9 وفيات بالكلَب في تونس.. ما الحل؟ وكيف يمكن التعامل مع الكلاب السائبة؟
تحذير: يحتوي التقرير على تفاصيل قد تكون مزعجة للبعض.
كان مهيب الكناني، البالغ من العمر 19 عاما، تاسع شخص يموت بداء الكلب في تونس منذ بداية هذا العام. وهذا أكبر عدد للوفيات بهذا الداء يسجل منذ عام 1992.
توفي مهيب منتصف شهر أغسطس/آب متأثرا بخدش قطة مصابة بداء الكلب (السعار) قبل خمسة أشهر.
وصفت الحكومة التونسية الوضع الوبائي لداء الكلب في تونس بالـ”خطير” وكثفت تحركاتها لمجابهته.
ولضمان حل طويل المدى، أقر اجتماع وزاري مخصص لمناقشة سبل “التصدي لداء الكلب” وضع إطار قانوني لتنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب التي تشكل مصدر الداء.
تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
قصص مقترحة نهاية
وكان 51 نائبا في البرلمان التونسي قد تبنوا مقترح قانون متعلق بحماية الحيوان قدم إلى اللجان الخاصة في البرلمان بداية هذا الشهر قبل عرضه في جلسة خاصة.
أعداد هائلة من الكلاب السائبة
تمثل الكلاب السائبة المعضلة الأكبر في أزمة انتشار الكلب، إذ لا يمكن مراقبتها ومعرفة من منها مصاب أو سليم.
تخطى يستحق الانتباه وواصل القراءة
يستحق الانتباه
شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك
الحلقات
يستحق الانتباه نهاية
“لا تملك السلطات التونسية حصرا لأعداد الكلاب، سائبة أو مملوكة، لكن التقديرات تشير إلى أن عددها يتجاوز المليون”، حسب ما قالت منسقة البرنامج الوطني لمكافحة داء الكلب، د. كوثر حرابش، في لقاء مع الإذاعة الحكومية في تونس.
لكن اعتاد التونسيون في السنوات الأخيرة على رؤية مجموعات كبيرة من الكلاب السائبة خاصة في المزابل.. كلاب تبحث عن شيء تأكله بعد أن تخلى عنها أصحابها أو جِراء ولدت في الشوارع وعليها أن تعتمد على نفسها.
ومع انتشار أنباء عن ضحايا داء الكلب هذا العام، سارعت بلديات للإعلان عن انطلاقها في حملات ليلية لقتل الكلاب السائبة قنصا. وعادت صور الكلاب الغارقة في دمها على عتبات الشوارع إلى مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن غابت زمنا بفضل التحركات المعارضة لقتل الكلاب السائبة في السنة الماضية.
“لو كان قنص الكلاب حلا لما كنا وصلنا إلى هذه المرحلة، والحال أن السلطات تشن حملات القنص منذ سنوات” تقول سيرين بن سعد وهي ناشطة متطوعة في حماية الحيوانات وإنقاذها.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن “إعدام الكلاب السائبة والجوالة في الشوارع لا يعد وسيلة فعالة لمكافحة داء الكلب”. وتؤكد أن “تلقيح الكلاب، هي الاستراتيجية الأعلى مردودية لوقاية الأشخاص من الإصابة بالداء”.
أشارت الدكتورة حرابش في تصريحاتها إلى عدم وجود خطة رسمية لتطعيم الكلاب السائبة حاليا.
ومع رفض شريحة واسعة من المجتمع قنص الكلاب السائبة يبقى السؤال المطروح هو كيف يمكن القضاء على الخطر الذي تمثله هذه الفئة من الكلاب؟
قالت الطبيبة البيطرية صبرا شرقي لبي بي سي إن “تلقيح 70 في المئة من الكلاب سنويا بالإضافة إلى التعقيم قد يؤدي إلى القضاء على الكلب في غضون أربع أو خمس سنوات”.
“قد يكون القتل الرحيم الحل الوحيد لتقليل العدد المهول للكلاب السائبة ولا سيما في هذا الوضع الذي وصلنا إليه وطبيعة هذه الكلاب التي قد يستحيل في أحيان كثيرة الإمساك بها. كما أننا لا نفتقر إلى الإمكانيات التي تسمح بتلقيح الكلاب عن بعد مثل الحيوانات البرية” تقول الدكتورة شرقي التي تعارض قنص الكلاب بشكل قاطع.
وينص الفصل 87 من مقترح قانون حماية الحيوان المقدم من مجموعة من النواب في البرلمان على منع البلديات أو أي جهات أخرى من قنص الكلاب السائبة، إلا إذا كان بصدد تهديد السلامة الجسدية للأشخاص.
بينما ينص الفصل 88 على تولي البلديات إنشاء مراكز للإيواء والتعقيم والتلقيح للكلاب السائبة. ويشير إلى إمكانية التعاون مع المؤسسات الخاصة والجمعيات التطوعية في هذا الأمر.
“الكلاب السائبة ليست السبب الوحيد في انتشار داء الكلب”
بلقيس براهمي “أم لكلب وقط”، هكذا تصف علاقتها بهما، تحدثت لبي بي سي قائلة: “أستغني عن شراء حاجيات خاصة مقابل توفير ثمن لقاحهما في بعض الأحيان”.
لكن الكثير من أصحاب الكلاب في تونس لا يتعاملون مع مسؤولية تربية حيواناتهم بالجدية نفسها.
وحسب تصريح د. كوثر حرابش للإذاعة الرسمية “يتم تطعيم نحو 420 ألف كلب مملوك سنويا”. لكن هذا العدد لا يمثل جميع الكلاب المملوكة في تونس.
“الكثير من التونسيين يربون حيوانات أليفة، يشترونها في الغالب لكن لا يهتمون بتطعيمها ولا يريدون أن ينفقوا مالاً عليها.. هؤلاء متواطؤون وجزء من أسباب الأزمة” تقول سيرين لبي بي سي.
ويقترح مشروع قانون حماية الحيوان المقدم للبرلمان وجوب تلقيح الكلاب المملوكة ضد الكلَب وفرض عقوبة سجنية ومالية على كل من يتقاعس عن ذلك.
وجه آخر للأزمة هو التخلي عن الحيوانات الأليفة ورميها في الشارع، ما يزيد من أعداد الكلاب والقطط السائبة.
“إهمال الكلاب المملوكة سبب رئيسي في انتشار الكلب” كما قال النائب في البرلمان شكري البحري، أحد الموقعين على مقترح قانون حماية الحيوان، لبي بي سي.
لذا ينص مقترح القانون على فرض عقوبة مالية على كل صاحب حيوان يتخلى عنه “إلا في وجود ظرف استثنائي وبشرط إيداعه في مركز مختص”.
وقالت أمينة الطريقي المتطوعة في جمعية حماية الحيوانات بتونس لبي بي سي إن “نسبة المقبلين على تبني كلاب وقطط من الجمعية تراجعت بشكل كبير إلى درجة الانعدام، بينما زاد عدد الحيوانات المتخلى عنها بعد انتشار الذعر من داء الكلب في الفترة الأخيرة”.
“تقصير السلطات قادنا إلى الأزمة الحالية”
حمّل عدد ممن تحدثنا إليهم بينهم النائب شكري البحري مسؤولية الأزمة الحالية للسلطات.
“عدم معاقبة السلطات لمن يهمل تطعيم الكلاب أو يتخلى عنها هو ما أوصلنا إلى هذا الوضع” تقول سيرين بن سعد.
وتوفر السلطات في تونس تطعيمات مجانية للكلاب والقطط سنويا ضمن برنامجها لمكافحة الكلب.
وفي إطار جهود احتواء الأزمة الحالية، كثفت السلطات حملات التوعية بداء الكلب وضرورة تطعيم الكلاب والقطط. وفتحت وزارة الفلاحة مراكز إضافية للتطعيم. وكانت الوزارة قد قالت إنها “توفر 190 مركز تلقيح قار مجاني على مدار السنة”.
لكن الأمر لا يبدو بهذه الدقة والفعالية على أرض الواقع.
ريم بن حسين من مدينة سيدي بوزيد وسط البلاد، محبة للحيوانات تربي كلابا وقططا وتطعم قطط الحي أيضا ولم يغير الخوف المنتشر من عادتها هذه.
“كانت هناك في السابق حملات تلقيح مكثفة للكلاب في الأحياء، لكنها توقفت منذ سنوات كما أن مراكز التطعيم مغلقة في الغالب”.
“مؤسف أن يكون قتل الحيوان بالرصاص بهذه السهولة بينما يصعب تطعيمه” تقول ريم.
في سيدي ثابت في العاصمة تونس، قالت أمينة الطريقي المتطوعة في جمعية حماية الحيوانات لبي بي سي: “في أحيان كثيرة لا يمكن الاتصال بالمراكز المحددة لتطعيم الحيوانات، وبعضها موجود فقط على القوائم؛ تتجه نحو الموقع لتكتشف أنه لا وجود لمركز تطعيم من الأساس”.
في مناطق مثل سمامة الجبلية وسط غرب البلاد حيث تعتبر الكلاب ضرورة حياتية لحماية البيوت والقطعان، يحتاج السكان بالتأكيد لتدخل من الدولة.
“الكلاب في منطقتنا تربت بطريقة تجعل الإمساك بها شبه مستحيل حتى من أصحابها، لذلك ليس من الممكن أن يأخذ السكان هذه الكلاب لمراكز التلقيح بأنفسهم” يقول عدنان الهلالي أصيل سفوح جبل سمامة لبي بي سي.
“منطقتنا منطقة عسكرية، وقد سحبت السلطات كل البنادق التي كانت حماية للسكان فلم يبق لنا غير الكلاب.. إذا ماتت الكلاب بتنا عراة بلا حماية” يقول عدنان.
جار عدنان، علي عجرود الذي مازالت والدته وأخته تواظبان على التطعيم الوقائي بعد أن عضهما كلب قبل أسابيع، يقول لبي بي سي:
“في السابق كانت السلطات تأتي سنويا لتلقيح الكلاب في المنطقة، لكنها انقطعت منذ أكثر من عشر سنوات”.
راسلت بي بي سي وزارة الفلاحة في تونس طلبا للتعليق على هذه الاتهامات بالتقصير، لكننا لم نتلقّ رداً حتى الآن.
عض الكلب وردة وابنتها صالحة. أتى من دوّار مجاور، لا يعرفه أهل وردة في منطقة سمامة.
“عاد الكلب مساء لنفس المكان فقتلناه بالعصي والأحجار” قال على عجرود ابن وردة، لبي بي سي..
“منذ عض الكلب أمي وأختي، عم الخوف القرية وهناك من قتل وسمم كلاب جيرانه” يقول علي.
المصدر: صحيفة الراكوبة