتكبت في مناطق أخرى مثل أفغانستان والعراق وغيرهما، وزجت بآلاف الشباب في العالم الإسلامي في وضعيات غير قانونية تجاه دولهم، وفتحت أمامهم أبواب المحاكمات والسجون. وهذا السلوك حمى حماس حقيقة من تهم الإرهاب، وأعطى لعدد من الدول هامش منطقيا قويا لرفض التصنيف الأمريكي الإسرائيلي لها بالإرهاب، والاستمرار في التعامل معها رغم الضغوط الأمريكية القوية، على اعتبار أن العمليات التي تتبناها حماس داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة تدخل ضمن منطق مقاومة المستعمر.

فأبو زهري أعلن، وهو يعلق على تصريحات لمجرم الحرب نتانياهو قائلا، حسب نفس المصادر، إنه “إزاء هذا المخطط الشيطاني الذي يجمع بين المجازر والتجويع، فإن على كل من يستطيع حمل السلاح في كل مكان بالعالم أن يتحرك. لا تدخروا عبوة أو رصاصة أو سكينا أو حجرا، ليخرج الجميع عن صمته، كلنا آثمون إن بقيت مصالح أميركا والاحتلال الصهيوني آمنة في ظل ذبح وتجويع غز ة”.

فلو وجه أبو زهير تلك الدعوة إلى الفلسطينيين وفي نطاق الأراضي الفلسطينية، لكان شكلا من أشكال مقاومة المستعمر، أما والدعوة تستهدف “كل مكان في العالم” فهذه دعوة خاطئة وانحراف عن نهج المقاومة الرصين الذي التزمته حماس مند تأسيسها.

ولو هدد أبو زهير، مجرد تهديد، بالدعوة إلى استهداف المصالح الامريكية والإسرائيلية في أي مكان في العالم، إذا لم تتراجع الدولتان عن مخططاتهما، لفهم من ذلك، رغم كونه أيضا يدخل ضمن الخطاب الإرهابي، أنه يلعب بالنار.

لا بد من تسجيل أمر هام، وهو أن حماس لم تعلن بعد تبنيها أو رفضها لدعوة أبو زهير. لكن، وفي انتظار ذلك، فتلك الدعوة مع الأسف محسوبة عليها.

وهنا تثار أسئلة مهمة، أولها لماذا انزلق أبو زهير إلى هذا الخطاب الخاطئ المرفوض؟ هل يُعتبر ذلك مؤشرا على انسداد أفق المقاومة على الأرض؟ هل ضعف الموقع القتالي والتفاوضي لحماس وتحاول البحث عن موقع أقوى بتوظيف ورقة العمليات خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة ضد المصالح الإسرائيلية والأمريكية؟ هل يدرك أبو زهير أن دعوته تجعل حماس في خانة الارهاب؟ ألا يدرك أبو زهير أن وقوع أي عملية من النوع الذي دعا إليه سوف يقوي موقف إسرائيل وأمريكي الداعي إلى استئصالها؟ ألن يدفع ذلك باقي الدول إلى الانضمام إلى الموقف الإسرائيلي الأمريكي المتطرف، والداعي إلى استئصال المقاومة وتهجير الفلسطينيين؟ هل يضمن أبو زهير بقاء دول ومنظمات تساند المقاومة الفلسطينية على موقفها وهي تدخل بخطابها دائرة الخطاب الإرهابي؟ هل يستطيع أبو زهير ضبط أي “ديناميكية إرهابية” تنشأ عن دعوته؟ وهل يدرك أن الاستجابة، ولو بشكل محدود ومتفرق لدعوته، يعني أن دولة الاحتلال وداعمتها أمريكا سيكون لهما المبرر الأقوى لمواصلة العدوان على قطاع غزة و كل فلسطين؟

والسؤال الأخطر هو، هل يدرك أبو زهير أن دعوته تلك إن تمت الاستجابة لها، ولو في حدود محدودة ومتفرقة، فهي تفوق في تداعياتها الأمنية والسياسية والدبلوماسية هجوم 7 من أكتوبر على دولة الاحتلال، في منطق موازين القوى الإقليمية والعالمية الحالية الراجحة لصالح أعداء القضية الفلسطينية، وأنها قد تعني إعطاء المبرر دوليا لنهاية القضية الفلسطينية نفسها، لا قدر الله؟

الأسئلة السابقة وغيرها كثير تحاول رسم ملامح الخطورة التي تمثلها دعوة أبو زهير على حماس نفسها وعلى فصائل المقاومة في فلسطين جميعا، وعلى القضية الفلسطينية.

إنه إذا كان أبو زهير إنما يعبر عن رأيه الشخصي المنفعل، فعلى عقلاء حركة المقاومة حماس الإسراع إلى إعادة الأمور إلى نصابها وبيان التزام الحركة بنهج المقاومة الأصيل الذي نالت بفضله زخم التأييد التي تتمتع به داخل وخارج فلسطين، سواء على مستوى الشعوب أو على مستوى الدول والمنظمات الدولية.

المصدر: العمق المغربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *