أكد مدير الحرم الجامعي لجامعة أبوظبي في العين مدير مركز التعلم الذكي، الدكتور محمد فتيحة، لـ«الإمارات اليوم»، أن الذكاء الاصطناعي سيُشكّل أداة فعالة لتعزيز الأداء التعليمي للطلبة أصحاب الهمم، مشيراً إلى أن التقنيات الحديثة تفتح آفاقاً جديدة في التعليم الدامج.
وبيّن أن المرحلة الحالية تشهد دخول الذكاء الاصطناعي في معظم مجالات الحياة، وعلى رأسها التعليم، ما يجعل من الضروري تطوير مهارات الكوادر التعليمية في مراكز التربية الخاصة والمدارس الدامجة لاستخدام هذه التقنيات بفاعلية.
وتفصيلاً، قال الدكتور محمد فتيحة إن «الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة حقيقية لتطوير التعليم إذا استخدمناه بالشكل الصحيح، لكنه قد يصبح تحدياً إذا غابت السياسات المنظمة والضوابط التي تحكم آلية تطبيقه».
وأكد أن «الذكاء الاصطناعي قادر على رفع مستوى التحصيل لدى الطلاب أصحاب الهمم من خلال أدوات تدعم الانتباه والتركيز والتواصل، مثل النظارات الذكية المزوّدة بشاشات رقمية، التي لم تطرح في الأسواق بعد، وتعمل على تظليل الكلمات أثناء القراءة، ما يساعد الطالب على متابعة النصّ بتركيز أكبر وتحسين قدراته البصرية واللغوية في الوقت ذاته».
وقال إن «الذكاء الاصطناعي لم يُوجَد ليكون بديلاً عن المعلم أو الأخصائي، بل جاء ليكون أداة داعمة ومساندة، تسهّل عملية التعلم وتمنح الطلاب فرصاً متساوية للوصول إلى المعرفة».
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يسهم في إعداد الخطط التربوية الفردية خلال ثوانٍ، وهي مهام كانت تستغرق ساعات طويلة من المعلم أو الأخصائي، كما يمكن لهذه الأدوات أن تحدد مستوى أداء الطالب بدقة، وتقترح الأهداف قصيرة وطويلة المدى وفقاً للبيانات المتوافرة عنه، مع توفير توصيات تعليمية وسلوكية تتناسب مع قدراته.
وأوضح أن التقنيات تتيح أيضاً دمج العمل بين مختلف التخصصات ضمن فريق واحد، مثل أخصائيي النطق واللغة والعلاج الطبيعي والتربية الخاصة، حيث تسهّل الربط بين هذه التخصصات وتوفّر خطة تعليمية متكاملة تراعي الجوانب الأكاديمية والحركية والسلوكية.
وأكد فتيحة أن دور أولياء الأمور أساسي في نجاح التعليم الدامج، وأن الذكاء الاصطناعي يساعد على دمجهم بفاعلية أكبر ضمن خطة الدعم التربوي، مشيراً إلى أن الأنظمة الذكية يمكنها تزويد ولي الأمر بتقارير محدثة عن مستوى الطالب والخدمات المقدمة له، إلى جانب إرشادات تساعده على تطبيق الأهداف التعليمية في المنزل.
وقال: «الذكاء الاصطناعي لا يخدم المعلم فقط، بل يصنع جسور تواصل بين المدرسة والأسرة، ويحوّل ولي الأمر إلى شريك فعلي في مسار تقدم الطفل».
وأشار إلى أن من أهم خصائص الذكاء الاصطناعي في التعليم أنه يتيح تصميم تجربة تعلم فردية تتلاءم مع قدرات كل طالب.
وشرح أنه عند إعداد المهام أو الأهداف التعليمية، يمكن للمعلم إدخال نصّ توجيهي، يعكس مستوى الطالب، لإنتاج أنشطة وأهداف مخصصة تتماشى مع احتياجات الطالب بدقة.
وأضاف أن الأدوات التكنولوجية التقليدية تقدّم محتوى عاماً لجميع الطلاب، بينما يمتاز الذكاء الاصطناعي بقدرته على تخصيص التجربة التعليمية بشكل فردي، ما يجعل عملية التعلم أكثر تفاعلاً وفعالية، ويعزّز فرص التطور الأكاديمي لدى الطلبة، خصوصاً أصحاب الهمم.
وأوضح فتيحة أن جامعة أبوظبي أجرت دراسة حديثة حول واقع تطبيق الذكاء الاصطناعي في مدارس التربية الخاصة ومراكز الدمج، أظهرت عدداً من التحديات الرئيسة، أبرزها نقص التدريب المهني للكوادر التعليمية، إذ يتوافر حالياً العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي، منها ما هو مجاني ومنها ما هو مدفوع، إلا أن استخدامها بشكل صحيح يتطلب تدريباً متخصصاً لفهم آلياتها ومجالات تطبيقها التربوي.
