متسولون يستجدون محسنين بأساليب خادعة في رمضان

هناك محتاجون.. وهناك محتالون، قاعدة رئيسة يجب الاعتداد بها عند إخراج الصدقات والزكاة لإيصالها إلى مستحقيها، والنجاة من عصابات التسول والاحتيال التي تتخفى وراء أساليب خادعة وماكرة، ويستجدون عواطف محسنين في الشهر الفضيل عبر قصص إنسانية كاذبة، بهدف الحصول على أكبر قدر من الأموال، حيث يكثر المتسولون، سواء كانوا أفراداً أو حسابات إلكترونية، بشكل لافت، لاستغلال تنامي الرغبة في إخراج الصدقات والزكاة في رمضان، ما يستدعي تكاتف جميع فئات المجتمع للتصدي لهذه الظاهرة السلبية في المجتمع.
ويُعد التسوّل نشاطاً غير قانوني يمارسه البعض في شهر رمضان، تحديداً، كنوع من الاستغلال للتقاليد الدينية، لكسب التعاطف المجتمعي، وجمع أكبر قدر من المال، حيث تقوم مجموعات مع اقتراب شهر رمضان من كل عام، بتوظيف نساء وأطفال من بعض الجنسيات، لاستجداء المواطنين، وتعاطفهم بهدف الحصول على أموال صدقاتهم وزكاتهم، فيما تكرر الجهات الشرطية والقضائية في الدولة دعواتها إلى أهمية تكاتف الجميع للتصدي لكل أشكال التسول، التي تشمل التسول في الطرقات والأسواق، والتسول الإلكتروني عبر وسائل تقنية المعلومات ومنصات التواصل الاجتماعي، بهدف استعطاف المستخدمين للحصول على المنافع المادية والعينية.
ظاهرة موسمية
وأكد مواطنون ومقيمون من خلفيات اجتماعية مختلفة، أن هذه الظاهرة ليست جديدة على المجتمع، إلا أنها تزداد مع قدوم شهر رمضان، لكونه شهر الخير والصدقات، حيث ينتشر المتسولون في الشوارع والأسواق، وفي محيط المساجد والمستشفيات، ووصل الأمر بالكثير منهم إلى دخول البنايات والطرق على أبواب المنازل، والقيام بالاستجداء والكذب، وسرد بعض القصص الإنسانية بهدف إثارة العواطف من أجل كسب المال، مستغلين حب الناس للعطاء خلال هذا الشهر.
وقال محمد رياض، موظف في جهة حكومية: «الكثير ممن يتسولون يملكون الأموال، ولديهم ثروات، لذا يجب الحذر من منحهم الأموال، والحرص على إخراج الصدقات والزكاة في مصارف الزكاة والجهات الرسمية»، مشيراً إلى ضرورة تشديد العقوبات على من يمتهن التسول، وتنظيم حملات أمنية مستمرة على مناطق انتشار المتسولين، إضافة إلى تكثيف التوعية المجتمعية بحيل وخدع المتسولين، لاسيما أنهم يغيرون أساليبهم، وبات التسول الإلكتروني أحد أبرز أشكال التسول».
فيما أشار إبراهيم عادل، موظف بنك، إلى أن الأشخاص المحتاجين دائماً ما يكونون متعففين، ولا يخرجون إلى الطرقات للتسول، على عكس من يطلب المال ويتظاهر بالحاجة وهو ليس محتاجاً، ويعتمد على التلاعب بعواطف الناس، واستغلال المشاعر الدينية، لابتزازهم عاطفياً، وأخذ أموالهم بغير حق، لافتاً إلى أن بعض المتسولين يوجدون في البنوك لمتابعة المتعاملين، واختيار من يتوسمون فيه الطيبة، وبمجرد خروجه يستوقفونه قبل دخوله لسيارته، ويطلبون مساعدته بحجج مختلفة.
استغلال الأطفال
فيما أشارت الأخصائية الاجتماعية، نوال خليفة، إلى أن ظاهرة السيدات اللاتي يستغللن أطفالهن في التسول تنشط في شهر رمضان، لارتباطه بمعاني الإنفاق والرحمة. وبيّنت أن هؤلاء الأطفال الذين يدفعهم ذووهم للتسول معرضون لمخاطر صحية ونفسية واجتماعية كثيرة، منها القلق، والحقد على المجتمع، والعصبية، مع شعورهم بعدم الأمان.
وأيدتها في الرأي زميلتها، حمدة البلوشي، مشيرة إلى أن زيادة أعداد المتسولين سببها استغلال روحانيات الشهر الكريم، حيث يعزف المتسولون على أوتار العاطفة الدينية للصائمين، واستغلال حرص الأغلبية على الإكثار من الصدقات، لافتة إلى أنه في ظل تعدد الجنسيات في المنطقة الواحدة، وعدم معرفة الناس بالفقراء الحقيقيين الذين يستحقون المساعدة، يتعاطفون مع المتسولين ويصدقونهم.
ظاهرة عالمية
فيما قال الاختصاصي النفسي، أحمد السيد: «التسول ظاهرة عالمية لا تقتصر على وطن محدد أو إقليم، بل هي منتشرة في بلدان العالم الفقيرة والغنية، وحالياً يعتبر التسول حرفة يمتهنها بعض الناس، سواء كانوا محتاجين أو غير محتاجين، ويتقنون أداءها لاستجلاب الشفقة والعطف من الآخرين، ولذلك يعتبر المتسول قوة معطلة وغير منتجة، تؤثر في الأداء الكلي للمجتمع، كما أن امتهان الطفل للتسول يؤثر في شخصيته ومستقبله، حيث يفقد كرامته مع الوقت، ويُصبح غير قادر على بناء شخصية مستقلة وإتقان مهارات مختلفة تساعده على العيش بشكل إيجابي في الحياة».
وأكد أن «التسول الموسمي ظاهرة منتشرة في دول العالم أجمع، لها مواعيد ومواقيت وأماكن محددة، سواء أمام المستشفيات أو على أبواب دور العبادة، والأسواق، وتنشط في كل الدول العربية في مواسم رمضان والأعياد»، مشيراً إلى أن خطورة التسول لا تتوقف عند الاستيلاء على أموال المحسنين فقط، بل تنشر الاتكالية والاحتيال في المجتمعات، وتساعد في زيادة نسب الفقر، حيث لا تصل المساعدات إلى مستحقيها، إضافة إلى أن شخصية المتسول لا تكون سوية، وأقرب إلى ارتكاب الجرائم.
صور سلبية
وأجمع مواطنون ومقيمون على أن التسول «مشكلة خطرة»، لما لها من تداعيات مجتمعية سلبية، أبرزها إعطاء صورة سلبية عن جنسيات بعينها، إضافة إلى زيادة نسبة الأطفال غير الأسوياء الناقمين على المجتمع، مشيرين إلى أن القضاء على هذه الظاهرة لا يتم من خلال الحلول الأمنية فقط، حيث تبذل الجهات الشرطية مجهودات جبارة لمواجهة أي ظاهرة غير قانونية، ومن ضمنها التسول الذي تُخصَص له فرق لمكافحته، ولكن الحل الجذري يتطلب توعية مجتمعية شاملة، حتى يدرك جميع فئات المجتمع أهمية إخراج الصدقات والزكاة في الجهات المختصة، لضمان وصولها إلى مستحقيها، وأن التعاطف مع المتسولين يسهم في تشجيع المحتالين وعدم وصول الصدقات إلى مستحقيها.
الأسباب النفسية
من جانبه، أكد استشاري الطب النفسي في مدينة برجيل الطبية بأبوظبي، الدكتور محمود نجم، وجود رابط «براغماتي» ما بين رمضان وزيادة التسول، حيث تميل الناس لإخراج الصدقات في رمضان، كما يمتاز الشهر بمشاعر إنسانية خاصة بالرغبة في المساعدة والتكافل، وبالتالي يشعر المتسول، من خلال الرابط النفعي «البراغماتي» المباشر، أن فترة شهر رمضان هي الموسم الأكبر له، فيقوم بتكثيف نشاطه.
وقال نجم: «ليس كل متسول مصاباً باضطراب نفسي، ولكن الكثيرين منهم مصابون باضطرابات نفسية، حيث توجد ثلاثة أسباب نفسية وراء المتسول، أولها إصابة الشخص باضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع، ومن أعراضها رفض الشخص للمجتمع ومنظومته، والشعور المعادي للطبقة أو الأفراد ميسوري الحال، أو الشعور بالظلم، وينتج عنه التحايل على التعاليم والأعراف، مثل عدم الرغبة في الشغل، والاعتماد على طلب المساعدات».
وأضاف: «السبب الثاني هو الإصابة بالاكتئاب المزاجي الحاد، الذي يؤدي إلى تراجع نشاط الفرد، وعدم القدرة على الإنتاج بفاعلية أو التفكير بشكل إيجابي، وهذا يقوده بالتدريج إلى الاعتماد على المؤسسات الخيرية، أو بعض الأشخاص القريبين منه، ومع اعتياد ممارسة هذا النوع من التكافل الاجتماعي يتطور الأمر إلى قيام هذا الشخص بتوسيع مصادر الدعم، إلى أن تأتي لحظة اعتبار المجتمع ككل كافلاً له، ويبدأ في التسول التقليدي»، مشيراً إلى أن السبب الثالث هو الإدمان بكل أنواعه، حيث تبدأ عمليات التسول بين المدمنين من خلال دعم بعضهم في الحصول على الجرعة، إلى التوسع في طلب الدعم، بعد أن يفقد المدمن عمله وأسرته، ويبدأ في طلب المساعدة من الدائرة الأوسع لمعارفه، إلى أن ينتهي به الحال بالتسول من أي شخص.
المصارف الشرعية
من جانبه، نصح المستشار الأسري، أستاذ الثقافة الإسلامية، الدكتور سيف الجابري، المواطنين بعدم إعطاء أي متسول أموالاً، لأن الله سبحانه وتعالى حدد المستحقين بأنهم الذين لا يستطيعون ضرباً في الأرض، لأن صحتهم وأجسامهم ضعيفة، ويعانون أمراضاً، ولا يسألون الناس إلحافاً، ولا يستطيعون العمل، فنذهب إليهم ونعطيهم، لكن من يتسولون في الشوارع محترفون للتسول، ويستغلون قول الله تعالى في كتابه الكريم: «وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ».
وقال: «مع قدوم شهر رمضان المبارك، تظهر أشكال متنوعة للتسول والبحث عن المال، لذا يجب عدم إعطاء المال لغير مستحقيه، والتحقق من السائل، وألا نكون عاطفيين، وأن نبحث عن المحتاجين من أقاربنا ومن حولنا، ممن نعرفهم ونعرف أحوالهم وحاجتهم، أو التصدق والزكاة عبر الجهات الرسمية، خصوصاً أن أشكال التسول في تطور وابتكار مستمرين»، مشيراً إلى أن التسول صار مهنة لدى بعض المخالفين لقوانين الدولة، لها مواسم وأوقات عمل محددة، والمتسولون منظمون في ما بينهم، سواء في توزيع المهام أو انتشارهم في مناطق معينة، وتقسيم العوائد بينهم.
الأسباب
من جانبه، قال المحامي، سالم محمد عبيد النقبي: «في قلب المجتمع الإماراتي النابض بالحياة والأصالة، تطفو على السطح ظاهرة التسول كأحد التحديات التي تستدعي الوقوف عندها، خصوصاً أن المبادرات الحكومية متواصلة لمواجهتها، وآخرها حملة مكافحة التسول الرامية إلى توجيه التبرعات إلى مستحقيها، لذا ما ينقصنا هو وقوف كل المجتمع أمام هذه الظاهرة لتوحيد الجهود نحو القضاء عليها»، مشيراً إلى أن التسول ظاهرة قديمة متجددة، تطل برأسها بين الحين والآخر في المجتمع، متخذة طرقاً عديدة للانتشار، إلى أن أصبحت وكأنها جريمة منظمة، تقوم بها جماعات وشبكات تستغل كرم الناس وسعيهم للإحسان، خصوصاً في شهر رمضان المبارك.
العقوبة
وأشار النقبي إلى أن القانون يقف بكل حزم أمام تلك الظاهرة، فجاء المرسوم بقانون اتحادي رقم (31) لسنة 2021 بإصدار قانون الجرائم والعقوبات «يُعاقب مرتكب التسول المنفرد بالحبس لمدة لا تزيد على ثلاثة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 5000 درهم، كما يُعاقب كل من أدار جريمة التسول المُنظم واستقدم أشخاصاً من الخارج ليستخدمهم في ارتكابها، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر والغرامة التي لا تقل عن 100 ألف درهم».
وقال إن قانون مكافحة التسول يهدف إلى الحفاظ على الصورة الحضارية للمجتمع، وحماية المجتمع من الجرائم المرتبطة بالتسول، ومكافحة جريمتي التسول والتسول المنظم، والوقاية منهما. وبيّن أنه يجوز للنيابة العامة إحالة المتهم في جريمة التسول إلى وزارة تنمية المجتمع أو الجهة المحلية المختصة للعمل على رعايته اجتماعياً أو تأهيله للعمل، وذلك إذا توافرت في حقه أحكام الضمان الاجتماعي.
التوعية
وشدد على أن المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية تلعب دوراً حاسماً في إرساء قواعد الوعي الاجتماعي بخطورة هذه الظاهرة، والتأكيد على أهمية بناء شبكات الأمان الاجتماعي التي تقي الأفراد من الوقوع في فخ التسول، وكذلك تعليم الأطفال أضرار هذه الظاهرة، وكذلك تحديد قنوات وأرقام خاصة لكل أفراد المجتمع للإبلاغ عن المتسولين، كي نتمكن من القضاء على هذه الظاهرة.
جمع التبرعات
أكدت المحامية هدية حماد أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال جمع أي تبرعات إلا بترخيص رسمي، وعن طريق الجهات المختصة، وإلا واجه الشخص أو الجهة التي تجمع التبرعات عقوبة الحبس والغرامة التي تصل إلى 500 ألف درهم، مشيرة إلى أن عقوبة التسول في القانون الإماراتي، الحبس لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر وغرامة تصل إلى 3000 درهم، وفي حال العودة مرة أخرى تصل إلى الحبس ستة أشهر وغرامة تصل إلى 10 آلاف درهم، مشددة على أهمية عدم التبرع أو المساعدة إلا عن طريق الجهات الرسمية والمرخصة من الدولة، مثل «الهلال الأحمر» و«الأوقاف»، وغيرهما من الجهات المرخصة والمعروفة داخل الدولة، والإبلاغ عن أي مؤسسة أو شخص يقوم بجمع التبرعات من دون ترخيص.
المصدر: الإمارات اليوم