كتب يوسف محمد:
10:13 م
15/11/2025
في ستينات وسبيعينات القرن الماضي، كان الاسم الأشهر في شوارع مصر وبالأخص في منطقة القلعة، شخص يدعى محيي الدين مهدي الشهير بـ “أراجوز”.
كان الجميع ينتظره في ساحات مصر، لمتابعة ما سيقدمه من مهارات بالكرة الشراب، التي كانت تسيطر على شوارع المحروسة آنذاك.
وكان أراجوز لا يزال طفلا في السادسة من عمره، حين بدأت أصوات تظهر حوله، لم يكن يميزها لكنها تحمل غضب وحماسة شديدة في آن، لذا قاده فضوله للبحث عن مصدرها، ليجد أنها ليست سوى ساحة تمتلئ بعشرات الأشخاص وربما المئات يتنافسون فيما بينهم ويحجبون الرؤية عن شيء كان لا يزال مجهولا بالنسبة له ولا يعرف مصدره ما هو هذا الشيء الذي يخلق ضجيجا كبيرا من حوله؟.
ومع فضوله الذي اشتعل شيئا فشيئا، ورغبته في معرفة مصدر الصوت الذي شغل باله كثيرا تحرك محيي الدين مهدي بجسده الصغير بصعوبة بين المتابعين والمشاهدين، لمعرفة ما يحدث وسط هذه الساحة الكبيرة وخلف الجدران البشرية. يقول: “أعجبت بهؤلاء اللاعبين وقتها وازداد تعلّقي بها بعدما شاهدت شقيقي الأكبر وهو يلعب الكرة الشراب باحترافية”.
ويعيد أراجوز الفضل في حبه وتعلقه بهذه اللعبة، إلى شقيقه الأكبر، قائلا: “بدأت كرة القدم منذ طفولتي رفقة شقيقي الأكبر الذي كان يتمتع بموهبة كبيرة، والدورات الرمضانية في أحياء مصر المختلفة، كانت بالنسبة لي العرس الكروي في هذه اللعبة”.
بعد سنوات، جاور مهدي الذي أطلق عليه أصدقاؤه لقب “أراجوز”، شقيقه في فريق واحد ينافسان باقي فرق القرى والمدن المجاورة في البطولات والدورات الرمضانية، والتي كانت “العرس الكروي للكرة الشراب” في هذا الوقت.
بداية الشهرة “الحاوي”
جذبت موهبة أراجوز الأنظار إليه منذ بشدة منذ بدأ لعب الكرة الشراب: “شهرتي في الكرة الشراب بدأت بعمر 11 عاما، خلال لعبي بفريق أرض يعقوب بالسيدة زينب، قبل أن انتقل للعب باسم منطقة القلعة، بعدما تمسك بي الكابتن محروس كامل أشهر منظم دورات الكرة الشراب، للعب معه في فريق القلعة، كان يعتبرني فريقا بمفردي ويلبي كل طلباتي واحتياجاتي، عقب أول مباراة جمعت بين القلعة وأرض يعقوب وكنت ألعب ضمن صفوف الأخير آنذاك”.
بدا أداء أراجوز، في الساحات “خياليا” مما جعل الكثير من المتفرجين والمشاهدين يعتقدون أنه “حاوي”: “كنت أقدم أمور خيالية ولا تصدق بالكرة، وبعض الأشخاص كانوا يعتقدون أنني حاوي لما أقوم به، ما يقدمه نجوم عالميين في الوقت الحالي ويحصلون على مليارات مقابل تقديم هذه المهارات، كنت أقوم به منذ 40 و50 عاما”.
وشهرة أراجوز تخطت حاجز العاصمة “القاهرة”، وذاع صيته في كل محافظات مصر لذا بات يطلب للعب هناك: “بعض منظمي الدورات كانوا يطلبونني للعب مع فرقهم، مقابل مبالغ مالية كبيرة في ذلك الوقت مع تحمّلهم قيمة حذائي الرياضي”.
وموهبة أراجوز الذي أشاد بها الكثير من عظماء اللعبة مثل محمود الخطيب أسطورة النادي الأهلي والكرة المصرية، إذ قال في أحد تصريحاته التلفزيونية السابقة: “محيي أراجوز من أفضل اللاعبين الذين شاهدتهم على الإطلاق في حياتي”.

ندم على الأهلي
وعلى عكس الكثير من أبناء جيله لم يكن حلم الأهلي والزمالك يراود أراجوز، الذي كان يحصل على الأموال بكثرة نظير لعبه للدورات في محافظات مصر المختلفة، فيقول: “الكثير من أندية مصر تواصلت معي للانضمام إليهم، على رأسهم النادي الأهلي، من خلال الكابتن مصطفى حسين، ولكنني رفضت بسبب ضعف المقابل المادي، فقيمة العقد الذي كنت سأحصل عليه في الأهلي آنذاك 20 جنيها في الشهر، فيما كنت أتقاضى مبلغ 50 جنيه في مباراة الكرة الشراب”.
وأبدى أراجوز ندمه على عدم الانضمام إلى أي من الفرق الكبيرة، خلال فترة توهجه في الكرة الشراب: “ندمان على عدم انضمامي للأهلي، هناك بعض الناس لم يقدموا نصف ما قدمته في الكرة ولا يمتلكون موهبتي، أصبحوا في مكانة مختلفة بسبب احترافهم الكرة، عدم الاعتماد على ممارسة الكرة الشراب فقط، لكنني كنت أنظر فقط للجانب المادي آنذاك وإذا كنت أعلم أن الزمن سيختلف بهذا الشكل كنت لن أتردد في الانضمام للأهلي”.
وتجلت موهبة أراجوز بشكل كبير، في المتابعة الجماهيرية الكبيرة التي كان يحظى بها في أي منطقة يذهب للعب بها: “كنت أتمتع بشهرة كبيرة والجميع كان ينتظر متابعتي، فالساحات التي كنا نلعب فيها المباريات، كانت تمتلئ بالجماهير والشوارع تغلق من الازدحام”.
ويكمل: “زاملت الكثير من نجوم كرة القدم المصرية خلال فترة لعبي كرة شراب، وجميعهم كانوا يتمنون اللعب بجواري”، هكذا تغنى أراجوز بالموهبة الكبير التي منحها الله له في كرة القدم، التي جعلته أسطورة للعبة الكرة الشراب إلى الآن، على الرغم من اندثارها منذ أكثر من 30 عاما.
رفقاء اللعبة
مع توالي مشاركاته في الدورات ذاع صيت أراجوز، الذي عاصر في فترته الذهبية عدد كبير من نجوم كرة القدم الذين لعبوا بجواره أو كانوا يتنافسون ضد بعض في فرق مختلفة، مثل أسطورة الكرة المصرية والنادي الأهلي السابق محمود الخطيب، أسطورة نادي الزمالك فاروق جعفر، صفوت عبد الحليم وغيرهم من اللاعبين الذين كتبوا أسماءهم بحروف من ذهب في تاريخ الكرة المصرية.
ويحكي أراجوز: “من النجوم الكبار في الكرة المصرية الذي تمتعوا بموهبة خاصة في الكرة الشراب أيضًا، هو نجم الترسانة ومنتخب مصر السابق مصطفى رياض، كان يطلق عليه المتابعين ومحبي الكرة الشراب، اسم الغزال، بجانب أسامة عرابي، أمين عرابي”.
وانهال أسطورة الكرة الشراب بالمدح في “بيبو” محمود الخطيب رئيس الأهلي الحالي وأسطورة الكرة المصرية السابق، “تربطني علاقة بمحمود الخطيب من قبل ذهابه إلى الأهلي بفترة كبيرة، من خلال لعب الكرة الشراب معا في الساحات الشعبية، والشهرة والنجومية التي حصل عليها بعد الانضمام للأهلي لم تغييره بأي شكل”.
ولم يتوقف أراجوز عن مدح الخطيب، فيقول: “طول عمره شخص خير بدرجة كبيرة وخدوم، هو اللاعب الأحرف في تاريخ الكرة المصرية، لم يأتي في الملاعب مثله داخل مصر، فهو حكاية من حكايات الزمن، كان يمتلك القدرة على اختراع مهارات جديدة في كرة القدم وليس ممارسة اللعبة بشكلها التقليدي، كان بإمكانه الاحتراف في الخارج وهو جالس في منزله”.
“انقرضت الكرة الشراب في مصر انقرضت المواهب”، بهذه الكلمات القليلة أوضح أراجوز سبب ندرة المواهب في الكرة المصرية خلال الفترة الماضية، إذا يرى أنها المنجم الأساسي للمواهب في كرة القدم وبشكل خاص الكرة المصرية.
ومع ممارسة كل هؤلاء النجوم لكرة الشراب، أكد أراجوز أن هذه اللعبة تمثل أساس الكرة، فيقول: “الكرة الشراب أساس موهبة لاعب كرة القدم، فهي التي تعلم اللاعب مهارات وفنيات الكرة بشكل كبير وعلى نطاق واسع، فهناك نجوم اكتسبوا شعبية كبيرة في المستطيل الأخضر ولكن لم يكن لديهم القدرة على لعب كرة شراب”.
ويقول أراجوز بصوت حزين، ووجه تكتسيه علامات الحسرة على انقراض هذه اللعبة: “انقرضت الكرة الشراب في مصر انقرضت المواهب”، في إشارة إلى سبب ندرة المواهب داخل مصر، إذا يرى أنها المنجم الأساسي للمواهب في كرة القدم وبشكل خاص الكرة المصرية.

ساحات تاريخية ومواقف لا تنسى
مثلما تشتهر بعض الاستادات والملاعب في جميع أنحاء العالم بكونها تملك تاريخا كبيرا وإرثا عظيما في كرة القدم، فهناك بعض الساحات الشعبية، التي كانت تعد مهد للكرة الشراب في السبعينيات والثمانينيات، منها ملعب محروس كامل بالسيدة عائشة، ملعب ميدان عابدين، القللي، هذه كانت من أشهر الساحات للعب الكرة الشراب، فكانت تمتلئ بالجماهير وتحاوط الملعب بشكل كبير لمتابعة المباريات التي كان يتم تنظيمها”.
والمواقف الطريفة ليست في ملاعب المستطيل الأخضر، بل أنها كثيرا ما كانت تحدث في الساحات الشعبية ومباريات الكرة الشراب، ومنها ما رواه لنا أراجوز، فيقول: “في إحدى المباريات التي لعبتها بمنطقة عابدين حدث لي موقف طريف مع لاعب من الفريق المنافس”.
ويكشف نجم الكرة الشراب في القرن الماضي عن الموقف، قائلا: “لعبت لي كرة عرضية خلال هذا اللقاء من زميلي بالفريق وذهبت عليها لتسديدها داخل المرمى، لكنني قمت بتثبيتها حتى تم خداع حارس الفريق المنافس، الذي سقط على الأرض وارتطم بالعارضة في هذه اللعبة، لذلك رفضت تسديد الكرة داخل المرمى وقمت بتسليمها له للاطمئنان عليه، لكنه أعتبر هذا نوع من السخرية أو التقليل منه ليقوم فجأة بصفعي في وجهي”.

أقرأ أيضًا:
“يتعلق بأبنائه”.. قرار عاجل من نادي الزمالك بشأن الراحل محمد صبري
أحمد نبيل مانجا “لمصراوي”: عائلتي ستشجع الأهلي ضدي.. وهذا يوم التخلي عن انتمائي
