اخبار الإمارات

محتالون يستدرجون ضحاياهم بحيل «رومانسية» لاستنزافهم مالياً وعاطفياً

يتعرض كثير من ضحايا الاحتيال الهاتفي لخسارة مضاعفة، فإلى جانب الأموال التي يهدرونها طمعاً في تحقيق أرباح وهمية، أو الحصول على منتجات باهظة بأسعار غير منطقية، يجد أشخاص منهم أنفسهم تحت تأثير صدمات عاطفية عميقة، بعد اكتشاف حقيقة الطرف الآخر، والتأكد من كونه مجرد محتال.

وقد روى ضحايا لـ«الإمارات اليوم» عن تعرضهم للاستدراج بطرق احترافية من خلال تطبيقات تعارف ومنصات تواصل اجتماعي، بعد انطلاء حيل رومانسية عليهم.

وقالت ضحايا من النساء إن المحتالين لم يكتفوا باستنزافهن مالياً، بل تركوهن محطمات كلياً. وكانت المشكلة الكبرى، التي حاولن تلافيها، هي مواجهة الأسرة والأصدقاء، بعد معرفة الحقيقة.

وقال مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بالإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، العميد سعيد الهاجري، إن «المحتال يتلاعب عاطفياً بضحيته (سواء كانت أنثى أو ذكراً)، حتى تقع في شباكه، ثم يبدأ في استنزافها بدم بارد».

ويشير مستشار أمني متخصص في جرائم الاحتيال، إلى أن الإشكالية الكبرى تتمثل في عزوف عدد كبير من الضحايا عن الإبلاغ خوفاً من الفضيحة، ما يعرضهم لنوعين من الخسائر، مادي ونفسي. كما أن هناك معضلة قانونية تواجه كثيراً من ضحايا هذا النوع من الاحتيال، وهي صعوبة إثبات الجريمة، لأن الضحايا يمنحون المحتالين الأموال بإرادتهم الحرة.

وتحصن الجهات المختصة في الإمارات الضحايا بإجراءات عدة، بداية من تسهيل الإبلاغ عبر قنوات تتمتع بالسرية التامة، مثل خدمة الأمين، ومنصة «إي كرايم» الخاصة بشرطة دبي.

وبدوره، أكد المستشار القانوني محمد نجيب، أن المشرّع حرص على توسيع دائرة التجريم، وتشديد عقوبة الاحتيال وفق القانون رقم 34 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، إذ تصل العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة تصل إلى مليون درهم، لكل من استولى لنفسه أو لغيره بغير حق على مال منقول أو منفعة بالاستعانة بطريقة احتيالية، لكن الأمر يتطلب توافر أدلة إثبات كافية بحق المتهمين.

وتفصيلاً، التقت «الإمارات اليوم» ضحايا جرائم استدراج عاطفي من النساء، نفذها محتالون محترفون، حيث تعرضن لصدمات شديدة وأصبن بحالات اكتئاب.

وروت (إ.ت) كيف تعرضت لعملية استدراج عبر أحد تطبيقات التعارف، من قبل محتال محترف في تصيد النساء عاطفياً.

وقالت إنها تعرفت إلى شخص من جنسية أجنبية، أغرقها بالهدايا، وكان بمثابة حلم جميل، لم تتمن أن تستيقظ منه، لكنه تحول إلى كابوس في نهاية الأمر، حين اكتشفت أنه مجرد محتال محترف.

وأضافت أنها تعرضت لعملية «تصفية نفسية» بكل ما تحمله الكلمة من معان، فلم يكتف بالاستيلاء على قرابة 500 ألف درهم منها، بل حاصرها حتى يحصل منها على المزيد.

وأكدت أنها لجأت إلى طبيب نفسي حتى يساعدها على تجاوز المحنة التي مرت بها، خصوصاً أنها لم تستطع التخلي عن انجذابها العاطفي نحوه بسهولة، لأنه عاملها برومانسية شديدة، ولم يكن يفوت فرصة من دون التعبير عن مشاعره.

وتشير (ر.ن) إلى أنها وثقت بشخص تعرفت إليه عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أسس علاقته معها بهدوء وصبر، فكان يتحدث معها يومياً في أوقات مختلفة، خصوصاً أثناء الليل، وتميز بكونه مستمعاً جيداً وناصحاً ذكياً، حتى وصلت معه إلى درجة الإدمان، فاليوم الذي لا تحدثه خلاله تعاني فيه التوتر والعصبية. وتشرح أنه تمكن منها عاطفياً بالكامل، ثم ظهرت عليه علامات الانسحاب من العلاقة من دون أن يحدث بينهما ما يستدعي ذلك. وحين سألته عن السبب أخبرها بأنه يعاني مشكلات في العمل ويمر بضائقة مالية، وأنه لا يريد لها أن تنشغل بما يحدث معه، ولا يريد إزعاجها بالتفاصيل، وهو الأمر الذي زادها تعلقاً به، فأصرت على معرفة ما يحدث، بل تطوعت بتقديم المساعدة.

