غرباء تحت سقف واحد.. اضطرابات نفسية تُظهرها الضغوط وتهدد علاقات أزواج

طالب أطباء ومختصون بإدراج الفحص النفسي ضمن فحوص ما قبل الزواج، باعتباره أمراً ضرورياً لتعزيز استقرار الحياة الزوجية، ومواجهة الشعور بـ«وصمة العار» المرتبطة بالأمراض النفسية.
وحذروا من أن إخفاء أحد الطرفين أمراضاً أو اضطرابات نفسية، يشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار العلاقة، ويحول الحياة إلى ساحة توتر وصدام متكرر، وقد تنتهي أحياناً بالطلاق.
وأوضحوا أن هناك خمسة اضطرابات نفسية وعصبية غير مرئية لا تظهر بوضوح خلال فترة الخطوبة أو التعارف، وتفاجئ أحد الطرفين بعد الزواج، وتشمل «الاكتئاب المزمن، واضطرابات القلق، والوسواس القهري، واضطرابات الشخصية (كالنرجسية والشخصية الحدية)، والاضطرابات العصبية (مثل طيف التوحد الخفيف)».
وروت مطلقتان، نتيجة إصابة زوجيهما بمرض نفسي، أن الزوجين أخفيا طبيعة الإصابة بالمرض حتى اتضح ذلك بمرور الوقت ومع التعرض لضغوط الحياة، وأكدتا أن كلتيهما تعرضتا إما للضرب من طليقها أو لمعاملة سيئة حتى انتهى الأمر بالطلاق.
رأي الدين
وقال كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي، الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد: «إذا كان هذا المرض يعد جنوناً مطبقاً أو متفرقاً وثبت ذلك طبياً أو بشهادة الشهود العدول، فإن ذلك يعد من عيوب النكاح التي تخول للطرف الآخر فسخ عقد الزواج، قبل الدخول وبعده، فإن كان قبل الدخول فمن حقه أن يسترد جميع ما دفعه، وإن كان بعد الدخول استحقت المرأة المهر المسمى».
وأضاف: «أما إذا لم يثبت ذلك واقتصر الأمر على مجرد عصبيات أحياناً بسبب سوء التفاهم، فإن هذا لا يقتضي فسخ النكاح، لأنه مما لا يكاد يخلو منه أحد».
تجارب واقعية
وتفصيلاً، روت (ف.إ) قصة زواجها من شاب كان يعاني اضطرابات نفسية لم تكن تعرف عنها شيئاً قبل الزواج، وانتهت بالانفصال والطلاق، وتقول إنها لم تلحظ عليه أي سلوك مريب في البداية، وبعد أسابيع بدأت تظهر عليه تصرفات مثل ضعف الشخصية، والشك المستمر، وتقلب المزاج، وكان يتصرف بعنف لفظي أحياناً.
وأضافت أنها حاولت التأقلم والصبر على أمل أن يتحسن الوضع، وحاولت أن تتحدث معه عن سلوكه في بعض المواقف لكن دون جدوى، ولاحظت أن حالته تزداد سوءاً، وأن تلك السلوكيات تؤذيها نفسياً يوماً بعد يوم.
وتابعت: «بعد ثلاثة أشهر تعدى زوجي عليَّ بالضرب لسبب بسيط في النقاش وتدخل أهلي وأعادوني إلى منزل العائلة، وفشلت محاولات الصلح فقررت الانفصال ورفعت دعوى طلاق وقضت المحكمة بتطليقي».
وأشارت إلى تعبها النفسي خلال الزواج والمشخص بحالة «اكتئاب» نتيجة الضغط، ما أدى إلى إصابتها بأمراض جسدية مثل الشقيقة وورم في الغدة، وترتبط عادة بمشكلات وضغط نفسي.
وقالت (س.م 29 عاماً) إنها لم تكن تعلم أن زوجها يعاني من اضطراب «ثنائي القطب»، وبعد مرور أشهر من الزواج بدأت تلاحظ تقلبات حادة في مزاجه، من فرح مفرط وطاقة مفرطة إلى حزن شديد وانطواء تام.
وأضافت: «ظننت أن الأمر مجرد ضغوط عمل، لكن حالته كانت تزداد سوءاً، ومع كل نوبة كان يتحول إلى شخص آخر، وأحياناً كان يخطط لمشاريع ضخمة بلا منطق، ثم يدخل في اكتئاب لا يغادر معه السرير أياماً، وبعد استشارة طبيب نفسي تبيّن أنه مصاب باضطراب ثنائي القطب ويحتاج إلى علاج منتظم، وصدمت لأن أحداً لم يخبرني بذلك من قبل، وحاولت دعمه لكن الأمر كان فوق طاقتي النفسية والجسدية، خصوصاً بعد أن أصبح يؤذيني بالكلام ويتصرف بعدوانية، فقررت الانفصال بعد عامين».
اضطراب القلق
وقالت المعالجة النفسية، مريم الحامد: «واجهنا حالات عدة تأثرت فيها العلاقات الزوجية بسبب اضطرابات نفسية لم تُكتشف أو يفصح عنها قبل الزواج، منها حالات اكتشف فيها أحد الزوجين إصابة شريكه باضطراب القلق المزمن بعد الزواج، ما أدى إلى سوء تفاهم حول سلوكيات مثل العصبية المفرطة أو التجنب الاجتماعي، إضافة إلى حالة أخرى تعلقت باضطرابات الشخصية، حيث ظهرت سلوكيات تحكمية أو حساسية مفرطة بعد الزواج، ما تسبب في نزاعات متكررة».
وفي ما يتعلق بمدى أحقية الشريك في معرفة الحالة النفسية للطرف الآخر، أكدت أن التوفيق بين الحق في الخصوصية والواجب الأخلاقي بالإفصاح هو مسألة توازن، وقالت: «الإفصاح يجب أن يكون عن الجوانب التي تؤثر فعلياً على الحياة الزوجية، وليس عن كل ما مر به الفرد، ويمكن أن يساعد مستشار نفسي أو أسري في إدارة هذا الحوار بشكل موضوعي يحمي كرامة الطرفين ويعزز الثقة بينهما».
وحددت المعاجلة النفسية خمس علامات يجب على الشريكين الانتباه إليها قبل الزواج وتدل على وجود اضطراب نفسي غير مشخّص وتشمل «التغيرات المزاجية الشديدة وغير المبررة»، حيث قد تكون مؤشراً على اضطراب مثل الاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب، و«العزلة المفرطة أو تجنب التفاعلات الاجتماعية» قد تشير إلى اضطرابات قلق أو حتى طيف التوحد الخفيف، و«ردود الفعل غير المنطقية تحت الضغط» مثل الانفعال الزائد أو اتخاذ قرارات متسرعة، و«السلوكيات المتكررة» مثل التدقيق المستمر في التفاصيل أو أنماط التفكير الوسواسي التي قد تكون مرتبطة باضطراب الوسواس القهري، و«صعوبة اتخاذ القرارات البسيطة أو الاعتماد المفرط على الآخرين» والتي قد تشير إلى اضطرابات نفسية.
وقدمت نصائح عدة للأفراد المقبلين على الزواج لتفادي تلك المشكلات أبرزها التواصل الصريح، وتعزيز التوعية بالصحة النفسية أمر حيوي، وأوصت بطلب المساعدة من مختص نفسي مبكراً، حيث إن التدخل السريع يمكن أن يحمي الأسرة ويعزز استقرارها.
وحذر استشاري طب المجتمع والصحة العامة، الدكتور سيف درويش، من خطورة إهمال الجانب النفسي عند الإقدام على الزواج، وأكد أن الاضطرابات النفسية والعصبية والشخصية مازال البعض يعتبرها وصمة عار، رغم تأثيرها العميق على استقرار العلاقات الزوجية، بل وتهديدها أحياناً بالانهيار، حيث تؤثر على الزوجين، بدءاً من مشكلات التواصل والعنف الأسري، مروراً بالأزمات المالية وتحديات تربية الأبناء، وصولاً إلى معدلات الطلاق المرتفعة، والتي تُعزى نسبة كبيرة منها إلى أمراض واضطرابات نفسية غير مشخصة أو غير معالجة.
أخطر الاضطرابات
وشدد على أن أخطر أنواع الاضطرابات على الحياة الزوجية هي اضطرابات الشخصية، مثل اضطراب الشخصية الحدية أو النرجسية، واصفاً إياها بـ«القنابل الموقوتة»، إذ يصعب اكتشافها مبكراً، وتتميز بأنها تبدأ عادة في سن المراهقة أو بداية البلوغ، وتستمر فترات طويلة، وتؤثر في مشاعر وسلوكيات المصاب بشكل دائم، حيث تنحرف عن توقعات وثقافة المجتمع، وتؤدي إلى خلل كبير في الأداء الاجتماعي والوظيفي.
