اخبار السودان

صرخة وطن في وجه التجاهل ..!!؟؟

د. عثمان الوجيه

 

في قلب الخرطوم النازفة، حيث تتصاعد أنات الجراح وتئن الأرض تحت وطأة الصراع الدامي، صدر صوتٌ مدوٍّ يعكس كبرياء أمةٍ جريحة، لقد أعلن السودان، بلسان وزير خارجيته، رفضه القاطع لقرار بريطانيا بعقد مؤتمر دولي مصيري بشأن مستقبله المنكوب، دون أن تجد حكومته الشرعية موضعًا بين المدعوين، فحملت الأيام الماضية رسالة خطية ملؤها العتب والاستنكار، انطلقت من الخرطوم المثقلة بالهموم لتستقر بين يدي وزير الخارجية البريطاني، سطورها خطّها وزير الخارجية السوداني، معبرًا عن دهشة بلاده واستيائه العميق من هذا التجاهل الصارخ، كيف يُعقل أن يُبحث مصير وطنٍ عريق، له تاريخ راسخ ومكانة بين الأمم، خلف أبواب موصدة في وجه ممثليه الشرعيين؟ لقد تجلى في كلمات الوزير يوسف أسفٌ مريرٌ لنهج الحكومة البريطانية، التي ارتأت أن تساوي بين دولة ذات سيادة، شامخة بتاريخها وعضويتها في الأمم المتحدة منذ عقود طويلة، وبين مليشيا متمردة، وصفها السودان بالإرهابية، ملطخة أيديها بدماء الأبرياء، مرتكبة أفعالًا وحشية ترقى إلى جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، فضائع لم يشهد لها السودان مثيلًا، تلك المليشيا التي أشعلت فتيل حرب ضروس في الخامس عشر من أبريل عام ألفين وثلاثة وعشرين، ولا تزال نيرانها مستعرة حتى يومنا هذا، حربًا مزقت أوصال البلاد، وشرّدت الملايين من ديارهم الآمنة، وحصدت أرواح الآلاف، وأتت على الأخضر واليابس في أرض السودان الطيبة، فكيف يُستدعى الغائب الحاضر في ساحات الوغى، ويُقصى صاحب الحق والسيادة؟ أي منطق هذا الذي يرتضيه العالم؟ وأي عدل يسمح بتجاهل صوت شعبٍ يكابد أهوال الحرب ويئن تحت وطأة الفقد؟ لقد كانت صرخة السودان مدوية، تعبر عن رفضه لأي محاولة لتجاوز إرادته أو تهميش دوره في تقرير مصيره، إنها صرخة وطنٍ جريح، يطالب باحترامه وتقدير تضحياته، ويؤكد على حقه الأصيل في أن يكون حاضرًا ومؤثرًا في أي نقاش أو قرار يتعلق بمستقبله، فهل سيجد هذا النداء الصادق آذانًا صاغية في أروقة السياسة الدولية؟ وهل سيُنصف التاريخ أمةً عانت ما لم يعانه الكثيرون؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة .. هنا تحضرني طرفة فليسمح لي القارئ الحصيف بأن أوجزها في هذه المساحة وبهذه العجالة وهي: لقد مر عامان عجاف على وطني السودان منذ الخامس عشر من أبريل لعام ألفين وثلاثة وعشرين، عامان وأنا أشهد بأم عيني كيف تمزق أرضي الطيبة بنيران حرب ضروس، حرب لا هوادة فيها بين جيشنا الوطني وتلك الميليشيا المتمردة التي تسمي نفسها “الدعم السريع”، لقد رأيت بأم عيني كيف تشرد الملايين من ديارهم الآمنة، وكيف ارتفعت أرواح الآلاف إلى بارئها، وكيف تحول الأخضر واليابس إلى رماد أسود يلف وطني الحبيب، وفي خضم هذا الألم والوجع، بدأت تلوح في الأفق بارقة أمل ضعيفة، حيث دعت بعض الدول الشقيقة والصديقة إلى رعاية مفاوضات علها تضع حدًا لهذه الكارثة التي حلت بنا، لكن ما أثار دهشتي واستغرابي حقًا، بل وكاد يذهب بعقلي، هو ظهور أشباح الماضي، أولئك الذين ظننا أن صفحتهم قد طويت إلى الأبد، لقد رأيت بأم عيني كيف تجرأ قادة “حزب المؤتمر الوطني” و”الحركة الإسلامية”، حزب الرئيس المخلوع عمر البشير الذي أسقطه شعبنا بثورة مجيدة في الحادي عشر من أبريل لعام ألفين وتسعة عشر، كيف تجرأوا على الزعم بأنهم تلقوا دعوات للمشاركة في هذه المفاوضات المصيرية لوقف الحرب! بل وظهر ذلك القيادي في الحركة الإسلامية، المدعو أمين حسن عمر، ليتبجح بأن حركتهم قد جنحت للسلم! يا له من تناقض صارخ! ويا لها من وقاحة لا تُغتفر! كيف لهم أن يظهروا في هذا التوقيت العصيب بالذات؟ ألم يعلموا أن ذاكرة الشعب السوداني ليست بالضعيفة؟ ألم يعلموا أن كل فرد في هذا الوطن يعي تمام الوعي أن شرارة هذه الحرب اللعينة قد أوقدها أولئك الذين ينتمون إليهم؟ إنهم هم الذين زرعوا بذور الفتنة والفرقة، وهم الذين لا يريدون لهذه الحرب أن تنتهي، لأن في استمرارها بقاءً لهم ونفوذًا، لقد شعرت بالذهول والاشمئزاز وأنا أرى هذه الوجوه التي تلطخت أيديهم بدماء الأبرياء تحاول أن تتصدر المشهد وكأنهم حمائم سلام، إنهم كمن يشعل النار ثم يدعي أنه جاء ليطفئها، إنهم آخر من يحق لهم الحديث عن السلام أو المشاركة في أي مفاوضات تهدف إلى وقف هذه الحرب التي هم وقودها ومحركها الأساسي، أتساءل بمرارة: هل يظنون أن الشعب السوداني قد نسي جرائمهم؟ هل يظنون أننا سنسمح لهم بالعودة إلى السلطة من جديد تحت ستار المفاوضات؟ هيهات هيهات! لقد تعلمنا الدرس جيدًا، ولن نسمح لتلك القوى الظلامية أن تعبث بمصير وطننا مرة أخرى، إن السلام الحقيقي لن يتحقق إلا برحيلهم الكامل وغير المشروط عن المشهد السياسي السوداني، ومحاسبتهم على كل قطرة دم سالت وكل روح أزهقت بسبب طمعهم وجشعهم للسلطة

