«قوقع» يغير القانون
جلست سيدة إنجليزية مع صديقة لها في مقهى، وأصرت الصديقة على أن تقدم لها مشروباً من اختيارها، عبارة عن زجاجة زنجبيل، فيما طلبت لنفسها فنجاناً من القهوة.
صبت السيدة من الزجاجة، وشربت كوباً، ثم لحقته بكوب آخر، لكنها سمعت صوتاً يصطدم بالكأس، عبارة عن قوقع متحلل داخل الزجاجة، فأصابها الفزع، ثم انتقلت إلى المستشفى تعاني آلاماً حادة في المعدة وغثيان وأعراضاً أخرى، فقررت لاحقاً إقامة دعوى قضائية ضد المقهى ووكلت محامياً شهيراً!
حاول المحامي أن يجد طريقاً للدعوى، لكن لم تسعفه القوانين آنذاك حين حدثت الواقعة في عام 1932، سواء بموجب عقد البيع، أو وفق تشريعات الإهمال.
وقرر بعد تفكير عميق أن يقيم دعوى ضد الشركة المصنعة للمشروب، نظراً لأن الزجاجة كانت داكنة اللون ولا تسمح برؤية ما بداخلها، وقوبلت دعواه بالرفض في أولى درجات التقاضي، لكنه لم ييأس ورفع الدعوى أمام المحكمة العليا، التي أنصفت المرأة بتعويض سخي، في سابقة قانونية تغيرت بموجبها تشريعات في إنجلترا وغالبية محاكم العالم، مفادها أن صاحب أي مصنع مسؤول عن الضرر الواقع بسبب استعمال أحد منتجاته، حتى لو لم يشتر المستهلك المنتج من المصنع مباشرة..
وهكذا كان القوقع الصغير سبباً لتغيير قوانين مهمة، في قضية تدرس حتى الآن للتدليل على وجود حاجة ماسة دائماً لمراجعة التشريعات وتحديثها بما يتسق مع المتغيرات المختلفة..
ولا شك أن دولة الإمارات العربية المتحدة من أكثر الدول حرصاً على تحديث تشريعاتها، لتتواكب مع وتيرة التقدم السريعة التي تشهدها الدولة في جميع المجالات، وطالت التعديلات جميع القوانين تقريباً في الآونة الأخيرة، ومست جوانب بالغة الأهمية لدى المجتمع بمختلف أطيافه..
وبشكل شخصي أرى أن تحديث قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية، والمخدرات والأحوال الشخصية يمثل طفرة على المستوى الاجتماعي بكل المقاييس، فالتشريع الأول يمس كل بيت بل كل فرد من المجتمع في ظل انفتاحنا على تقنيات التواصل الحديثة، بما يجعلنا عرضة بشكل أو بآخر لجرائم العصر الإلكترونية!
ولعل من التعديلات المهمة في هذا القانون، المواد المتعلقة بانتهاك الخصوصية، إذ وفرت حماية إضافية لأفراد المجتمع من انتهاك حياتهم الشخصية سواء بالتصوير أو القول، وأغلقت الباب أمام كثير من السلوكيات التي تستبيح وتروع الآمنين عبر السوشيال ميديا.
أما فيما يتعلق بقانون مكافحة المخدرات المعدل، فيعالج بحكمة بعض الجوانب المرتبطة بالنظرة الأنسب للمتعاطي، وحتمية منحه فرص التعافي وتجاوز محنته، فضلاً عن جعل الإبعاد جوازياً في حالات مهمة، بما يسمح بردع الشخص المتورط، دون حرمانه من البلاد التي يحبها ويمارس فيها أعماله أو وظيفته وتستوطن بها أسرته..
تظل القوانين بشكل عام من وضع البشر، لذا من الضروري مراجعتها بشكل دوري، وتحديثها بما يحقق مصالح البلاد والعباد، ويرسخ العدالة حتى لو كان الدافع للتغيير مجرد «قوقع»..
محكم ومستشار قانوني
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
المصدر: الإمارات اليوم