كتب يوسف محمد:
04:11 ص
24/11/2025
الكرة الشراب كانت بتجنّني، هكذا وصف سعيد الحافي، أسطورة الكرة الشراب، حبَّه لهذه اللعبة التي كانت تمثل كلَّ حياته، ولا يتخيَّلها دون هذه اللعبة.
لا يمكن الحديث عن الكرة الشراب، التي كانت مصدرًا أساسيًا لخروج أساطير الكرة المصرية في القرن الماضي، دون أن نذكر واحدًا من أبرز من لعبها على مدار التاريخ، وبالأخص خلال الستينات والسبعينات، وهو سعيد فتحي الشهير بـ”سعيد الحافي”.
وعلى الرغم من كون الحافي لم يلعب على الصعيد الاحترافي في كرة القدم، إلا أنه واحدٌ من الأسماء اللامعة التي لا يمكن نسيانها في كرة القدم، وبالأخص بين لاعبي الكرة الشراب. ففي بداية خمسينات القرن الماضي حتى منتصف الثمانينات، كانت تُغلق الشوارع وتمتلئ الساحات الشعبية، لمتابعة المباريات التي يشارك فيها الحافي.
ومع نهاية أربعينات القرن الماضي، كانت شوارع منطقة إمبابة تشهد بزوغ نجمٍ في كرة القدم، ولكن هذه المرة في كرة الشراب، هو سعيد الحافي، الذي لفتت مهاراته كلَّ من شاهده، على الرغم من أنه لم يكن عمره يتخطى الـ10 سنوات في ذلك الوقت، إلا أن ما كان يقدمه بهذه اللفافة القماشية يفوق ما يفعله نجوم كبار في الساحرة المستديرة وداخل المستطيل الأخضر.
واستمر الحافي يومًا تلو الآخر يبهر المتابعين بإمكانياته الكبيرة في كرة القدم، وتخطت شهرته منطقة إمبابة حيث أصبح يلعب مباريات في مناطق أخرى، وفي بعض الأوقات كان يشارك في مباريات خارج القاهرة.
وأصبحت الجماهير تأتي من كل أحياء مصر لمشاهدة مهارات الحافي، ومع انتشار اسمه وكثرة الحديث عن موهبته الكبيرة، انتبه إليه الكثير من كشافي الأندية المصرية، الذين تسارعوا لخطف الحافي، آملين في صناعة أسطورة كروية على المستطيل الأخضر.
سعيد الحافي ورفض الأهلي
وعندما شاهده عبده البقال، كشاف المواهب للنادي الأهلي في منتصف القرن الماضي، انبهر بطريقة لعبه، وهو ما جعله يصطحبه إلى اختبارات المارد الأحمر مباشرة. لكن الحافي أكد في تصريحات صحفية أنه فضّل عدم الانضمام للنادي الأهلي بسبب المقابل المادي، إذ كان سيحصل على 17 جنيهًا في الشهر، وهو مبلغ بسيط مقارنة بما يتقاضاه في مباريات الكرة الشراب.
واستمر الحافي لسنوات طويلة يمارس كرة القدم في الشوارع، حيث ظل اسمه لامعًا في كرة الشراب، وهو ما جعله يُقارَن بنجوم كبار في الأهلي والزمالك لمدة تقترب من 40 عامًا، إذ كانت لعبة الكرة مصدر رزقه الأساسي آنذاك، فكان يتقاضى 10 جنيهات في المباراة، وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت لم يكن يتقاضاه نجوم القطبين.
وفي تصريحات سابقة، تحدث الراحل بأنه لعب كرة الشراب بجوار الكثير من أساطير الكرة المصرية، ومن بينهم: “مصطفى يونس، صفوت عبد الحليم، حسن شحاتة، فاروق جعفر، إبراهيم يوسف، وسيد يوسف”. كل هذه أسماء صنعت تاريخًا كبيرًا في كرة القدم المصرية، سواء مع المنتخب المصري أو مع القطبين الأهلي والزمالك، إلا أن الحافي نجح في وضع اسمه بجوارهم، نظرًا لمهارته الكبيرة في هذه اللعبة.

لماذا الحافي؟
ولم يكن سعيد فتحي يستطيع لعب كرة القدم مرتديًا حذاءً، لذلك كان يلعب كل مبارياته دون حذاء، وهو السبب وراء إطلاق اسم “الحافي” عليه. بالإضافة إلى أن هذه النقطة كان لها تأثير في عدم انتقاله إلى أي من أندية الدوري المصري آنذاك.
اعتزال الحافي
والموهبة الكبيرة التي تمتع بها أسطورة الكرة الشراب جعلت يوم اعتزاله هذه اللعبة مهرجانًا كبيرًا، حيث أقيمت للمرة الأولى مباراة اعتزال للاعب كرة شراب. فكان عام 1986 شاهدًا على مباراة اعتزال الحافي للعبة التي لطالما كانت مصدر سعادته واهتمامه الأول، في مباراة تم تنظيمها بشارع النصوح بإمبابة، المنطقة التي سطع فيها نجم الراحل وتكوَّن بها اسمه التاريخي في كرة الشارع، والتي لفَّ مصر بأكملها لسنوات عديدة.
ومباراة اعتزال الحافي كانت بمثابة مهرجان اعتزال لأحد نجوم المنتخب المصري، وليس مجرد لاعب كرة شراب، حيث شارك في هذه المباراة عدد كبير من نجوم كرة القدم مثل: “إسماعيل يوسف، أحمد شوبير، زكريا ناصف، مصطفى عبده”، وغيرهم من أساطير الكرة المصرية، الذين لعبوا بجوار الحافي قبل احتراف كرة القدم.

“سعيد الحافي أسطورة لن تتكرر في كرة القدم”بهذه الكلمات عبّر جمال سالم، نجم المقاولون العرب ومنتخب مصر السابق، عن إعجابه الكبير بالأداء الفني والإمكانيات الكبيرة التي كان يتمتع بها الحافي.
وواصل سالم مدحه للحافي، قائلًا: “الناس كانت تنتظر سعيد الحافي لمشاهدته في أي منطقة يذهب إليها، سواء في إمبابة أو القلعة أو ميت عقبة أو في أي مكان يلعب فيه الكرة الشراب، وهو أسطورة هذه اللعبة داخل مصر”.
أيام سعيد الحافي الأخيرة
والحافي، الذي لطالما أمتع محبي وعشاق كرة القدم لسنوات طويلة خلال ممارسته كرة القدم في حواري وأرجاء مصر المختلفة، مر بالعديد من الأزمات في نهاية حياته، خاصة مع تعرضه للعديد من الأزمات الصحية، قبل أن يتوفى وحيدًا بعيدًا عن كل أهله داخل إحدى دور رعاية المسنين بالمهندسين.
ومع بداية الألفية الجديدة، وعقب ما يقرب من 15 عامًا من اعتزال الحافي لعب كرة الشراب، بدأ المرض يطارده، حيث تعرض لأزمة صحية عبارة عن جلطة دماغية أثرت على توازنه وحركته، بالإضافة إلى إصابته بمرض “ألزهايمر”.
وعاش سعيد الحافي رفقة شقيقته أمينة لسنوات طويلة حتى وفاتها، لتتغير حياته بشكل كبير عقب وفاتها، حيث ظل وحيدًا داخل منزله الكائن في منطقة إمبابة لفترة طويلة، إلى أن أتى إليه ابن شقيقته محمد السيد، الذي تولى الوصاية عليه في أيامه الأخيرة، ليعيش معهم في منزل الأسرة بدلًا من البقاء وحيدًا في منزله.

ويروي السيد في تصريحات سابقة لمصراوي أن خاله، وعلى الرغم من انتقاله للعيش في منزل الأسرة، لم يستطع تخطي وفاة شقيقته أمينة، التي كانت كل شيء بالنسبة له كما يصفها محمد السيد، وهو ما أثّر بشكل سلبي على صحته، لينصحهم الطبيب المعالج بانتقاله إلى إحدى دور الرعاية، وهو ما حدث، إذ تم نقله إلى دار رعاية للمسنين في منطقة المهندسين.
وداخل دار رعاية المسنين التي انتقل الحافي ليعيش بها أيامه الأخيرة، لم ينسَ كرة القدم، إذ حرص على وضع كل الميداليات والجوائز والتكريمات التي قُدمت له بجوار سريره في الغرفة، لتظل ذكرياته أمامه يستعيد من خلالها أيام مجده في الكرة الشراب، بالإضافة إلى حرصه على متابعة كل مباريات كرة القدم داخل الدار، سواء المحلية أو العالمية، من خلال شاشة التلفزيون بالمنزل.

وبعد خمسة أشهر فقط قضاها الحافي داخل دار المسنين، رحل عن عالمنا في مارس من عام 2022، تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا في كرة القدم، لا يزال يتداوله الناس، ويتم الحديث عنه كواحد من أعظم من لعب الكرة في تاريخ مصر خارج عالم الاحتراف وفي الساحات الشعبية.
أقرأ أيضًا:
من أعلى رواتب العالم إلى الإفلاس… كيف قلب أسمواه جيان الطاولة مجددًا؟
“خسر أمامه أمس”.. مانشستر سيتي يضع لاعب نيوكاسل على راداره
