مرضى يستخدمون «شات جي بي تي» في التشخيص والعلاج.. وأطباء يحذّرون
دفع التقدم الكبير في تقنيات الذكاء الاصطناعي مستخدميه إلى الاستعانة به في توفير حلول جذرية لكثير من الأمور الحياتية، من بينها الأمراض والأوبئة، حيث لجأ البعض إلى استخدام تقنية «شات جي بي تي» في تشخيص الأمراض وعلاجها، بدلاً عن الأطباء، فيما حذّر مختصون من هذه الخطوة، لافتقار الذكاء الاصطناعي لكثير التفاصيل حول المريض، ومن ثم قد يعطيه تشخيصات خاطئة، ووصفات طبية متضاربة قد تهدد حياته.
وقال مستخدمون لتقنية «شات جي بي تي» لـ«الإمارات اليوم» إنهم يستخدمونها في تشخيص بعض الأمراض التي يصابون بها بالسؤال عن الأعراض التي يشعرون بها، ثم السؤال عن الأدوية المقترحة، مؤكدين أنهم في حالة من الخوف والارتباك من تناول الأدوية التي قد تكون خاطئة وعشوائية من قبل البرنامج.
وشدد الأطباء على ضرورة الاعتماد على الطبيب المختص في تشخيص الأمراض وعلاجها، خصوصاً الأمراض الطارئة والخطرة والمزمنة، حيث يخضع المريض للفحص السريري، ويرتبط التشخيص بفحوص وتحاليل طبية دقيقة، ثم وصف الأدوية التي تناسب حالة المريض، دون أن تتعارض مع أدوية أخرى.
وتفصيلاً، أفاد مستخدمون لتقنية «شات جي بي تي»، باسم عبدالعزيز، إيهاب محمد، أحمد عبد المعطي، محمد جابر، بأنهم لجأوا إلى استخدام التقنية المبتكرة في عملية التداوي من خلال السؤال عن أعراض أصيبوا بها، ثم أفضل الأدوية للعلاج، وفوجئوا بتوفير التقنية كماً هائلاً من المعلومات، إلا أن الاعتماد عليها لايزال موضع قلق وعدم ثقة، مطالبين الأطباء والمختصين بتوضيح إمكانية اعتمادها في تشخيص وعلاج الأمراض.
وقال استشاري الأورام في جامعة الشارقة، البروفيسور حميد بن حرمل الشامسي، إنه على الرغم من فائدة «شات جي بي تي» وتقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل عام في توفير المعلومات والبيانات بسرعة فائقة، إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها في تشخيص وعلاج الأمراض، لكونها لا يمكنها الربط بين المعلومات السريرية التي يكتشفها الطبيب بنفسه، وتشخيص المرض وعلاجه، وكذلك فهي غير قادرة على معرفة البعد النفسي للمريض، الذي يعتبر من أساسيات العلاج.
وأكد الشامسي أن كثيراً من الأمراض متشابك الأركان، ويتطلب اكتشافها وتشخيصها الكثير من الفحوص العلمية الدقيقة، في حين لا يمكن الحصول على هذه النتائج بمجرد توجيه سؤال إلى الذكاء الاصطناعي.
وتابع: «من أبرز مخاطر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج أنه قد يعطي تشخيصاً خاطئاً، ثم علاجاً قد يهدد صحة المريض وتدهورها بدلاً عن المساعدة على علاجه».
ولفت إلى أنه في الوقت نفسه لا يمكن إنكار فوائد الذكاء الاصطناعي في تطوير عملية التشخيص والعلاج، حيث ساعد بشكل كبير الأطباء في وضع البرامج العلاجية، وكذلك عزز دور الأجهزة والوسائل الطبية في إعطاء نتائج أكثر دقة وأسرع بكثير.