وتتابع أنها حولت مبالغ مالية محدودة في البداية، حسب المتوافر معها، إلى أن أبلغها بأن عمله على المحك، ويحتاج إلى مبلغ كبير، على وعد بأن نشاطه التجاري سيزدهر، ويستطيع بدء علاقة جادة ورسمية معها، فحصلت على قرض من البنك (300 ألف درهم)، وحولته له بالكامل.

وكالمعتاد في هذا النوع من الجرائم، بدأ يتغير بعد ذلك، وتنكر لها كلياً، وتعمد اختلاق المشكلات معها، حتى أدركت أنها كانت ضحية عملية احتيال ممنهجة، ولم تستطع الإبلاغ أو اتخاذ موقف رسمي منه، وظلت لسنوات تسدد القرض الذي حصلت عليه.

أما (م.أ)، فيحكي أنه تعرف إلى امرأة أجنبية عبر تطبيق تعارف، وكانا يتحدثان طوال الوقت، مشيراً إلى أنها اتسمت باللطف البالغ، والذكاء في الحوار الذي كان طبيعياً لدرجة لا يمكن أن تثير شكوكه.

ويشير إلى أنه تعلق بها بمرور الوقت، إذ حرصت على بناء علاقة عاطفية مبنية على الصداقة، إلى أن اتصلت به يوماً وأخبرته بأنها عالقة في أحد الفنادق بدولة إفريقية، بسبب توقف بطاقتها عن العمل، وطلبت منه سداد قيمة الإقامة، فوافق رغم شكوكه، ثم تكرر الموقف، فتحرى عنها واكتشف أنها واجهة لعملية احتيال ممنهجة.

وسجلت إدارات مكافحة الجرائم الإلكترونية في الدولة بلاغات عدة لجرائم مماثلة، أحدها لشخص تخصص في اصطياد النساء اللاتي يعانين الفراغ العاطفي والوحدة، لاعباً على وتر رغبتهن في الزواج، ليستنزفهن مالياً، ثم يهجرهن بدم بارد.

ومن القضايا الكبرى التي سجلت شرطة دبي في هذا الجانب، محتال من جنسية عربية اعتاد اصطياد النساء عاطفياً، وحصل من ورائهن على ملايين الدراهم، بعد إغرائهن بحياة فارهة تسلب العقول. وكان يصطحب ضحاياه إلى حفلات كبرى بسيارات فارهة، ويشتري مركبات بأسمائهن بعقود مبالغ فيها، ويحصل على فرق السعر لنفسه. واستدرج معلمة في إحدى المدارس بهذا الأسلوب، وأقنع أخرى ببيع مركبتها الفارهة مقابل 240 ألفاً، دون أن تحضر الصفقة أو تحصل على المقابل، ووقعت نساء أخريات في شباكه بالأسلوب ذاته.

من جهته، قال مدير إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بشرطة دبي، العميد سعيد الهاجري، إن هذا الأسلوب متكرر في كثير من الدول، ويطلق عليه «سلخ الفرائس»، ويعتمد على استنزاف الضحية مالياً وعاطفياً حتى يتركها المجرم في حالة سيئة للغاية.

وأضاف أن وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التعارف سهلت لهؤلاء المحتالين استخدام ما يعرف بـ«الهندسة الاجتماعية» للضحية، فغالبية رواد هذه المنصات يعرضون كل تفاصيل حياتهم الشخصية عبر حساباتهم، فيدرس المحتال الضحية جيداً، ويحدد نقاط ضعفها، ثم يتلاعب بها بالتركيز على اهتماماتها.

وتابع الهاجري: «تخيل أن شخصاً يعرف عنك كل شيء، وضعك الاجتماعي، والمادي، وحالتك النفسية، وما إذا كنت متشبعاً عاطفياً أم تعاني الوحدة والفراغ. وأضف إلى ذلك أن هذا الشخص محترف في الاحتيال، ولديه قدرة كبيرة على التلاعب».

وشرح أن هذا الأسلوب الاحتيالي «سلخ الفرائس» قد يستمر لشهور وسنوات طويلة، ما دامت الضحية قادرة على المنح والعطاء، إذ لا يتركها المحتال قبل أن يستنزفها كلياً.

وأكد ضرورة الوعي بمخاطر هذه الجريمة، لأن آثارها النفسية بالغة، ويجب عدم الثقة بالعلاقات التي تبنى عبر منصات التواصل، إذ لا يمكن التعرف جيداً إلى الطرف الآخر، مشيراً إلى أن محترفي الاحتيال العاطفي يتمتعون بقدرة كبيرة على الإقناع، ويمكن أن يكون المحتال رجلاً يستهدف النساء، ويستنزفهن مالياً، أو امرأة تستهدف الرجال، وأحياناً يكون رجلاً منتحلاً صفة امرأة.

ويؤكد الهاجري أن شرطة دبي والأجهزة المختصة بالدولة، تتعامل بجدية مع هذه البلاغات، وتوفر الحماية والرعاية للضحايا، وتتلقى الشكاوى عبر منصات تحافظ على خصوصية المبلغ، مناشداً الضحايا عدم الشعور بالخجل، لأن الإبلاغ في حد ذاته سلوك إيجابي، يحول دون وقوع ضحايا آخرين في الفخ ذاته.