كما أظهرت النتائج أن من أبرز التحديات هي خصوصية البيانات، مشدداً على ضرورة وضع معايير واضحة تحدد آلية التعامل مع معلومات الطلبة، والحدود المسموح بها لمشاركتها مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، حفاظاً على السرية التامة.
وأشار إلى أن هناك تحدياً مالياً يتمثل في ارتفاع كلفة بعض الأدوات المتقدمة، ما قد يُشكّل عبئاً على مراكز التربية الخاصة غير الربحية، داعياً إلى تشجيع التعاون بين الجامعات والمراكز التعليمية لتقليل الكلفة وتبادل المعرفة التقنية.
وحول المخاوف المنتشرة من أن تحل التقنيات الذكية محل الأخصائيين والمعلمين في المستقبل، أكد أن الذكاء الاصطناعي لن يستبدل بالأخصائيين، بل سيستبدل بمن لا يمتلك مهارات استخدامه.
وأوضح أن العالم يتجه نحو توظيف الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة للإنسان، لا بديلاً عنه، وأن من يتقن التعامل معه سيكون الأكثر قدرة على الابتكار والتميز في المجال التعليمي.
كما تحدث عن أساسيات نجاح تطبيق الذكاء الاصطناعي في التعليم، التي أكد أنها تبدأ بالتدريب المستمر للكوادر التعليمية، موضحاً أن معظم التحديات التي رصدتها الدراسات الحديثة كانت نتيجة نقص التدريب والتأهيل.
وأضاف أن مدارس الدولة تُلزم المعلمين بعدد محدد من الساعات التدريبية سنوياً، ومن الضروري توجيه هذه الساعات نحو مجالات الذكاء الاصطناعي، مشيراً إلى استعداد جامعة أبوظبي للتعاون مع المدارس ومراكز التربية الخاصة لتقديم البرامج التدريبية اللازمة.
كما لفت إلى أهمية المؤتمرات وورش العمل في بناء الوعي المهني، مستشهداً بالمؤتمر الدولي للتعليم: تطوير التدريس من خلال الذكاء الاصطناعي الذي نظمته الجامعة أخيراً، وشهد حضوراً كبيراً من المعلمين وأعضاء هيئة التدريس وأخصائيي التربية الخاصة، وقال إن هذه الفعاليات تتيح تبادل الخبرات وتساعد على إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن برامج التطوير المهني في المؤسسات التعليمية.
وأشاد فتيحة بمبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بإدراج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية من مرحلة الروضة حتى الصف الـ12، معتبراً أن هذه الخطوة رائدة واستراتيجية، إذ تضمن إعداد جيل متمكن من أدوات المستقبل.
وقال: «نحن نعيش في عصر سريع التطوّر، ومن الضروري أن يمتلك الطالب المعارف الكافية في هذا المجال الحيوي قبل دخول الجامعة»، موضحاً أن إدراج الذكاء الاصطناعي في المناهج سيسهم في تطوير قدرات الطلبة والمعلمين معاً، ويُشكل دافعاً للمعلم ليطور نفسه باستمرار حين يرى أن طلابه باتوا أكثر إلماماً بهذه التقنيات.
وبيّن أن مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم الدامج واسعة ومتعددة، إذ تشمل البرامج التعليمية، والعمليات الإدارية، وتطوير الخطط التربوية الفردية، إضافة إلى دعم مجالات النطق واللغة والعلاج الوظيفي والحركي، والتحليل السلوكي التطبيقي.
وأوضح أن بعض الأدوات يمكنها تحديد مستوى الطالب بدقة، وتوليد أهداف قصيرة وطويلة المدى، بل حتى اقتراح الاستراتيجيات التعليمية المناسبة له، كما تساعد هذه التقنيات على رصد درجات الطلاب والتنبؤ بنتائجهم المستقبلية انطلاقاً من تقييمات وامتحانات أولية، ما يتيح للمعلم تعديل الخطة التربوية وأساليب التدريس والأدوات المستخدمة في الوقت المناسب لتحقيق أفضل النتائج.
كما شدّد على أهمية وضع سياسات وضوابط دقيقة لاستخدام الذكاء الاصطناعي داخل المؤسسات التعليمية، مؤكداً أن لكل مدرسة أو مركز تربية خاص مسؤولية في تحديد ما هو المسموح والممنوع عند التعامل مع هذه الأدوات، لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لها.
وأضاف أن التكامل بين الجامعات والمدارس ومراكز التربية الخاصة هو الطريق الأمثل لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه التقنيات، وتمكين أصحاب الهمم من الوصول إلى تعليم عادل وشامل يعزّز قدراتهم ويتيح لهم فرصاً متكافئة للنجاح.
• الذكاء الاصطناعي يسهم في إعداد الخطط التربوية الفردية خلال ثوانٍ، وهي مهام كانت تستغرق ساعات طويلة.
• الذكاء الاصطناعي يصنع جسوراً بين المدرسة والأسرة، لتكونا شريكتين فعلياً في مسار تقدم الطفل التعليمي.
المصدر: الإمارات اليوم