بدوره، أفاد استشاري طب الأسرة والصحة المهنية، الدكتور منصور أنور حبيب، بأن تقنية «شات جي بي تي» قد تساعد في توفير كم هائل من المعلومات حول الأمراض المختلفة، وقد تطرح أدوية معالجة أيضاً بسهولة، إلا أن على المريض الذهاب إلى الطبيب المتخصص ليشعر بالاطمئنان لعملية العلاج، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يفتقد التاريخ الطبي للمريض، ومن ثم فإن تشخيصه وعلاجه يفتقد الدقة.
وأضاف: «معاناة المريض مستخدم تقنية (شات جي بي تي) من أمراض أخرى، تجعله في حاجة لوصفات علاجية خاصة تناسب حالته، الأمر الذي لا يمكن الاعتماد فيه على هذه التقنية، حيث تطرح الحلول دون علم بمدى ملاءمتها لحالة المريض».
وذكر أنه يمكن الاعتماد على تقنية «شات جي بي تي» في علاج الأمراض البسيطة، مثل الزكام وارتفاع درجة الحرارة وغيرها من الأمراض غير الخطرة، دون أن يعتمد عليها في علاج الأمراض المزمنة والخطرة.
من جهته، حذّر استشاري أمراض القلب التداخلية بدبي، الدكتور أحمد المساعيد، من اعتماد «شات جي بي تي» في عملية العلاج بشكل عام، مشيراً إلى أن هذه التقنيات لاتزال في مرحلة التطور، ولاتزال معلوماتها وإمكاناتها محدودة للغاية، حيث تتطلب توجيه السؤال بدقة، وبطريقة صحيحة، ليحصل المريض على الإجابة المناسبة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي تفتقد هذه الميزة.
وأضاف: «يعتمد الطب بنسبة كثيرة على رواية المريض لتفاصيل حالته المريضة، وتاريخه المرضي، والفحص السريري، لإعطاء الدواء المناسب، بعد التأكد من المرض وتشخيصه بدقة».
ولفت إلى أنه يمكن اعتماد التقنية كمرجع معلومات للأطباء والمختصين، في ما تقتصر العملية العلاجية على الطبيب فقط.
وشدد على ضرورة عدم تناول أية أدوية دون وصفة الطبيب المعالج، حيث قد يقترح الذكاء الاصطناعي أدوية تتعارض مع حالة المريض، ثم تهدد حياته، وتؤدي إلى تدهور حالته الصحية بدلاً عن علاجه.
وأفاد خبير الأمن السيبراني، عبدالنور سامي، بأنه قبل استخدام تقنية «شات جي بي تي» في تشخيص وعلاج الأمراض، يجب فهم كيفية عمل التقنية أولاً، فهي مبنية على تعلم الآلة والتعلم العميق، وميزته هي التواصل الأقرب للتفكير والمخاطبة الإنسانية كأداة معالجة لغوية، وجميع ردوده مبنية على أمرين، أولاً كم البيانات التي تعلمها، والنموذج الفعال، فكل نموذج يحتمل استخداماً مختلفاً، بعضها أفضل للتعامل الإنساني، والبعض الآخر أفضل للتدقيق اللغوي، ولا يمكن حصر استخدامه في فئة واحدة.
وتابع: «فلنفترض أنه تم تدريب (شات جي بي تي) على اتخاذ وضعية الطبيب أو المشخص والتفاعل على هذا الأساس بتدريب على كم هائل من البيانات المخزنة الطبية، وهنا تأتي أهمية الأمر الثاني، وهي لغة الخطاب، وطريقة التواصل مع الأداة، وكم المعلومات التي نعطيها، وطريقة الشرح، إذ إن لغة الخطاب البرمجية تخلو من فهم العواطف الإنسانية، فإن الردود مبنية على منطق بما تعرفه الأداة، وما يبوح به الشخص عند الحديث إليها».
وذكر أن الإشكالات حول استخدام «شات جي بي تي» طبياً حتى الآن تتصدرها انتهاكات الخصوصية، لأن جميع البيانات الواردة إليه يتم جمعها، وقد يتم كشف سرية هذه البيانات وربطها بالشخص الذي قام بطرح السؤال، في حين أن مهنة الطب تتطلب الحفاظ على الخصوصية والسرية وفق أعلى معايير أمن المعلومات والنزاهة المهنية، كما أن المعاملات الطبية تمر بإجراءات إدارية، يفهم من خلالها المريض ما له وما عليه، أما التواصل مع «شات جي بي تي» فهو مجرد من كل تلك الأمور، ولا يختلف عن البحث في «غوغل» عموماً في ظاهر الأمر، فالاختلاف يكون في أن «شات جي بي تي» يقوم بإعطاء معلومات محددة بناء على سير المحادثة، في حين عند البحث في «غوغل» يقوم الإنسان بالبحث والتقصي، وتحكيم عقله، وأحياناً قلبه.
وأشار عبدالنور إلى أن «شات جي بي تي» يحدث بين الحين والآخر، لذلك فلن يستطيع المساعدة في تشخيص الأمور التي تحصل آنياً، والأمور الموسمية، والمستجدات الجديدة، كما أن المصادر الطبية القيمة قد تكون مقتصرة على جهات كبرى لا يصل إليها «شات جي بي تي»، وأن الطبيب يقوم بفحوص عديدة تساعد على فهم دقيق للحالة، سواء بالفحص النظري أو الجسدي أو التحاليل الإشعاعية أو تحاليل الدم وغيرها، فكل تلك لها دور في التشخيص الدقيق، ويستهين البعض بتلك الفحوص، وذلك لأن تبعات التشخيص الخاطئ ترهب أي طبيب، ولكن «شات جي بي تي» ليس عليه أي مسؤولية حول هذا الموضوع، فهو يقوم بنقل إجابات بناءً على تطبيق خوارزمية البحث، وقد لا تكون صحيحة، لذلك على الأفراد ألا يقوموا باستخدام التقنية للاستخدام الشخصي.
وأكد أن «شات جي بي تي» نجح في امتحان الطب بنسبة عالية، ولكن ذلك الأمر مقتصر على وضوح الأسئلة وسردها نظرياً، إلا أنه في الأمر الواقع فإن مسؤولية التشخيص والتحليل والاكتشاف تقع على عاتق الطبيب والأدوات المساعدة له، والتي تمكنه من الوصول إلى التشخيص، ولا تأتيه المعطيات جاهزة، كما تمت التجربة على «شات جي بي تي»، ولكن مستقبلاً، يمكن تقنين «شات جي بي تي» ليفيد الطاقم الطبي، بعد أن يكون مدمجاً مع أجهزة التشخيص، وأعتقد لنجاحها لابد من ربطها من تاريخ المريض، وسجل عائلته، وقياس الجو المحيط به، ومعامل الانبعاث، وغيرها من المعلومات المفيدة التي ستقارب النتيجة إلى حد ما، ولكن الاعتماد عليه من دون ربط ببيانات فعالة لن يأتي بنتيجة دقيقة جداً، قد تصيب تارة وتخطئ تارة أخرى.
• أطباء: الذكاء الاصطناعي لا يمكنه الربط بين المعلومات السريرية وتشخيص المرض وعلاجه.
• مستخدمون طالبوا المختصين بتوضيح إمكانية اعتماد تشخيصات وعلاج «شات جي بي تي».
قراءة دقيقة لفحوص الأشعة
لفت خبير الأمن السيبراني، عبدالنور سامي، إلى أن التقنية تعتبر مفيدة لاستخدام المتخصصين، حيث يفيد «شات جي بي تي» في القراءة الدقيقة للأشعة السينية، والأشعة المقطعية، وأشعة الرنين المغناطيسي، وهو يلفت الانتباه إلى ملاحظات دقيقة قد تعجز عنها العين المجردة، سواء لضعف النظر، أو لشدة دقة التفاصيل، أو السقوط سهواً، وهنا يفيد «شات جي بي تي» في معالجتها وقراءتها.
المصدر: الإمارات اليوم