كشف عضو في فريق «إي تي سي» للمسارات الجبلية، إسماعيل أحمد الحوسني، لـ«الإمارات اليوم»، عن حوادث ميدانية شكّلت نقاطاً فارقة في أعمال البحث والإنقاذ في المناطق الجبلية، وأظهرت أهمية المعرفة الدقيقة بالتضاريس، والتجهيز السليم قبل خوض أي مغامرة في الأودية والمرتفعات الجبلية.
وتضمنت القصص واقعة العثور على رجل تائه بعد 10 أيام من البحث في مدينة كلباء، وحادثة أخرى استطاع فيها أحد العالقين في مدينة خورفكان إرسال «إشارة نجاة» عبر إشعال شجرة شاهد الأهالي دخانها من بعيد، إلى جانب موقف لشباب اقتربوا من مجرى وادٍ مندفع بفعل الأمطار الغزيرة، لكنهم تراجعوا في الوقت المناسب بعد تلقيهم تحذيرات من جهة مختصة، ليفاجؤوا خلال دقائق قليلة بالمياه تغمر الموقع الذي كانوا متوقفين فيه.
وأكد الحوسني أن هذه الوقائع تعكس الدور الحيوي للخبرة المحلية في فهم مسارات الجبال والأودية، مشيراً إلى أن أدوات بسيطة، مثل الصفارة أو وسيلة إشعال، أو الاستعانة بأهل المنطقة، لعبت دوراً محورياً في حسم عمليات البحث والإنقاذ.
وأوضح أن فريق «إي تي سي»، المعتمد رسمياً منذ أكثر من ثمانية أعوام، يواصل دعم الجهات المختصة في حالات الطوارئ، وتنظيم الرحلات الجبلية، ونشر الوعي بمتطلبات السلامة، خصوصاً خلال مواسم الأمطار التي تشهد توافد الزوّار ومحبي المغامرة.
ومن أبرز القصص التي لا ينساها الحوسني، قصة مفقود ظل 10 أيام بلا أثر في مدينة كلباء، قائلاً: «وردنا بلاغ بالمشاركة في عمليات البحث بالتعاون مع وزارة الداخلية، فقمنا فوراً بجمع الشباب المختصين في المسارات الجبلية، وعقدنا اجتماعاً استغرق ساعة ونصف الساعة تقريباً، درسنا فيه طبيعة الشخص المفقود، واتضح أنه رياضي، ولكنه ليس متسلق جبال محترفاً».
وتابع: «بناءً على خبرتنا، توقعنا أنه خرج عن المسار الرئيس، فحددنا نقطة بداية للبحث، ثم استعنا بأصحاب المزارع والعزب والعمال المقيمين في المنطقة، فهم أعرف بخفاياها. وبعد 10 دقائق فقط من بدء البحث في النقطة التي اخترناها، تمكنا من الوصول إلى جثة المفقود».
ومن القصص اللافتة التي يرويها الحوسني واقعة تخص مفقوداً في أحد جبال مدينة خورفكان، كاد أن يهلك لو لم يستخدم أداة «بسيطة جداً» للإشعال.
وأوضح أن المفقود شعر بعدم القدرة على مواصلة المشي، وأنه موشك على الهلاك، فقرر إشعال شجرة عن طريق ضرب حديدتين صغيرتين محدثاً شرراً، ما نبه أهالي المنطقة إلى الدخان المتصاعد من بعيد، فأسرعوا نحوه مدركين أن هناك حريقاً غير طبيعي.
وقال: «تواصل بعض الأشخاص معنا لتحديد الموقع بهدف اختصار الوقت، وبالفعل تم إنقاذه في الوقت المناسب».
ولفت إلى أن «وجود ولاعة أو صفارة صغيرة أو أداة بسيطة قد ينقذ حياة إنسان في الجبال، لكن الأساس أن يخرج الشخص وهو مجهّز بأدوات الأمن والسلامة، لا أن يغامر بحياته خالي اليدين».
وأكد الحوسني أن مناطق الأودية تتحوّل بعد هطول الأمطار إلى نقطة جذب لهواة المغامرة من شتى إمارات الدولة، لكنها «خادعة جداً»، خصوصاً لمن يأتون من خارج المنطقة دون معرفة مسبقة بطبيعة المسارات.
وقال: «في وديان منطقة شيص والمناطق الجبلية التابعة لخورفكان والشارقة، لاحظنا أن كثيراً من الزوار يعتمدون على تطبيقات تسجيل مسارات الجبال وتصنيف درجات صعوبتها، والمشكلة أن الرياضي أو الخبير في الجبال يرى المسار سهلاً، فيسجله بهذه الدرجة، لكن من يأتي بعده، وهو أقل خبرة ولياقة، يصطدم بحقيقة مختلفة وخطرة»، مضيفاً أن «النظر للجبال يخدع، فبعضهم يظن أن الصعود سهل، والنزول أسهل، ثم يكتشف أنه محاصر في مسار ضيق أو منحدر حاد، لا يستطيع العودة منه، وهنا تتدخل فرق الإنقاذ، ونستدعى نحن غالباً بحكم خبرتنا ومعرفتنا بهذه المسارات».
ومن القصص التي تثير قلق الحوسني، تصرفات بعض الأفراد الذين يلاحقون «اللقطة الأخطر» لتصويرها، ولو على حساب سلامتهم، موضحاً أنه «في مواسم الأمطار الغزيرة، نرى أشخاصاً يقتربون من مجرى الوادي من أجل تصوير لحظة نزول السيل فقط، بهدف نشر مقاطع لافتة على وسائل التواصل. لكن هذه اللحظات هي الأخطر، لأن الوادي قد يفاجئهم بسرعة جريان المياه أو تغيير مسارها».
ولخّص الحوسني خبرته في هذا المجال، قائلاً إن المغامرة شيء محسوب، وليست قفزة إلى المجهول «فالخروج إلى المسارات الجبلية يتطلب معرفة دقيقة بطبيعة التضاريس، والاستعداد بالأدوات اللازمة للسلامة، والاطلاع على حالة الطقس وتوقعات الأمطار»، مؤكداً أن بعض الهواة يغامرون من دون تجهيز كافٍ، ويتعاملون مع الخطر باعتباره جزءاً من التجربة، ما يضعهم في مواقف قد تتجاوز قدراتهم.
وشدّد على أهمية سؤال أهل المنطقة قبل دخول الأودية، والتحقق من مخاطر السيول، وحمل أدوات أساسية مثل الصفارة، والمصباح، وأداة الإشعال، وحقيبة الإسعافات الأولية، ووسيلة اتصال فعالة، مبيناً أن هذه التفاصيل البسيطة قد تصنع الفارق بين العودة بسلام أو تحول الرحلة إلى حادث مؤلم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
المصدر: الإمارات اليوم
