اخبار المغرب

بوسريف يكشف البدع الشعرية داخل “السنن” ويدافع عن التجربة الفردية

في جزأين، صدر عن دار فضاءات بعمَّان الأردنية كتاب جديد للناقد والشاعر صلاح بوسريف، بعنوان “مُناكَفَة الأسلاف (السُنَن والبدِع)”.

ويدخل الكتاب، وفق ورقته التقديمية، في سياق المشروع النقديّ ـ النظري لبوسريف الذي هو “تعبير عن الأفق الشِّعْرِيّ لحداثة الكتابة في الشِّعر العربي المُعاصِر، وفي سياق تجربة الشَّاعر نفسه، الذي كانت كُتُبُه النقدية النظرية، بما فيها الأعمال الشعرية التي صدرت له، إضاءة لهذه التجربة التي قطعت مع مفاهيم وتصوُّراتٍ، الحداثة نفسها لم تراجعها ولم تنتقدها، ولعلَّ أبرزها مفهوم وبناء «القصيدة»، وما تجرُّه خلفها من بناء ماضويّ لم تتحرَّر منه الحداثة نفسها، حتَّى وهي تسعى إلى تجاوز مفاهيم الماضي والتأسيس لأفق حداثي مغاير، يدَّعِي التجاوز والتخطي”.

ويسعى بوسريف في هذا الكتاب إلى “إعادة تفكيك مفهوميْ السُّنَن والبِدَع، وإخراج التعبيريْن من سياقهما الذي لا نفتأ نربطهما به، وهو السياق الديني، في حين أنَّ مفهوم البِدَع، في اللغة، هو نفسه مفهوم الإحداث، وما يكون جديداً طارئاً، وهو مفاجئ ومُباغت، دائماً”، كما أنه في علاقة بالسياق الشِّعْرِيّ الخاص، والسياق الثقافي العام؛ “البِدَع هي أساس كُلّ خَلْق وتجديد وتحديث، وهي سابقة على السُنَن، لأنَّ السُنَن في أصلها هي تنميط، وتسييج، وحَصْر، وتقعيد، وتجميد للبِدَع، بل استهجانها، واعتبارها إفْساداً من قِبَل من اكتفوا بالسُّنن باعتبارها أصلاً”.

ويرى الشاعر أن ما تعتبر سُننا هي “بِدع أفرغت من حركيتها، ومن حريتها، ومن مبدأ الصيرورة الذي هو طبيعيّ في الثقافة التي من خلق وابتكار وإبداع الإنسان بما هو عقل وخيال، وأفق مفتوح على المجهول واللانهائِيّ”.

ويعود الكتاب في جزأيه إلى الماضي، كما يعود إلى الراهن، “بنوع من المراجعة والتفكيك ونقد الحداثة، لما وقعت فيه الحداثة نفسها من مفارقات وتناقضات، أو من سهو ونسيانٍ، ومن سطوة البداهة والاجترار، وظنَّت أن الماضي أصبح وراءها، فيما الماضي بقي أمامها، هو من يقودها، لا هي من تقوده، خصوصاً أنَّ بنيات «القصيدة»، وبناءها الشفاهِيّ ـ الغنائي، وانحسارها في دوالّ «القصيدة»، بما هي تدوين وليست كتابة، لا بالمعنى اللغوي وحده، بل بالمعنى السيميائي، جعل الأذن هي من تقرأ، وباقي الحواس نائمة في خدر الصوت، وفي خدر البنية الإنشادية التي لم ترق إلى مستوى الكتابة بما هي أفق حداثي، بوعي دوالِّها، وما يحدث في الكتاب، لا الديوان، من التَّفْضيات التي لها علاقة بالكتابة وبالكتاب، أو بالعمل الشعري الذي هو نصٌّ وليس خطاباً”.

ويتابع بوسريف: “وجودنا في الأسلاف هو غير وجود الأسلاف فينا (…) فنحن نستطيع أن نتحرَّر منهم بمناكفتهم، بنقدهم، وبمراجعتهم، ومُساءلتهم، لا أن نكون رهائن لفكرهم وما كتبوه من شعر، وهذا ما يجعلنا نكتشفهم ونعرفهم، كما نعرف أنفسنا، ونكتشف ما عندنا من قدرة على الخلق والإبداع، وعلى السؤال، وما يثوي في الأعمال الراهنة من أسرار شعرية أعمتنا السنن عنها، خصوصاً المعاصرة منها، مما وضعناه نحن، وأصبحنا نراه الحقيقة المعرفية والإبداعية المطلقة، وهذا ما حدث في الماضي، بالمعنى نفسه، وبالفكر نفسه، أي بذهنية السُّنَن نفسها”.

ويرى الكاتب أن الأسلاف “ليسوا من مضوا، بل من هُم معنا، أو من كانوا من الحديثين أو المعاصرين”، ويؤكِّد على “مفهوم التجربة الفردية”، فهي “ما يمكن أن يُتِيح لنا قراءة الشِّعْر اليوم، لا بجمع الجميع في «المَتْن» نفسه بنوع من الحَشْر الغامِض، لنقرأهم بالقراءة نفسها، ونحكم عليهم بالحكم نفسه، وبالمفاهيم والمناهج والتصورات نفسها، وهذا من أعطاب المعرفة الشعرية التي لا تقرأ الشِّعر إلا بما هو موجود ومُتاح، أو مُكرَّس بالأحرى. فما لم نذهب إلى هذه التجارب بما فيها من خصوصيات وفرادات، وما تحدثه من اختراقات وانشقاقات، ستبقى السنن هي ما يحكم على البِدَع، أي الحكم على الأصل بما هو تالٍ له، وهذا من أعطاب علاقة الخَلَف بالسلف، بل من أعطاب الثقافة العربية في ذهنيتها العامَّة”.

ويسائل ويراجع ويمحّص جزءا الكتاب “تقدير السُّنَن، في الكشف عن البِدَع فيها، وعن الاختراقات التي يمكن أن تكون المقدمة لما نذهب إليه، ليس في الشِّعْر العربيّ فقط، بل في الثقافة العربية في عمومها”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *