(7) الأسباب الموضوعية للتشكيك في القيادة الحالية
الشك لا ينبع من فراغ ، إنما له دواعي وأسباب ، تبدأ بذور الشك في النمو حينما تكون هناك علامات مبهمة وغامضة أشبه بسحب كثيفة تحجب الرؤية وتفقدك الثقة فيما هو أمامك ، قضايا مهمة تثار يتم تجاهلها دون مسوغات مقبولة ، أسئلة عالقة بلا إجابات صريحة أو ردود مقنعة ، أخطاء لا حصر لها من أعضاء قياديين تقع تحت بصر وسمع العالم كله يتم تجاوزها ببرود عجيب ، كل ذلك يولد الشك … وكما يقول المثل الدارج “ما في دخان بدون نار”.
هناك العديد من الأسئلة العالقة والأمور المبهمة التي تدور بأذهان الشيوعيين والديمقراطيين وأصدقاء الحزب ، حتى بين عامة الناس تتجاهل القيادة الحالية إي إشارة لها ، والقضايا المبهمة كثيرة ومتعددة على رأسها قرارات الفصل العشوائية ومخالفة العرف الحزبي في عدم الامتثال لقرارات وتوصيات لجان التحقيق ، والتغاضي والتعامل بإهمال في بلاغات مفصلية تتعلق بمستقبل الحزب ، وبعض ما يرشح في الوسائط المختلفة من سلوكيات دخيلة شكلاً ومضموناً على قيم وأخلاق الحزب ، توقف صدور المجلات والنشرات الداخلية لأكثر من ثلاث سنوات مع العديد من المواد والمقالات التي تحمل الرأي الآخر المناوئ لسياسة وخط الحزب الراهن. كل ذلك يوسع دائرة الشك في القيادة الحالية.
مواضيع شتى ، وأخطاء لا حصر لها والعديد من الأسئلة المؤرقة ظلت بلا إجابات ، كلها تدور حول المجموعة التي تشكل مراكز قوى في قيادة الحزب. وهي مجموعة محدودة الإمكانات والقدرات وتفتقر لأبسط مقومات القيادة. لست بصدد فتح صندوق باندورا ، لكني سأتناول ما يتعلق بأهم طرفين في هذه المجموعة وهما السكرتير السياسي الأستاذ محمد مختار الخطيب ، والناطق الرسمي وعضو المكتب السياسي ورئيس مجلس إدارة صحيفة الميدان الأستاذ فتحي محمد الفضل.
في البدء أحب أن أؤكد بأن ليس لي أي علاقة بأي منهما ، ولم يسبق لي أي تعامل أو لقاء أو أي عمل جمعني معهما وليس هناك أي مسائل أو خلاف شخصي بيني وبينهما ، بل أكتب عن مشاهدات وممارسات تمت في العلن وشاهدها واطلع عليها الجميع ، رصدتها من خلال معايشتي ومراقبتي لما يرشح بحكم وضعهما الحساس والمهم جداً في الحزب.
السكرتير السياسي ، وبعد مرور أكثر من عشرة سنوات على توليه المنصب ، فإنه لم يستطع إقناع أي شيوعي أو ديمقراطي ، أو حتى أي متابع بانه الشخص المناسب في المكان المناسب! هو شيوعي ملتزم لا أحد يشك في ذلك ، لكن هل هو الأجدر بالمنصب ، والأقدر على ملأ الفراغ الذي تركه محمد إبراهيم نقد؟! مع كامل احترامي له، لا أعتقد ذلك ، وأقولها بكل وضوح أنه لا يمتلك أي من سمات القيادة التي تجعل منه الشخص الملهم الذي يحتذى به ، أو الشخص القادر على إيصال خط الحزب وبرنامجه إلى الجماهير. لذا أطالب بما طالب به المرحوم عبدالماجد بوب بنشر حيثيات ترشيحه لتولي مهام السكرتير السياسي ، والمهام التي كان مكلف بها وإسهاماته التي أهلته للترشح لقيادة الحزب ، خاصة في وجود زملاء وقيادات تاريخية معروفة لكافة جمهور الحزب ، مثل المهندس صديق يوسف والأستاذ يوسف حسين رحمه الله ود. الشفيع خضر.
بخصوص الناطق الرسمي الأستاذ فتحي الفضل ، فهناك الكثير المثير من الأحداث والألغاز المبهمة التي تدور حوله، سنتطرق هنا لحادثة وحيدة ، جرت في العلن شهدها القاصي والداني وهي لوحدها تكفي وتثبت أنه ليس جديرا بتولي أي مسئولية حزبية قيادية في أصغر خلية حزبية ، دعك من أن يكون الناطق الرسمي باسم الحزب ورئيس مجلس صحيفة الميدان الناطقة باسمه ، ومصداقيته من مصداقية الحزب. في 28 أغسطس 2018م نشرت صحيفة المدان مقال بعنوان (الولايات المتحدة هي العدو) ، بقلم الأستاذ فتحي فضل الناطق الرسمي للحزب الشيوعي ورئيس مجلس إدارة صحيفة الميدان.
