09:44 ص


الخميس 10 يوليو 2025

كتبتهند عواد:

“ما تيجي تبات عندي الإجازة دي”.. هكذا تلقّى الطفل محمود، ابن محافظة أسوان، عرضًا من صديقه “أحمد إبراهيم”، بينما كان يجلس في مدرسة الكرة بالقاهرة، التي كان يحصل لاعبوها على إجازة يومي الخميس والجمعة.

كان لاعبو المدرسة يعودون إلى منازلهم في ذلك اليومين، بينما يبقى محمود لصعوبة رجوعه إلى أسوان. ولم يكن يعلم أن ذلك اليوم الذي عرض عليه صديقه فيه الذهاب معه، سيقلب حياته رأسًا على عقب.

صدفة تقود شيكابالا إلى ميت عقبة

في الثامنة من صباح اليوم الذي قضاه محمود مع أحمد، ذهبا سويًا إلى مران ناشئي الزمالك، إذ كان أحمد إبراهيم لاعبًا في صفوف القلعة البيضاء إلى جانب وجوده في مدرسة الكرة. وقال في أول حوار له مع “مصراوي”: “محمود أخبرني أنه لا يملك ملابس رياضية، فأعطيته من ملابسي”.

توجّه الطفل محمود إلى نادي الزمالك، وكان المران مقسمًا إلى ثلاث مجموعات، وضعه المدرب حسن بصري في المجموعة الأخيرة، التي لم تكن تضم عناصر مميزة، لكنه خطف الأنظار بمهاراته، فتوجّه المدرب على الفور إلى أحمد إبراهيم ليسأله عنه، فأخبره بأنه من مدرسة الموهوبين ومواليد 1986.

كان محمود موهوبًا بالفطرة، ولم يحتج سوى لمران واحد لإقناع الجميع، فاصطحبه حسن بصري إلى مدرب فريق 86 آنذاك، سعيد الجدي، الذي أخذه فورًا إلى علي شرف، وأبلغه أن هذا الطفل لا يجب أن يغادر النادي دون التوقيع على عقود الانضمام.

وبالفعل، حضر شقيقه من أسوان إلى نادي الزمالك، ليوقع محمود على عقود انضمامه للفريق الأبيض مقابل ثلاثة آلاف جنيه. وكان هذا مبلغ بداية لاعب موهوب، أصبح بعد أكثر من 25 عامًا أسطورة تُدعى محمود عبد الرازق “شيكابالا”.

وقال أحمد إبراهيم في حديثه لـ”مصراوي”: “في البداية، استأذنت من والدي ليأتي صديقي إلى المنزل. وأول ما شارك في التدريب كسر الدنيا، وفورًا وقعوا عقود انضمامه للزمالك. عائلته كانت زملكاوية جدًا، وبدأنا نذهب معًا إلى مران الزمالك ومدرسة الموهوبين، وكان يأتي كل خميس وجمعة إلى منزلي. حتى جاء اليوم الذي تحولت فيه المدرسة إلى نادٍ، فكان لا بد من الاختيار بين الاستمرار بها أو الانضمام لأندية مثل الأهلي والزمالك والإسماعيلي والمقاولون. اخترنا أنا وشيكابالا الزمالك، لكنه كان ينام في مقر النادي خلف مدرجات حلمي زامورا، بينما كنت أعود إلى منزلي وأذهب للمران يوميًا”.

روى أحمد إبراهيم أن مصير شيكابالا كاد أن يتغير، قبل أسبوع واحد فقط من انضمامه للزمالم، عندما ذهب مع صديقهم محمود رمضان إلى مران النادي الأهلي، لكنه لم يتمكن من المشاركة بسبب عدم امتلاكه ملابس رياضية. وأشار إلى أن شيكابالا وعائلته “زملكاوية بحت”.

ولم يكن شيكابالا وأحمد إبراهيم الثنائي الوحيد في تلك المدرسة، بل ضمت المدرسة العديد من الأسماء اللامعة مثل: أحمد حسام “ميدو”، محمد اليماني، أحمد غانم سلطان، وائل رياض “شيتوس”، أحمد الجمل، الحكم الحالي محمود سوري، إضافة إلى شريف حازم وأحمد دويدار.

مدرسة الكرة

وكانت المدرسة بمثابة منزل لهؤلاء اللاعبين، وعلى رأسهم شيكابالا، الذي كان مشاغبًا منذ صغره، ويقول إبراهيم: “كنا نحصل على إذن للخروج يوم الإثنين، وكان أقرب مكان لنا مول عباس العقاد. نذهب إليه، وأحيانًا يُرفض الطلب، فكان شيكابالا يقودنا للهروب من فوق الأسوار، ونحن خلفه”.

شيكابالا يرد الجميل

وبعد انضمام شيكابالا إلى الزمالك، اعتبره والد أحمد إبراهيم أحد أبنائه، وتعامل معه كفرد من العائلة. ورغم أن الثنائي كانا في فرق مختلفة، إلا أن شيكابالا تم تصعيده إلى الفريق الأول عام 2003، ثم لحق به أحمد إبراهيم عام 2007.

هنا تبدلت الأدوار، فتولى شيكابالا، الذي سبقه إلى الفريق الأول، دور الداعم للناشئ أحمد إبراهيم، الذي صعد في عمر الـ17. ويقول أحمد: “رغم صعود شيكابالا للفريق الأول، لم ينس زملاءه في الناشئين، وكان دائمًا ما يدعمهم ويحضر لهم الأحذية، كما كان يتابع بعض مبارياتهم المهمة”.

أحمد إبراهيم وشيكابالا 1

ومن المفارقات أن أحمد إبراهيم، الذي كان سببًا في انضمام أسطورة الزمالك إلى القلعة البيضاء، أصبح مديرًا للتعاقدات في نادي الترسانة حاليًا، ويقول مازحًا: “شيكابالا أهم صفقة عملتها في حياتي”، مضيفًا: “الأمر كله توفيق من الله. لم يعلم أحد وقتها أن شيكابالا سيصبح ما هو عليه الآن. كنا أصدقاء في المدرسة، وأنا مجرد سبب، هو بمجهوده ومهاراته صنع نفسه في المكان الذي يستحقه”.

شيكابالا يتحدى الأهلي

ويحكي إبراهيم موقفًا لن ينساه مع شيكابالا بعد تصعيده للفريق الأول، قائلاً: “كنا سنواجه الأهلي في مباراة قوية، وكان مسموحًا بمشاركة 3 لاعبين من الفريق الأول. الأهلي كان سيشرك هاني العجيزي وحسن مصطفى وآخر لا أتذكره، أما نحن فكان معنا عماد السيد وأحمد عبد الرؤوف، وطلب شيكابالا أن يشارك في المباراة. في الشوط الأول كنا مهزومين 20”.

وتابع: “لن أنسى هذا الموقف، شيكابالا ما بين الشوطين، وضع القميص على رأسه وقال: مينفعش أنزل ونخسر من الأهلي. تغيرت نبرة صوته، وفي الشوط الثاني نزلنا وفزنا 43. لم يكن من طبيعته أن يتعصب، لكن اللقاء كان مهمًا له. المدرب لم يتحدث بين الشوطين، وترك شيكابالا يتحدث معنا، وبالفعل عدنا في اللقاء، فمباريات الأهلي والزمالك لها حساسية خاصة”.

وعند الحديث عن الأهلي، لم تكن علاقة شيكابالا بجماهيره على ما يرام، إذ جمعتهما مشاحنات كثيرة على مدار مسيرته. ويقول أحمد: “هذه العلاقة قديمة، وشيكابالا أطيب قلب في الدنيا. لا يذهب إلى المشاكل دون سبب، ودائمًا ما تكون ردود أفعاله نتيجة ما يتعرض له من سباب. حين يصل الأمر إلى أهله ووالدته ووالده، لا يقبل ذلك. في الصغر لم يكن يرد على الجماهير، لكن التراكمات كانت السبب. والدليل، مواقفه مع الأهلي بعد مجزرة بورسعيد، شيكابالا يفعل كثيرًا من الأمور في الخفاء، لا أحد يعلم عنها شيئًا، ولا يتحدث عنها، لكنه دائمًا حاضر وقت الحاجة”.

وأضاف أحمد إبراهيم: “هو مميز منذ صغره، وعندما كنا نفوز كان النجم الذي يصنع الفارق، خاصة في مباريات الأهلي والزمالك. وعندما لم يجدوا له حلاً في الملعب، بدأوا في التأثير عليه خارج الملعب”.

كواليس جديدة في توقيع شيكابالا للأهلي

مثلما ارتبط شيكابالا بجماهير الزمالك، ارتبط أيضًا بواقعة توقيعه للأهلي عام 2006، التي ما تزال جماهير الأحمر تذكرها من حين لآخر، ويروي أحمد إبراهيم كواليسها: “شيكابالا حكى لي ما حدث في أحد المعسكرات، وقال إنهم عرضوا عليه مبالغ ضخمة رأى قيمتها أمامه، وكان سيوقع عقدًا مدته 3 سنوات ويحصل على المبلغ مقدمًا. لا أحد يمكنه رفض هذا العرض”.

وتابع: “كان من المفترض أن يجتمع مع مسؤولي الزمالك مرتين، لكنهم لم يحضروا، فعلم الأهلي وتواصل معه، وقدم له العرض المغري. وعندما علم الزمالك، تواصلوا معه، فذهب إليهم على الفور، رغم أن عرض الزمالك كان أقل بكثير. شيكابالا لا يُعوَّض، وانتماؤه لم يعد موجودًا بين اللاعبين”.

شيكابالا وأحمد إبراهيم في الفريق الأول للزمالك

وفي عام 2007، تزاملا في الفريق الأول، ولعب أحمد إبراهيم أول مباراة له مع الزمالك في الدوري المصري أمام أسمنت السويس، وسجل أول أهدافه بصناعة من شيكابالا، وانتهت المباراة بفوز الأبيض 43.

ورغم تسجيله أول أهدافه، فإن أحداث المباراة كانت الأصعب في مسيرته، ويقول: “لم أكن أتوقع أنني سأشارك. كنا متقدمين 30، ثم أخبرني المدرب بأنني سأنزل. ومع دخولي الملعب، اُحتسبت ضدي ركلة جزاء، وتلقيت إنذارًا. شيكابالا كان بجواري، وقال للحكم: “إنت خلّصت عليه” وبعد دقيقة واحدة، أحرزت هدفًا من صناعته”.

واستمر الثنائي في الزمالك، لكنها لم تكن الفترة الأفضل للفريق، حيث أنهى الموسم في المركز الثالث، ثم السادس في الموسم التالي. ويرى أحمد إبراهيم أنه صعد في توقيت صعب، قائلاً: “كنا محتاجين حد يشيلنا، لقينا الوضع مش في أفضل حالاته”.

وفي عام 2009، انتهت مسيرة أحمد إبراهيم مع الزمالك، بعدما أبلغه وليد بدر قبل عشر دقائق من غلق باب القيد بقرار رحيله، لعودة الثنائي ميدو وعمرو زكي من إنجلترا، لينضم إلى الترسانة، ويقضي معهم 7 مواسم، قبل الانتقال إلى بلدية المحلة، ثم العودة مجددًا إلى الشواكيش، حتى اعتزل عام 2021، واتجه للعمل الإداري.

شاركها.