من جهته، رأى المستشار الأمني المتخصص في جرائم الاحتيال خورخي إبراهام، أن المعضلة في هذه الجرائم هي عزوف الضحايا عن الإبلاغ خوفاً من الفضيحة أو الشعور بالذنب، لافتاً إلى أن «نسبة لا تتجاوز 7% فقط من ضحايا الاستدراج العاطفي يبلغون عما تعرضوا له من أذى».

ودعا إلى تغيير نظرة المجتمع السلبية لضحايا الاحتيال الرومانسي، وإعفائهم من نظرات اللوم وعبارات العتاب، والاتهام بالسذاجة.

وأضاف أن عدم اتخاذ إجراءات قانونية صارمة حيال المحتالين، خصوصاً المجرمين المحترفين منهم، يشجع على الاستمرار في جرائمهم، مؤكداً ضرورة أن يكون هناك نوع من التعاون الدولي، لأن هذه الجريمة عابرة للحدود والأوطان.


ثغرات نفسية

أكدت الاستشارية النفسية، الدكتورة لمى الصدفي، أن الضحية في جرائم الاستدراج العاطفي تختلف كلياً عن الضحية في الجرائم الأخرى، لأنها تسقط بسبب معاناتها ثغرات نفسية موجودة لديها، تجعلها فريسة سهلة للمحتالين.

وقالت الصدفي إن المعضلة الكبرى التي تواجه ضحايا الاستدراج العاطفي، خصوصاً النساء، هي أنها تخاف من اللجوء إلى السلطات، أو إخبار الأهل، وتكتم الألم والأذى النفسي الرهيب بداخلها، ما يعرضها لأزمات معقدة، لافتة إلى أن «التعافي من الضرر النفسي الناتج عن هذه الجريمة يستغرق سنوات».

وتابعت أنه من واقع حالات تعاملت معها، فإن المحتال العاطفي يختار ضحاياه بعد دراسة الحالة النفسية والاجتماعية عبر مواقع التعارف ووسائل التواصل الاجتماعي، ثم يبدأ بلعبة التودد، ثم اصطيادهن عاطفياً حتى يقعن في شباكه، ومن ثم يبدأ في مرحلة جني المكاسب أو الأموال.

ورأت أن النموذج الإماراتي في التعامل مع هذا النوع من الجرائم هو الأفضل عالمياً بكل المقاييس، فالأجهزة الشرطية وجهات إنفاذ القانون لا تغلق أبوابها في وجوه الضحايا، بل توفر قنوات اتصال سهلة ومتنوعة في إطار من السرية، ولا تعرض المجني عليها لأي نوع من اللوم أو العتاب، وهذا كفيل بردع الجناة وتوفير الحماية للضحايا.

وأوضحت أن ما يجب أن يدركه المجتمع، هو أن ضحية الاستدراج العاطفي تكون مسلوبة الإرادة قبل الوقوع في الفخ، ومن ثم يجب شمولها بالرعاية والسند.


قوانين رادعة

قال المحكم والمستشار القانوني، محمد نجيب، إن المشرّع الإماراتي حرص على توفير عقوبات رادعة للجرائم الإلكترونية، لتعزيز الحماية للضحايا، فتطرق المرسوم بقانون 34 لسنة 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية إلى أشكال مختلفة لجريمة الاحتيال والاستدراج، فتوسعت دائرة التجريم من خلال المادة 40 التي تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة والغرامة التي لا تقل عن 250 ألف درهم، ولا تزيد على مليون درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من استولى لنفسه أو لغيره بغير حق على مال منقول أو منفعة، بالاستعانة بأي من الطرق الاحتيالية، أو باتخاذ اسم كاذب أو انتحال صفة غير صحيحة عن طريق الشبكة المعلوماتية أو نظام إلكتروني أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.

وأوضح نجيب أن مرتكبي هذه الجرائم ينتحلون عادة صفات غير صحيحة، ويتخذون لأنفسهم هويات مغايرة لإقناع الضحايا، وهذا أمر مجرّم قانوناً حتى لو انساقت الضحية طواعية للجاني.

وأشار إلى أن الاستدراج العاطفي يرتبط عادة بجرائم إلكترونية أخرى، مثل الابتزاز والتهديد، التي يتصدى لها القانون وفق المادة 42، إذ تنص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو غرامة تصل إلى 500 ألف درهم كل من ابتز شخصاً آخر لحمله على القيام بفعل أو الامتناع عنه، وتصل العقوبة إلى السجن 10 سنوات، إذا كان التهديد بارتكاب جريمة.

وأكد نجيب أن القانون الإماراتي حصّن المجتمع من هذه الجرائم، كما أن جهات إنفاذ القانون تؤدي دوراً كبيراً في حماية الضحايا وملاحقة المجرمين، لكن تظل هناك مسؤولية كبيرة على الضحية نفسها، لأن الوقاية دائماً أفضل من العلاج.

. %7 فقط من الضحايا يبلغون الشرطة خوفاً من الفضيحة والعار.

 

 

المصدر: الإمارات اليوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *