شكا عاملون في مؤسسات خاصة استمرار تلقيهم مهام وظيفية بعد انتهاء ساعات العمل وعودتهم إلى منازلهم، لافتين إلى أن تطبيقات التواصل الاجتماعي سهّلت الوصول إليهم في كل الظروف والأوقات.
وأعربوا عن تخوفهم من رفض أداء المهام المطلوبة، حتى لا تتأثر علاقتهم بمسؤوليهم سلباً، ما ينعكس على وظائفهم.
وأكدوا لـ«الإمارات اليوم» أن وقت العمل يهيمن على حياتهم بالكامل تقريباً، لأن بعض المهام ترد إليهم في أشد أوقاتهم العائلية خصوصية، وكشفت مشتكية أنها تتلقى أحياناً رسائل على «الواتس أب» في أوقات متأخرة، وتضطر إلى تبرير موقفها أمام أفراد أسرتها، لأنها تلمس لديهم نوعاً من عدم الارتياح.
وأفادت قانونيتان وأخصائي نفسي بأن تواصل المسؤولين والمديرين في جهات العمل مع الموظفين خارج أوقات الدوام الرسمي، عبر مكالمات أو رسائل، لا يندرج ضمن الحالات الطارئة، محذرين من أن هذا السلوك يشكل عبئاً نفسياً واجتماعياً على الموظف، ويُخل بالتوازن بين الحياة المهنية والأسرية، وقد يُعدّ في بعض الحالات انتهاكاً للخصوصية يعاقب عليه القانون، وفقاً للتشريعات المعمول بها في الدولة.
وأشاروا إلى أن الاستخدام المفرط لتطبيقات التواصل وسهولة الوصول إلى الموظف، جعلا بيئة العمل «مفتوحة بلا نهاية»، ما يؤدي إلى ارتباط ذهني مزمن بالمهام الوظيفية، ويربك أدوار الموظف داخل أسرته، ويؤثر سلباً في جودة النوم والانفصال العقلي عن بيئة العمل.
وتفصيلاً، أفادت المحامية والمستشارة القانونية، موزة مسعود، بأن الموظف غير مُلزم قانوناً بالاستجابة لتكليفات خارج أوقات الدوام، ما لم تكن ضرورية ومتفقاً على طابعها مسبقاً، معتبرة أن «المكالمات التي ترسل خارج أوقات العمل تُعدّ تمادياً وانتهاكاً للخصوصية، وتُعرّض أصحابها للمساءلة، ما لم يكن هناك ما يستدعيها فعلاً».
وأشارت إلى ورود شكاوى متعددة من موظفات تعرّضن لضغط متكرر من مسؤولين عبر اتصالات تتعلق بمهام لليوم التالي، بعضها يرسل في ساعات متأخرة من الليل، ما ولّد توتراً داخل الأسرة، وترك أثراً نفسياً مباشراً.
وسردت حالتين وردتا إليها، الأولى لموظفة مطلقة اضطر أشقاؤها إلى إجبارها على تقديم استقالتها من العمل، وتقديم شكوى ضد مديرها، بعد تكرار تلقيها مكالمات منه في كل الأوقات، أما الثانية فتعود لزوجة تلقت اتصالات متكررة من رقم غير مسجل، ما أثار شكوك زوجها ودفعه إلى رفع دعوى ضدها، قبل أن تثبت لاحقاً أن مصدر الاتصال يعود لجهة العمل، وتتم تبرئتها أمام المحكمة.
وأكدت أن المادة (72) من مرسوم بقانون اتحادي رقم (3) لسنة 2003 بشأن تنظيم قطاع الاتصالات، تنص على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبالغرامة التي لا تقل عن 50 ألف درهم ولا تزيد على مليون درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من استغل أجهزة الاتصالات في الإساءة أو الإزعاج أو إيذاء مشاعر الآخرين أو لغرض آخر غير مشروع».
وبدورها، أكدت المحامية والمستشارة القانونية، سارة البقيشي، أن بيئة العمل يجب أن تحترم الحدود الزمنية للدوام الرسمي، مضيفة أن أي تواصل خارج هذا الإطار، ينبغي أن يكون مبرراً وواضحاً، محذرة من أن التواصل العشوائي والمتكرر قد يتحول إلى عبء نفسي على الموظف أو الموظفة، بل يتسبب في نزاعات قانونية إذا أُسيء فهمه.
وأشارت إلى قضية تعاملت معها شخصياً، تتعلق بموظفة عربية وزميلها الآسيوي، إذ تقدم زوجها بشكوى ضدهما بتهمة «تحسين المعصية»، مستنداً إلى رسالة عبر «واتس أب» تتضمن رمز قلب.
وأوضحت أن المحكمة رفضت هذا النوع من الأدلة، واعتبرته غير قانوني، ويندرج في إطار زمالة عمل طبيعية، على الرغم من التأويلات التي بنى عليها الزوج شكوكه.
وشددت البقيشي على أن هذه النوعية من القضايا تعكس خطورة غياب الضوابط المؤسسية في التواصل المهني بعد ساعات الدوام، وضرورة وجود ثقافة تنظيمية تحمي الخصوصية، وتجنّب الموظفين الدخول في شبهات اجتماعية أو قانونية.
ودعت إلى سنّ سياسات داخلية واضحة في المؤسسات، تنظم آلية التواصل مع الموظفين، وتحصر المكالمات في الحالات الطارئة والمستعجلة فقط، وتُلزم المسؤولين احترام الحدود الزمنية.
وأكدت أن ضبط أوقات الاتصال ليس «ترفاً مؤسسياً»، بل ضرورة لحماية الصحة النفسية، وضمان جودة الأداء الوظيفي، مشيرة إلى أن غياب التنظيم قد يؤدي إلى مشكلات أسرية ومهنية معقدة يصعب علاجها لاحقاً.
وعلى الصعيد النفسي، قال استشاري الصحة النفسية، الدكتور محمد يحيى نصار، إن التواصل الوظيفي المتكرر بعد الدوام يُبقي الموظف في حالة استنفار ذهني تُسمى في علم النفس «الارتباط الذهني المستمر بالعمل»، وتمنع الدماغ من الدخول في حالة الاسترخاء المطلوبة بعد انتهاء المهام الرسمية.
وأوضح أن «هذه الحالة قد تؤدي إلى اضطرابات في النوم، وتشويش في التركيز الأسري، واحتراق نفسي تدريجي وشعور مزمن بالإرهاق»، لافتاً إلى أن «بعض الموظفين يواجهون صعوبة في فك ارتباطهم العقلي بالعمل، حتى في الإجازات».
وأضاف نصار أن تأثير هذه الحالة يتضاعف لدى الموظفات المتزوجات على وجه الخصوص، بحكم تداخل الأدوار الوظيفية والعائلية، إذ يتحول الهاتف من وسيلة تواصل إلى أداة ضغط مستمر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
المصدر: الإمارات اليوم