اخبار السودان

وسقطت دمشق ضحي، ثم  ماذا بعد! السودانية , اخبار السودان

وسقطت دمشق ضحي، ثم  ماذا بعد!

محمد بدوي

حتى مساء 7 ديسمبر 2024 ظل بعض المحللين والإعلاميين من المختصين في الشأن السوري يصرحون بحصانة العاصمة السورية عسكرياً، بما يجعل سقوطها ليس بالإمكان، أو على الأقل في القريب، هذه التحليلات على خلفية الاستيلاء العسكري السريع لعدة مدن سورية استراتيجية، في مشهد أعاد أنظار العالم نحو سوريا التي ترزح تحت وطاة حكم دكتاتوري عقائدي منذ العام 1963، تخللته تحولات الاحتجاجات الشعبية لإسقاط النظام إلى حرب بين القوات الحكومية المدعومة من روسيا وإيران، والقوات المتعددة للفصائل السورية.

ظل النظام السوري يعتمد على عوامل خارجية لمقاومة الصراع المسلح، بما جعل تطاول الصراع يتأثر بالعوامل الخارجية بشكل جوهري سواء كانت اقتصادية أو سياسية مباشرة أو مرتبطة بالتحولات في مواقف الحلفاء تاثيراً وتاثراً.

سحبت إيران منسوبيها سواء العسكريين أو الدبلوماسيين، ولعل هذا الموقف كشف أن التحولات التي حدثت في إيران عقب الانتخابات الأخيرة وبذرة الاحتجاجات الداخلية، والصراع بين إسرائيل وحماس، ومقتل حسن نصر الله والأوضاع في لبنان، فرض عليها ترتيب أولوياتها وعدم التدخل، هذا الموقف يكشف أن التحالف بينها وروسيا في استراتيجيته مربوط بتنسيق المواقف الخارجية، فروسيا أيضاً على ذات نسق ترتيب المصالح، فإنها تولي الأولوية لدعم موقفها من الحرب الأوكرانية، ومن جانب آخر تعزيز توسعها في أفريقيا الغربية الغنية بالموارد الطبيعية، وقد نجحت في ذلك ففي 2018 وعبر الخرطوم أدخلت 815 من قواتها إلى منطقة سنقو الغنية بالذهب بجنوب دارفور، ثم واصلت إلى أفريقيا الوسطي، وبعد وقت قصير تمكنت من الوصول إلى النيجر كل هذا خصماً على النفوذ الفرنسي.

اقتصادياً فإن تطاول الصراع في سوريا ودعم الحلفاء له، تأثر بعوامل اقتصادية متسلسلة من الأزمة المالية العالمية 2013 التي أثرت على سياسات الدول الكبرى مثل الإدارة الامريكية، حيث برزت سياسة سحب القوات الأمريكية من عدة دول منها أفغانستان وتمكين الجماعات الإسلامية من السلطة على نظرية تراجع الخطر الإسلامي في ظل الوجود بالسلطة والعكس، التعامل عبر حلفاء مثل الإمارات العربية في السيطرة على الموارد والموانئ، ثم إنفاذ نسق تمكين الوكلاء من السيطرة الحصرية على الذهب المرتبطة بمناطق النزاع في حالة الذهب السوداني وأسواق دبي.

تأثر الصراع بالتأثيرات الاقتصادية لجائحة كورونا، بالمقابل برز حلفاء قادرون على تشكيل سند اقتصادي للإدارة الامريكية مثل المملكة العربية السعودية لميزة النفط وكذلك الإمارات التي وصل احتياطي الذهب ببنكها المركزي 22 مليار درهم إماراتي.

تطاول الصراع ورفض نسق الحلول التفاوضية والمصالح التركية في المشهد جعلت من نظام بشار الأسد يتراجع في الأجندة سواء لروسيا أو غيرها لأن النسق المرتبط بسيناريوهات فدرالية غير منتظمة وفق اتفاقات غير معلنة كما في الحالة الليبية تمثل إحدى النماذج التي يعتمد عليها المجتمع الدولي تحت غطاء الأمم المتحدة.

السياسة الأمريكية إعادة توظيف القادة الإسلاميين السوريين بدعمم للسيطرة على السلطة بذات نسق تمكين الإسلاميين واحتواء المجموعات السورية داخل النظاق الجغرافي الوطني، وهي حالة مشابهة لحالة أفغانستان، وسحب القوات السودانية المقاتلة بليبيا بموجب اتفاق سلام السودان 2020 إلى داخل السودان.

ما حدث في سوريا مرتبط بالمشهد السوداني إلى حد كبير، فهذا يعني توقف الذهب السوداني إلى موسكو عن طريق مطار اللاذقية، حالة تعثر التفاوض بين أطراف الحرب في السودان، وما برز من تأثير على بعض دول الجوار مثل جنوب السودان، ومحاولة إنقاذ الاقتصاد بها عبر عروض إماراتية مقابل البترول الذي تأثر بالحرب، مع الأخذ في الاعتبار أن الإدارة الأمريكية كانت قد شددت وقف القصف الجوي السوداني على مناطق داخل حدود دولة الجنوب في 2017 كشرط لرفع العقوبات الاقتصادية، كل ذلك يجعل من علاقة روسيا بصراع السودان والذي برز بشدة في الفيتو الذي رفعته موسكو بمجلس الأمن الدولي مؤخراً، رغم جهود المملكة المتحدة في تمرير القرار بالإجماع.

الخلاصة: السياسات الدولية منذ 2017 تنحى بشدة نحو السيطرة على الموارد وتوظيفها في الصراعات في تلك الدول بدلاً من الصرف عليها مباشرة، رفض بشار الأسد مرور خط الغاز القطري عبر سوريا إلى أوروبا كبديل للغاز الروسي وسع من التحالف ضده في وقت استنفذت الحرب الطويلة الموارد، سقوط سوريا قد يعيد التفاهم بين موسكو وواشنطون حول أوكرانيا، لأن العام 2025 قد يطرح أسئلة جديدة حول من سيقوم بإعادة إعمار دمشق، وغزة وربما الخرطوم.

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *