لم يكن الغواص الإماراتي، صالح محمد الظهوري، يتوقع أن قطعة مرجان تغطيها طبقة من الطحالب، ستكون الشرارة التي تغير مساره، وتدفعه إلى تأسيس أحد أبرز المشروعات البيئية في الساحل الشرقي، خلال السنوات الأخيرة، إذ استوقفه لون قطعة المرجان الأبيض، ليكتشف، بعد رحلة من البحث في المصادر البيئية، أن هذا اللون علامة على بداية موت المرجان، وأنه تلقى ما يشبه استغاثة من البحر.
وقال الظهوري لـ«الإمارات اليوم» إن البداية لم تكن أكثر من ملاحظة عابرة تحت الماء، حين لاحظ تغير لون المرجان إلى الأبيض، معتقداً، كغيره من الهواة، أن هذا اللون جزء من طبيعته الجمالية.
وقال: «عندما صادفت قطعة مرجان طافية على السطح، مبيضّة كلياً، أدركت أن هناك خطأ ما».
وأوضح أنه قرأ عن الشعاب المرجانية، ليكتشف أن اللون الأبيض بداية موت المرجان، ومرحلة حرجة تسبق انهيار النظام البيئي في الموقع، مؤكداً أن هذا الإدراك كان «لحظة التحول الحقيقية» التي غيرت نظرته للغوص من مجرد هواية ومتعة شخصية إلى مسؤولية بيئية.
ويصف الظهوري تلك اللحظة بأنها «نقطة الانطلاق» نحو تأسيس مشروعه لاستزراع المرجان.
ويتابع: «لم أكن مدرب غوص أو باحثاً بحرياً، بل كنت غواصاً بسيطاً بدأ من فضول صغير، لكن تلك الملاحظة العارضة تحولت إلى التزام يومي استمر معي 10 سنوات، لم أتوقف خلالها عن مراقبة البحر، وفهم تغيراته، ومحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه».
ويذكر أنه خلال هذه السنوات واجه مواقف غريبة، بدءاً من العثور على كاميرات تصوير في الأعماق، وانتشال أحذية رياضية فقدها أصحابها أثناء السباحة، وصولاً إلى إحدى فردتي حذاء يشبه، كما يقول مازحاً، «حذاء سندريلا».
وأكد أنه صادف خلال غطساته سلاحف بحرية عالقة بين مخلفات بلاستيكية، وتدخل لتحريرها.
وأشار إلى أن هذه القصص الميدانية جعلته أكثر قرباً من تفاصيل البيئة البحرية، ودفعته إلى إنشاء موقع استزراع أصبح اليوم «ملاذاً آمناً» لأنواع مختلفة من المرجان والأسماك، متابعاً أن «المرجان يضم حالياً أنواعاً نادرة».
وذكر الظهوري أنه يعمل في الموقع بمعدل يومين إلى ثلاث أيام أسبوعياً، منذ نحو 10 سنوات من دون انقطاع، مؤكداً أن «المشاركة في المبادرة لا تقتصر على المواطنين، بل تضم مقيمين وسياحاً من دول الخليج، لأن حب البحر لا يرتبط بجنسية أو سنّ محددة، فهناك مشاركون من بلدان وجنسيات مختلفه، وأحد المشاركين في حملات التنظيف والاستزراع لا تتجاوز سنّه 10 أعوام».
وقال إنه مع انتشار المشروع، بدأت فِرَق من مسندم في سلطنة عمان، ومن الكويت وقطر والبحرين، التواصل معه للاطلاع على التجربة وتطبيقها في بيئات مشابهة، مضيفاً أن هذا التواصل أسعده كثيراً «لأنه يعني أن مبادرة بدأت من لا شيء أصبحت بصمة تمتد إلى خارج حدود الدولة».
ويؤكد الظهوري أن دافعه الرئيس كان إدراكه لأهمية الشعاب المرجانية في الحفاظ على التنوع الحيوي، مضيفاً أن العمل لم يخل من التحديات، وأهمها نقص التمويل، والظواهر الطبيعية التي تتسبب أحياناً في تلف بعض الشعاب أو تغيرات التيارات التي تعيق عملية التثبيت، لكنه يرى أن خبرته الطويلة تحت الماء ساعدته في تحديد المواقع المناسبة، لافتاً إلى أن البحر يعطي إشاراته، ومع الوقت يصبح ممكناً معرفة أين يعيش المرجان وأين يموت.
وأفاد بأن موقع الاستزراع الذي كان في بداياته مساحة محدودة لا تجذب سوى أنواع قليلة من الأسماك، تحول تدريجياً إلى بيئة نابضة بالحياة، بعد أن عادت إليه أصناف لم تكن تُرى في مياه الفجيرة منذ سنوات طويلة.
وقال: «إن من أبرز المؤشرات الإيجابية عودة السلاحف البحرية إلى السباحة قرب الموقع، وظهورها في مواسم متفرقة، على خلاف ما كان عليه الوضع سابقاً، إذ كانت تختفي تماماً بسبب تدهور الشعاب وضعف الغطاء المرجاني». وأضاف: «نشاهد اليوم مجموعات من الأسماك الصغيرة والكبيرة والسلاحف تمر بالقرب منا أثناء الغوص دون خوف، كأن المكان أصبح موطناً آمناً لها، وهذا التغير لم يحدث مصادفة، بل جاء نتيجة تراكم سنوات من العمل وإعادة التأهيل».
ويبين أن مشروع استزراع المرجان ينعكس إيجاباً على البيئة والاقتصاد معاً، عبر تنشيط مواقع الغوص، واستقطاب السياح، وتحسين مناطق الصيد، وتنشيط عمل المراكز والفنادق البحرية، مشيراً إلى أن نجاح المشروع ما كان ليتحقق لولا التعاون القائم مع هيئة الفجيرة للبيئة ومركز الفجيرة للبحوث، إلى جانب دعم بعض الجامعات والمدارس الخاصة، والوعي المجتمعي الذي ارتفع بشكل كبير مقارنة بالبدايات، وأصبح كثيرون يدركون أهمية المرجان والآثار المترتبة على فقدانه.
وعن مستقبل المشروع، قال الظهوري: «خطتي للسنوات المقبلة، إنشاء أكاديمية مختصة بالشعاب المرجانية واستزراعها، لتكون منصة تعليمية ومعرفية تخرج جيلاً جديداً من الغواصين والمهتمين بالبيئة البحرية».
صالح الظهوري:
• عثرت في أعماق البحر على كاميرات وأحذية رياضية فقدها أصحابها أثناء السباحة.. وصادفت «سلاحف» عالقة بين المخلفات.
• أخطط مستقبلاً لإنشاء أكاديمية مختصة بالشعاب المرجانية واستزراعها، لتكون منصة تعليمية ومعرفية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
المصدر: الإمارات اليوم
