الثورة الصناعية الخامسة
ما إن بدأ العالم يفهم ماهية الثورة الصناعية الرابعة، وما تبعها من اندفاع محموم نحو الأتمتة والاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، وبدا أن الموضوع بمنزلة صراع بين الإنسان والآلة، حتى اكتشف رواد التقنية والتقدم الصناعي في العالم الغربي، أن المركب لن يسير بهذا الشكل، وأن الذكاء الاصطناعي والآلة يجب ألّا يتحكما في حياة البشر، وأن قائد الدفة يجب أن يظل الإنسان، ومن هنا يبدو أن اللعبة تتم بإعادة ترتيب أوراقها من جديد، حيث بدأ يعلو صوت الثورة الصناعية الخامسة (Industry 5.0)، حيث كانت جزءاً من مؤتمرين حضرتهما أخيراً في صربيا ولندن، وهناك إجماع وتقبل لتلك الثورة، لكننا لانزال بحاجة لمزيد من الفهم والوعي ومحاولة «هضم» تلك الجرعات المتسارعة والمتلاحقة، فما الثورة الصناعية الخامسة؟ وما فوائدها؟
تتلخص تلك الثورة في خلق تناغم وتعاون وتنظيم للعمل والتشريعات والأنظمة كافة بين البشر والآلة، بحيث يظل هناك رافد للابتكار والتقدم، وفي الوقت
نفسه يحافظ الإنسان على «إنسانيته»، ويراعي «أنسنة» بيئة العمل والمدن والخدمات، وقد كتبت سابقاً عن أنسنة المدن، حيث يمكن للبشر التركيز على المهام ذات المستوى الأعلى، والتي تتطلب الإبداع واتخاذ القرارات المعقدة والذكاء العاطفي، فيما تقوم الآلة (التكنولوجيا) بالمهام التي من شأنها رفع جودة الحياة والتسهيل على البشر، ومن صور ذلك التعاون، الروبوتات التعاونية أو Cobots والتي تعمل جنباً إلى جنب مع البشر، ويرتكز عملها على المهام المتكررة أو التي تتطلب مجهوداً عضلياً، فيما يقوم الإنسان بمهام اتخاذ القرارات والابتكار، وبالتالي تتضمن مبادئ تلك الثورة الاستثمار في البشر وتدريبهم تدريباً فعالاً، وصقل مهاراتهم وإكسابهم مهارات جديدة، ليتمكنوا من العمل في تلك البيئة التنافسية الجديدة.
من فوائد الثورة الخامسة زيادة الإنتاجية، حيث تركز التكنولوجيا على تقليل الأخطاء، وزيادة السعة الإنتاجية، فيما يركز الإنسان على الجانب المتعلق بالذكاء العاطفي والتميز في المجال الخدمي بصفة خاصة، حيث لا يمكن الاستغناء عن البشر في مجال الخدمات وتجربة العملاء، فلايزال وسيظل الإبداع البشري لا مثيل له. ومن أهم الفوائد أيضاً تحسين الاستدامة، فمن خلال تحسين العمليات وتقليل النفايات، وتنفيذ حلول موفرة للطاقة، يمكن للشركات تقليل البصمة البيئية، كما يتيح دمج الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات اتخاذ قرارات أكثر ذكاءً، ما يؤدي إلى الحفاظ على الموارد والممارسات المستدامة.
وفقاً للاتحاد الأوروبي، فإن الثورة الصناعية الخامسة تقدم رؤية للصناعة تهدف إلى ما هو أبعد من الكفاءة والإنتاجية، وهو تعزيز دور وإسهام الصناعة في المجتمع، ووضع رفاهية العامل (الموظف) في قلب عملية الإنتاج، واستخدام تقنيات جديدة لتوفير الازدهار بما يضمن النمو للأعمال، وفي الوقت
نفسه احترام حدود الإنتاج على كوكب الأرض، حيث تتم مراعاة القضايا الاجتماعية والبيئية، مثل قضايا الطاقة والتغير المناخي والحياد الصفري، بعبارة أخرى، فإن تلك الثورة الصناعية تعكس في جوهرها تحولاً من التركيز على القيمة الاقتصادية المادية إلى التركيز على القيمة المجتمعية والإنسانية والقيمية، والتحول إلى رفاهية الإنسان وصحته النفسية، فهل تنجح تلك الثورة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟
@Alaa_Garad
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
المصدر: الإمارات اليوم