كتب يوسف محمد:


09:08 م


20/11/2025

مع دقات التاسعة صباحا بشكل يومي يتجه مصطفى محمود أقدم صانع كرات إلى محله البسيط الكائن في منطقة باب الخلق، الذي يعمل به منذ أكثر من 50 عاما، حيث ورث هذه المهنة عن والده.

وتلك اللفافة القماشية التي ظهرت في الشوارع المصرية بداية خمسينيات القرن الماضي ثم تحولت إلى رمز رياضي يجتذب المشجعين بعد ذلك، جعلت من مصطفى رمزا لهذه اللعبة، على الرغم من أنه لم يمارسها، إلا أنه كان كلمة السر الأساسية في صناعة هذه الكرة التي جننت آلاف المتابعين.

ويستعيد محمود الذي ظهر عليه الكبر، ذكرياته في هذه المهنة، قائلا “ورثت مهنة صناعة الكرات من والدي، وهو من حببني فيها”. وعن الكرة الشراب، قال: “هذه اللعبة كانت أساس كرة القدم قديما وتمر بمجموعة من المراحل، حيث تتكون من الاسفنج، الخيط والكلة”.

مراحل تصنيع الكرة الشراب

ومن أمام محله، يحكي مصطفى عن مراحل تصنيع الكرة الشراب، “نبدأ صناعة الكرة الشراب، من خلال جمع الاسفنج، ثم وضعه في كيس نايلون، بعد ذلك أبدأ أضع الخيط على الكرة بشكل دائري، أضعها داخل الكلة، أكثر من مرة حتى تأخذ أكثر من طبقة وكانت تكلفتها في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لا تتخطى الـ 2 جنيه”.

ويتابع: “الكرة الشراب مرت بأكثر من مرحلة مختلفة وعدة أشكال”، الشكل المتعارف عليه للكرة الشراب حاليا ليس هو الوحيد الشكل الذي بدأت به هذه اللعبة أو “الكرة”، فيقول: “في البداية كانت تعتمد على تجميع الأشخاص لمجموعة من “الشربات فقط لعمل كرة”، ثم بعد ذلك بات يتم تصنيعها من الاسفنج والكلة والخيط، يتم وضع الاسفنج كبس داخل الكرة”.

“صناعة الكرة الشراب، انقرضت”، يقولها محمود للتأكيد على أن هذه الصناعة لم تعد موجودة الآن، لم يعد هناك أي من الأشخاص يطلب الحصول على هذه الكرة إلا عدد قليل، يحصلون عليها كنوع من الذكرى وليس لإقامة بطولات خاصة بها”.

طريقة صناعة الكرة الشراب

واختفاء هذه اللعبة في مصر، كان السبب في تحول محمود للعمل في صناعة وتصليح الكرات الجديدة، المنتشرة في الملاعب، “بعيدا عن الكرة الشراب في الوقت الحالي أعمل في تصليح وتعديل الكرة الكبيرة، وأتعامل مع العديد من الأندية ونجوم كرة القدم، مثل محمود حسن الذي كنت أقوم بتعديل وتصليح الكرات للمشروع الخاص به، بالإضافة إلى محسن زوج والدة حسين الشحات لاعب الأهلي الحالي، هو سبب معرفتي بالشحات منذ طفولته”.

وشهرة محمود لم تكن بين محبي كرة القدم، أو عند الأشخاص الذين يأتون إليه لشراء الكرات، لكنها وصلت إلى عالم السينما، حيث تواصل معه صناع عمل فيلم الحريف الذي كتبه بشير الديك وأخرجه محمد خان، وكان بطله الزعيم عادل الإمام لصناعة الكرة الشراب التي أدى بها الفنان مشاهد لعب الكرة بالفيلم: “قمت بعمل الكرة الخاصة بـ فيلم الحريف الذي كان بطله عادل إمام”.

ويروي مصطفى الذي لا يزال يعمل في صناعة وتصليح الكرات، تفاصيل مشاركته في فيلم الحريف ولكن من خلف الكاميرات، عن طريق صناعة الكرة الخاصة بالفيلم: “تواصل معي أحد الأشخاص الذي كان يسكن بجانبي، كان يعمل في السينما أيضًا لعمل الكرة الخاصة بالفيلم، بالفعل قمت بصناعة كورتين أو 3 كرات لهم”.