I wonder bitterly: Do they think that the Sudanese people have forgotten their crimes? Do they think that we will allow them to return to power again under the guise of negotiations? Never! We have learned our lesson well, and we will not allow those dark forces to tamper with the fate of our country again. True peace will only be achieved by their complete and unconditional departure from the Sudanese political scene, and by holding them accountable for every drop of blood shed and every soul lost because of their greed and avarice for power

وعلى قول جدتي: “دقي يا مزيكا !!”.

خروج: “حجاب الحق على شاشة لبنان !!” ففي صرح إعلامي عريق، لطالما اعتُبر مرآة لبنان ولسانه الناطق، تفجرت شرارة جدل لم تكن متوقعة، لم تثرها رياح السياسة وتقلباتها المعهودة، بل قضية جوهرية مست صميم الهوية والحقوق، عاد “تلفزيون لبنان” إلى واجهة الأحداث، لا بسبب تعيينات إدارية كعادته، بل بسبب قرار أثار استياءً واسعًا، تمثل في منع إعلامية مسلمة محجبة من الظهور على شاشته، تبريرات الإدارة جاءت على لسان المديرة العامة المساعدة، التي استندت إلى “عرف تاريخي” يمنع ظهور أي “إشارات أو شعائر أو رموز دينية” على الشاشة، زاعمةً أن هذا النهج التزمت به جميع الإدارات السابقة، وطُبق على المذيعات من مختلف الطوائف، فبدأت فصول هذه القضية المؤلمة في خضم الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، حين اضطرت بعض المؤسسات الإعلامية، ومن بينها “تلفزيون لبنان”، إلى الاستعانة بمراسلين لتغطية الأحداث المتسارعة، من بين هؤلاء، برزت الإعلامية زينب ياسين، المحجبة التي كانت تعمل في قسم محرري شريط الأخبار، تردد أن ظهورها الأول على الشاشة لم يلق استحسان البعض في إدارة التلفزيون، وما إن وضعت الحرب أوزارها، حتى توقف ظهور زينب، سعت إلى مديرة الأخبار، طالبةً نقلها إلى قسم المراسلين، لكن طلبها أُحيل إلى الإدارة، الحجة كانت واضحة : سياسة التلفزيون تقتضي مراجعة الإدارة في شأن ظهورها بالحجاب، وفي ظل غياب مجلس إدارة مُعيّن، وصل الرد قاطعًا : لا مكان لرمز ديني على شاشة التلفزيون الرسمي، لم تجد الإعلامية زينب بدًا سوى تقديم استقالتها، لتشتعل على إثرها نار الغضب والاستنكار، حملة واسعة شُنت على “تلفزيون لبنان”، وُصف القرار بالجائر، وتعديًا على مبدأ المساواة والحقوق الأساسية للمواطنين، رد الإدارة جاء سريعًا، محاولًا امتصاص الصدمة وتفنيد الاتهامات، بيان صدر عن المديرة العامة المساعدة نفى وجود “مغالطات ومعلومات غير صحيحة”، وفيما يتعلق بالحجاب، أوضحت أن زينب ليست موظفة بل متعاقدة، وبالتالي لا يحق لها فرض شروط لتغيير وضعها الوظيفي، ونفت أيضًا أن تكون الإعلامية ضحية “توجهات طائفية”، مشيرةً إلى أنها تعمل في قسم السوشيال ميديا وتحديدًا في الشريط الإخباري، وأن توقف ظهورها تزامن مع انتهاء الحاجة إلى خدمات المراسلين المؤقتين، شأنها شأن غيرها ممن استعين بهم خلال الحرب، واعتبرت الإيحاء بوجود “تمييز ديني” تضليلًا للحقائق، أضاف البيان أن محاولة زينب الضغط بالاستقالة للسماح لها بالظهور بالحجاب ليس أمرًا جديدًا، بل سبق طرحه في عهد سابق وحُسم بالرفض، وختمت بالتأكيد على أن أي تغيير في هذه المعايير المعتمدة منذ عقود طويلة هو من صلاحيات مجلس الإدارة حصراً، والذي يسعى وزير الإعلام لتشكيله، يبقى أن نشير إلى أن قنوات أخرى في لبنان، مثل LBCI، استعانت بمراسلة محجبة خلال الحرب الأخيرة، بينما تظهر مذيعات أخبار محجبات على شاشة “المنار” وإن بنسبة أقل على شاشة NBN، ومن هنا أعلن تضامني الكامل مع الاستاذة الإعلامية زينب ياسين، وأرى في منعها من الظهور بحجابها على شاشة “تلفزيون لبنان” مساسًا بحقها الأصيل في ممارسة عملها بحرية وكرامة، وتضييقًا على مبدأ التنوع والتعددية الذي يجب أن تحتضنه وسائل الإعلام الوطنية، إن الحجاب ليس مجرد قطعة قماش، بل هو جزء من هوية إنسانة مسلمة، ولا ينبغي أن يكون عائقًا أمام كفاءتها وجدارتها المهنية، وأدعو إلى مراجعة هذه السياسات التي تبدو وكأنها تنتهك روح الدستور وقيم الانفتاح والتسامح التي يجب أن يتحلى بها لبنان..

#أوقفوا الحرب

ولن أزيد،، والسلام ختام.

 

 [email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *