نجحت زوجة مواطنة في إنقاذ زوجها من الإدمان، بعد معركة طويلة خاضتها بصبر وعناد، مدفوعة بإيمان عميق لازمها تسع سنوات تقريباً، على الرغم من أنها عرفت خلالها ألواناً من الألم والعنف والعزلة.

وأكدت الزوجة لـ«الإمارات اليوم» أنها وضعت أمامها هدفاً واحداً لم تحد عنه، وهو أن تُعيد زوجها إلى طبيعته، ودوره تجاه أبنائه السبعة، رافضة الاستسلام لطغيان المخدرات، بكل ما أوتيت من محبة لأسرتها وبيتها الذي أصرت على إبقاء بابه مفتوحاً.

وقالت : «لم يكن زوجي العدو، بل المخدرات».

وتابعت المواطنة التي فضّلت عدم ذكر اسمها: «كانت بداية السقوط حين عاد زوجي ذات ليلة في حالة غير طبيعية، بعد خروجه مع أحد أصدقائه. وحين حاولت التحدث إليه فوجئت به ينهال علـيّ ضرباً. كانت هذه المرة الأولى التي يحدث فيها مثل ذلك، كما أنها كانت الإشارة الأولى لما سأواجهه من شقاء خلال الأيام والسنوات المقبلة».

وتابعت: «في صباح اليوم التالي لاحظت آثار حقن على ذراعه، فأدركت أنه دخل نفق التعاطي، الأمر الذي جعلني أسارع في إبلاغ والدته وإخوته، على أمل أن يتداركوه قبل أن يتورط أكثر، لكن محاولاتهم الكثيرة لم تنجح في التأثير فيه، أو صرفه عن هذا السم، لأجد نفسي وحيدة في معركة لا أحد يعرف عنها شيئاً. كانت المهمة التي قررت الاستمرار فيها حتى النهاية صعبة جداً، لكنني تمسكت بالأمل، وقررت ألا أسلمه لمرضه، مهما يكن حجم التضحية كبيراً».

وعلى مدار سنوات طويلة، واجهت الزوجة أقسى ما يمكن أن تتحمله امرأة، خصوصاً في لحظات انفجار نوبات التعاطي التي كانت تتحول فيها حياتها إلى مشهد صامت من الخوف والدموع المكتومة.

وكانت تُخفي آثار الكدمات التي يتركها العنف الجسدي تحت ثياب الصلاة، كي لا تلاحظ والدتها أو أشقاؤها شيئاً، وامتنعت عن زيارتهم لأكثر من عام ونصف العام، حتى لا تفضح سر زوجها حتى أمام أقرب الناس إليها، على الرغم من أنها كانت محتاجة للحماية، كما تقول.

وأثناء ذلك، كانت تتعمد إبعاده عن رفقاء السوء والبيئة التي أفسدت حياته، ونجحت في دفعه إلى قطع علاقاته بهم، كما كانت تدعي أن هناك رجال أمن يترددون على المنزل وأنهم قادمون إليه، وتطلب منه إعطاءها كل ما لديه من مواد مخدرة حتى تتخلص منها.

وتتابع: «كان البيت مظلماً بكل معنى الكلمة، لا يضاء فيه نور، ولا تسمع فيه ضحكة طفل، فقد انعزل زوجي عن الجميع لمدة تسع سنوات متواصلة، لأنه كان يتعاطى ثلاثة أيام ثم ينام ثلاثة أيام، بلا طعام ولا تواصل مع أحد. وكنت أقاوم رغبتي في الهرب بعيداً عن هذه التعاسة، بمزيد من العناد والإصرار على مساعدته».

وفيما كانت الأسرة تتهاوى، أصبح الأطفال شهوداً على واقع لا يحتمل.

وشرحت أنه كان يعاقبهم عند فقدان أدوات التعاطي، بينما كانت هي تنتظر اللحظة المناسبة للتخلص من بقايا المواد المخدرة دون علمه، وكي لا تنفجر نوبة عنف جديدة.

وقالت: «لم أكن أحمي أطفالي فقط، بل كنت أخوض معركة يومية، كي لا أفقد إنساناً كان ذات يوم عماد البيت، ولا أعلم إلى اليوم من أين جاءتني هذه القوة، وكيف ألهمني الله هذا الصبر كله».

وكما هو متوقع، فمع تدهور حالة الزوج، فقد عمله وأصبحت الزوجة المعيل الوحيد للأسرة.

وتروي بحرقة أنه أخذ بطاقتها البنكية، من دون علمها، ذات يوم، وسحب راتبها كاملاً، مضيفة أنها اكتشفت ذلك عندما ذهبت لشراء حاجيات لمنزلها، ووجدت الحساب خالياً «كأن المال تبخر».

وعلى الرغم من كل ذلك، تمسكت بعائلتها، وأدركت أن معركتها أكبر من لحظة غضب أو تعب. وكانت تعلم أن نظرة المجتمع لأب مدمن قد تُثقل مستقبل أولادها، خصوصاً الذكور منهم، فاختارت أن تقاتل حتى النهاية، ثم جاء التحول الكبير عندما قبضت الشرطة عليه أمام أبنائه، في لحظة تصفها الزوجة بأنها مصيرية.

وشرحت أنها رأت في تلك اللحظة فرصة للحصول على ما كانت تتوق إليه من مساعدة، إذ بدأت تتابع حالته يومياً وتزوره في السجن، وتتواصل مع القضاة والنيابة العامة، وتتعاون مع أطباء نفسيين وتربويين لتصميم خطة علاجية متكاملة.

وكانوا يشجعونها ويخبرونها بألا تتركه، لأنه محتاج فعلاً إلى زوجة صالحة في هذا الوقت الصعب الذي يعيشه.

وأضافت: «كنت مؤمنة بأن زوجي ليس مجرماً، بل مريض يحتاج إلى من يفهمه ويمدّ له يده، كنت أراه إنساناً تعرض لانهيار داخلي، وليس وحشاً كما يراه الآخرون، وبالفعل خضع للعلاج في مصحة لمدة ثلاثة أشهر، وبعد خروجه كان التغيير واضحاً، فقد عاد شخصاً مختلفاً».

وأشارت إلى أنها كانت تبعث له رسائل صوتية من أبنائه يقولون له فيها: «نحن نحبك، ومحتاجينك». وكانت هذه الكلمات البسيطة كافية لتفتح نوافذ الأمل في صدره. ومع الإصرار والإرادة القوية والصبر عاد زوجها كما كان، واستقبله المجتمع بأذرع مفتوحة، وأصبح يدعى للمناسبات، ويُستقبل بترحيب حار.

ووجهت الزوجة رسالة إلى كل من يعيش ظروفاً مشابهة: «المدمن ليس إنساناً شريراً، بل ضعيف فقد السيطرة، وينتظر يداً تمسك به قبل أن يغرق، لا تتخلوا عنهم، بل أعطوهم الأمل واحتضنوهم بالثقة، فهم يرون أن العالم يلفظهم، فلا تكونوا سبباً في استمرار سقوطهم».

• الزوجة اعتادت إخفاء آثار الكدمات التي يتركها العنف الجسدي تحت ثياب الصلاة، كي لا تلاحظها والدتها أو أشقاؤها.

• الزوجة كانت تتعمد إبعاد زوجها عن رفقاء السوء والبيئة التي أفسدت حياته، ونجحت في دفعه إلى قطع علاقاته بهم.

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

المصدر: الإمارات اليوم

شاركها.