وفي الوقت الذي كان يحصل خلاله محمود على 2 جنيه في صناعة الكرة الواحدة، تفاجأ بالحصول على أضعاف هذا المبلغ، من خلال صناعة الكرة الخاصة بالفيلم: “حصلت على مبلغ 30 أو 40 جنيه في ذلك الوقت، وهذا كان مبلغ كبير للغاية في أوائل الثمانينات”.

وطبيعة عمل محمود جعلته على علم بأهم وأبرز نجوم وأساطير الكرة الشراب عبر التاريخ، وحرص محمود على ذكر بعضهم: “كان هناك أساطير للعبة في مصر، مثل سعيد الحافي ومحي أراجوز، فهي كانت اللعبة الأهم والأكثر انتشارا في محافظات مصر المختلفة قبل أن تنقرض في التسعينات، وكان لها دور في منح اللاعبين موهبة أكبر من لاعب الكرة الكبيرة”.

ويرى محمود، أنه من الصعب عودة هذه اللعبة مرة أخرى: “من الصعب عودة الكرة الشراب مرة أخرى في مصر، خاصة في ظل ندرة المواهب وغياب اللاعبين الذين يمكنهم ممارسة هذه اللعبة بشكل كبير ومميز”.

صداقة النجوم

ويؤكد مصطفى الذي تخطى حاجز الـ 70 عاما، أنه يرتبط بعلاقات كبيرة مع نجوم الكرة المصرية، “عملي في مجال صناعة وتصليح الكرات جعلني أتعامل مع العديد من الأندية والنجوم، إذ كنت على تواصل دائم مع ثنائي الترسانة السابق مصطفى رياض والراحل حسن الشاذلي، الثنائي كانا يتمتعان بقدر كبير من البساطة والاحترام”.

وبعيدا عن الكرة الشراب، فالأندية الكبيرة كانت تحتاج الرجل الذي تخطى الـ 70 ربيعا لتصليح كرات التدريب، “سبق لي التعامل مع النادي الأهلي وكنت أذهب إلى النادي باستمرار، عن طريق أحمد ماهر، حيث كان يرسل لي العديد من الكرات التي تستخدمها فرق النادي للتدريب”.

صانع الكرات مصطفى محمود

صانع الكرة الشراب

أما بعد ابتعاد الناس عن ممارسة الكرة الشراب، ابتعد محمود بالتعبية عن صناعتها واتجه لصناعة وتصليح الكرات الخاصة بالملاعب الكبيرة، التي ترتفع أسعارها كثيرا، وهو ما أوضحه: “في الوقت الحالي هناك اختلاف في خامات الكرات المستخدمة في المباريات، مما يتسبب في وجود تفاوت في الأسعار”.

ويستكمل: “هناك بعض أنواع الكرات التي يصل سعرها إلى 4 آلاف جنيه، فيما تصل أنواع آخرى إلى 5 ألاف جنيه، أقوم بتصنيع جميع الكرات التي أعمل فيها بشكل يدوي ولا استخدم أي نوع من المعدات المختلفة الحديثة، خاصة وأنني أحب هذه المهنة وأعمل بها ليس فقط من أجل المال ولكن حبا في هذه المهنة”.

وأبناء محمود الذين يعملون في وظائف مرموقة حاليا، لم يتناسون مهنة والدهم الأصلية، حيث يؤكد أن أبنائه كانوا يساعدونه في محله الخاص ولكنها ليست وظيفتهم الأساسية.

علاقة إنسانية مع حسين الشحات

ويرتبط أقدم صانع كرات مصري بعلاقة إنسانية مع نجم الأهلي الحالي حسين الشحات، التي بدأت عن طريق زوج والدة الأخير، “زوج والدة حسين كان يأتي لي لأنه كان يعمل مدربا في أحد الأندية، لذلك كان يوجد له تعامل مستمر معي، دائما كان يخبرني أن الشحات لاعب مميز ويرغب في الأشتراك له بأحد الأندية الكبيرة داخل مصر”.

ويكمل: “كان دائما الشحات يأتي مع زوج والدته لي في المحل ومن صغره وهو شخص يتمتع بقدر كبير من الاحترام وعوض زوج والدته بعد ذلك على التعب الذي قام به في بدايته”.

أقرأ أيضًا:

استثمار رياضي عابر للقارات.. ماذا قال تركي آل الشيخ بعد لقائه الشيخ منصور بن زايد؟

“ضغط هائل”.. أحد أعضاء الجهاز الفني للأهلي يعلن رحيله عن الفريق

شاركها.