وأشار إلى أن بعض الاضطرابات مثل طيف التوحد لا تكون ظاهرة خلال فترة التعارف، إذ يبدو الشخص طبيعياً تماماً، لكن بعد الزواج تظهر صعوبات كبيرة في التواصل العاطفي والاجتماعي، ما يخلق شعوراً بالوحدة لدى الشريك، ويؤدي مع الوقت إلى انهيار العلاقة، وصولاً إلى الطلاق. ولفت إلى أن دراسات عالمية أُجريت على حالات من هذا النوع، أثبتت أن نسب الطلاق ترتفع بشكل واضح في العلاقات التي يكون فيها أحد الطرفين مصاباً باضطرابات غير مشخصة أو غير معالجة، كما أظهرت دراسة عالمية شملت 19 دولة، أن نسب الطلاق بين المصابين باضطرابات نفسية غير معالجة تراوح بين 20 و80%، وهو مؤشر خطير على الأثر العميق لهذه الأمراض على استقرار الأسر، ودعا إلى إدراج الفحص النفسي ضمن فحوص ما قبل الزواج.
وقال استشاري الطب النفسي، الدكتور ميشال ضاهر، إن الاضطرابات النفسية والعصبية غير المرئية التي قد لا تظهر بوضوح خلال فترة الخطوبة أو التعارف، تُعد من أبرز التحديات التي قد تفاجئ أحد الطرفين بعد الزواج، وذلك بسبب طبيعتها الخفية أو بسبب شدتها الخفيفة أو تمكن الشخص من إخفائها مؤقتاً، وتشمل هذه الاضطرابات «الاكتئاب المزمن» الذي قد يظهر على شكل تقلبات مزاجية خفيفة في البداية، و«اضطرابات القلق» التي قد تُفسر خطأً على أنها توتر عادي، و«الوسواس القهري» قد يبدو مجرد اهتمام زائد بالتفاصيل، و«اضطرابات الشخصية» كالنرجسية والشخصية الحدية، قد تظهر كثقة بالنفس أو حساسية عاطفية في سياق العلاقة الرومانسية، واضطرابات عصبية مثل طيف «التوحد الخفيف»، حيث قد يُساء فهم صعوبات التواصل الاجتماعي على أنها «خجل».
وأضاف أن هذه الاضطرابات غالباً ما تتفاقم وتظهر بشكل أوضح بعد الزواج نتيجة الضغوط اليومية والمسؤوليات المشتركة، ما يؤدي إلى صعوبات في التواصل، وتكرار الخلافات، وشعور أحد الشريكين بالإرهاق العاطفي أو الإحباط بسبب السلوكيات غير المفهومة للطرف الآخر، ما يهدد استقرار الأسرة إذا لم يتم التعامل معها بحكمة من خلال العلاج النفسي أو الدعم الأسري.
ولفت إلى أن إخفاء الاضطرابات النفسية قبل الزواج قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، إذ يُضعف الثقة المتبادلة بين الزوجين، وقد يثير مشاعر الخداع أو عدم الأمان عند اكتشاف أحد الطرفين لاضطراب لم يُفصح عنه.
وفي ما يتعلق باقتراح إجراء فحص نفسي قبل الزواج، أكد أنها مقترح مهم، لكنه يجب أن يُطبق بحذر وبشكل اختياري وليس إلزامياً، ومن دون التدخل في خصوصية الأفراد، لتمكين الشريكين من تعزيز الوعي الذاتي وفهم أعمق لبعضهما، ما يعزز استقرار الأسرة.
الرأي القانوني
وقال المحامي والمستشار القانوني، سالم سعيد الحيقي، إنه في حالة اكتشاف الاضطرابات النفسية أو السلوكية في أحد الزوجين بعد الزواج، تكون تلك الحالة مناقضة لمقتضى الزواج الوارد بالمادة 16 من قانون الأحوال الشخصية رقم 41 / 2024، وهو دوام العلاقة الزوجية وإنشاء أسرة مستقرة يرعاها الزوجان بمودة ورحمة، وهذا لا يكون في حالة قيام الاضطراب النفسي أو السلوكي بأي منهما، وبناء على ذلك يكون من حق أحد الطرفين إنهاء علاقة الزواج وطلب التعويض في تلك الحالة.
المطلقة «س.م»:
. فوجئت بأن زوجي مصاب باضطراب «ثنائي القطب» بعد أشهر من الزواج، ومع كل نوبة كان يتحول إلى شخص آخر، لا يغادر السرير بالأيام، حاولت دعمه لكن بعد تصرفاته العدوانية قررت الانفصال.
المطلقة «ف.إ»:
. اكتشفت إصابة طليقي باضطرابات نفسية لم تظهر عليه قبل الزواج، لدرجة تعديه عليَّ بالضرب لمجرد خلاف بسيط في النقاش، ما أصابني بـ«اكتئاب» أدى إلى أمراض جسدية مثل الشقيقة وورم في الغدة.
المصدر: الإمارات اليوم