وأنا أنقل من صفحة الدكتور حسن الجزولي على الفيس بوك ما كتبه تعقيباً على توضيح الأستاذ فتحي فضل بعد أن انكشف المستور (الذي حدث هو أن فتحي نقل مقالاً مطولاً عنوانه (ليس بالعصا ،، وإنما اليد التي تقبض عليها) للكاتب الفلسطيني (عصام مخول) والنائب بالكنيست الإسرائيلي دون الإشارة لمصدر المقال، لا في المتن أو في الحاشية ، حيث أتى وكأن المكتوب منسوب له ، مما يحمل في تقاليد الكتابة والعمل الصحفي المهني ، شبهة غير مستحبة بتاتاً ، فما هو منشور ليس سطراً أو خمسة أسطر (كاقتباس) معلوم ومفهوم ، إنما قام فتحي بإدراج كامل المقال تقريباً تحت اسمه، ما يشي بتعدي غير مقبول لقضايا الملكية الفكرية!. وهي قضايا تشغل بالنا كصحفيين وكتاب ويتفق معنا ولابد الصديق فتحي.
عليه فإن التوضيح المنشور للأستاذ فتحي فضل لا يشير من قريب أو بعيد للمقال المقصود أو عنوانه ، أو حتى لاسم صاحب المقال ، والمبادرة بالاعتذار المباشر والواجب والواضح له، بل عمد إلى تبرير غير مقبول ولا في موضعه بخصوص علاقاته بالأستاذ نعيم الأشهب ـ مع احترامنا لهذه العلاقة، مبيناً أنه قد استأذنه سلفاً فيما يتعلق بما تم ، وفي واقع الحال فإن تقاليد الكتابة لا تتطلب طلب إذن من صاحب مقال أو كتاب للنقل أو الاقتباس ، طالما أن الحرص سيتوفر في الإشارة لمصدر المعلومة المنقولة من هذا الكاتب أو ذاك. علماً أن لا علاقة للأشهب الذي أشار إليه فتحي بالموضوع لا من قريب أو بعيد ، حيث ترك فتحي مهام الاعتذار في التوضيح وأفرد حيزاً كبيراً للتحدث عن الأشهب!.
والشاهد أن الأشهب قد أوكل الكاتب الفلسطيني عصام مخول لكي يتكفل بتقديم كتابه المعنون (إرهاب العولمة وعولمة الإرهاب” وقد أكد مخول ذلك بنفسه قائلاً بأن (الرفيق والكاتب والمناضل العريق نعيم الأشهب الذي شرفني بتقديم كتابه القيم هذا) وقد أعاد عصام مخول نشر التقديم كمقال في موقع الحوار المتمدن في 26 أغسطس عام 2016م ، مشيراً هو نفسه لمصدر المقال باعتباره (مقدمة كتاب الرفيق نعيم الأشهب) ،، أي مقدمته هو نفسه! ، وهذا هو التقليد الأكاديمي والعلمي الصحيح والمتعارف عليه في مثل هذا النوع من الكتابات المتعلقة بالاقتباسات والحواشي والمتون!.
للأسف فقد حجب تبرير فتحي اعتذاره ـ إن كان هناك ثمة اعتذار ـ وفي الواقع أفسد التبرير سعي الأستاذ فتحي للاعتذار وغطى عليه كأنه لم يكن ، وكان الواجب أن يأتي التوضيح مفيداً في معاني الاعتذار المبين ليشمل فيما يشمل الاعتذار لصاحب المقال الوارد فيما نشره فتحي وهو ما لم يحدث ، أو يوفق فيه فتحي للأسف الشديد!.)) .
انتهى النقل … وأكرر الأسف الشديد ، يا د. حسن الجزولي ، ليس فقط على أن الناطق الرسمي باسم الحزب ، نقل مقال ومهره باسمه … والأسف الشديد ليس فقط على عدم تقديم الناطق الرسمي نقد ذاتي أو قبول النقد المهذب الذي دونته في صفحتك بعد أن رفضت الميدان نشره … الأسف الأشد على سكوت سكرتارية اللجنة المركزية والمكتب السياسي على مثل هذا الفعل ، إلا إن كانوا شركاء متواطئين معه فيما هو أكبر من مجرد عدم احترام الملكية الفكرية واختلاس مقال.
إن إثارتي موضوع اختيار السكرتير السياسي أو الناطق الرسمي ليس بغرض التشكيك ، فالشك كان سابقاً لما كتبت ، وهو الدافع لأن أكتب ، ولكن هدفي استجلاء الحقيقة ، وبث الثقة والطمأنينة. فالعلاقة بين الحزب والجماهير مبنية على الثقة. فحتى المختلفون معه يحترمونه لأن سيرته ومسيرته ، ومهما اشتدت عليه الخضوب ، قبل صعود هذه القيادة، كانت ناصعة صافية لا تشوبها شائبة كالماء الزلال لم يعرف عنه الكذب أو التدليس أو التآمر. والعلاقة بين القيادة والقاعدة ، تقوم على الثقة المتبادلة ، ونكران الذات. الثقة المطلقة للقاعدة في القيادة تجعل عضو الحزب دائما على أهبة الاستعداد للموت ، لو اقتضى الأمر ، في حماية قيادته. وقد أثبتت العديد من التجارب ذلك. وما استشهاد الدكتور علي فضل إلا نموذج لذلك الشرف ، حيث كان يمكنه أن يشتري حياته مقابل الكشف عن قيادته. وهذا ديدن كلّْ الأعضاء ، كما أطلعنا على الموقف البطولي للمناضل حاتم قطان حينما كلفه الحزب في أكتوبر 1990م والإنقاذ في قمة جبروتها وعنفها بأن يخاطر بحياته ويهرب الأستاذ التجاني الطيب بابكر بالجمال عبر صحراء العتمور إلى مصر والعودة إلى السودان وَحْدَهُ لم يتردد أو يطلب مهلة للتفكير حمل دمه على كفه ، وكفنه على كتفه ، وتصدى للمهمة ، هذا لإيمانه المطلق وثقته في قيادة الحزب ، ولو اهتزت تلك الثقة ينهد البنيان من أساسه.
لذا يجب على القيادة أن تفتح صدرها وتخرج للضوء ، وتميط اللثام عن كل الخفايا الغامضة وتجيب على الأسئلة المؤرقة للعضوية والعامة لإزالة الشك. وأنا حينما أتناول القيادة بالتأكيد لا أقصد كل القيادة إنما استهدف مركز القوى واللوبي المسيطر على مقاليدها وهم فئة قليلة ، لا تتعدى عدد أصابع اليدين ، متكتلة ومتواطئة مع بعضها في إخفاء الحقائق ، خاصة وأن هناك شهادات لأعضاء شيوعيين معروفين تؤكد بأن أحدهم قد تم فصله من فرع الحزب الذي كان ينتسب له في إحدى عواصم شرق أوروبا ، وفوجئ أعضاء ذلك الفرع بترشحه للجنة المركزية والمكتب السياسي وأصبح يمثل إحدى واجهات الحزب. وأيضاً بأن هناك بلاغ من مجموعة الأطباء المفصولين حول تكتل مجموعة من أعضاء القيادة الحالية قبل المؤتمر السادس (اللوبي أو مركز القوة) وأن ذلك البلاغ لم يتم التعامل معه بالصورة المطلوبة إلا بفصل الأطباء كما تم تجاهل بلاغ فرع الحزب الذي كان قد سبق أن أبلغ عن القيادي المتمرد الذي قاموا بفصله قبل قيام المؤتمر السادس! .
حينما تثار تلك القضايا الحيوية في وجه القيادة الحالية ، تتهرب من المسئولية وتلقيها على عاتق المؤتمر العام. حينما يعجز المنطق العقلاني للرد عليها، تلجأ القيادة إلى الإجابة المعلبة الجاهزة بأنها قرارات مؤتمر. الادعاء أنها قرارات مؤتمر ، لا تعدو من أن تكون كلمة حق يراد بها باطل! . المؤتمر والانتخابات التي أتت بهم كانا أشبه “بدفن الليل أب كراعاً بره”. القرارات صدرت دون مسوغات مقنعة وحجج دامغة. والاستناد عليها دون أسباب مقنعة أشبه بتبريرات الأصوليين والسلفيين عندما يفتقدون للمنطق والحجة في تمرير أجندتهم وخططهم الشيطانية يلجؤون إلى النصوص المقدسة والتنقيب في التراث بحثاً عن إجابات محاطة بقدسية زائفة لا تقبل الجدل ، وذلك لإسكات خصومهم الفكريين بعد أن أعجزهم الفكر والعقل والمنطق عن الدفاع عن صحة أفعالهم وتوجهاتهم.
هناك الكثير من الحيثيات السكوت عنها يعد جريمة لا تغتفر ، والتاريخ يدون. كثير من الممارسات لا يمكن معالجتها (بالطبطبة أو الغطغطة) ، بل بتسليط الضوء عليها ونقدها نقداً صارماً ، حتى يستعيد الحزب عافيته وثقة الجماهير فيه ، تلك الثقة التي اهتزت نتيجة السكوت على مثل تلك الممارسات. ما أوردته في هذا الفصل كان على سبيل المثال لا الحصر ، وهو غيض من فيض وما خفي كان أعظم.
وللحديث بقية …
في الأحد المقبل (8) مخترق أم مختطف؟ السؤال المؤرق!
المصدر: صحيفة الراكوبة