اخبار السودان

ﺣَﻦَّ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩُ .. مدحة نبوية استثنائية

محمد كبسور

 

“ﺣَﻦَّ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩُ” عمل فني غنائي سوداني، يندرج تحت قائمة المدائح النبوية والتي لطالما تطبعت بالمشاعر الدينية والروحانية الصوفية.

 

وارتبط فن المديح في السودان بخصائص غنائية ذات طابع معين من حيث موضوع الكلمات والألحان وأسلوب الأداء.

 

وعلي الرغم من إلتزامه بالموضوعات التقليدية للمدائح النبوية، إلا أن عمل “ﺣَﻦَّ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩُ” له عوالمه الخاصة.

 

و تبرز الشخصية القوية للعمل من خلال القصيدة الرفيعة التي كتب كلماتها الشاعر الطبيب طلال دفع الله، وأيضاً من خلال اللحن المؤثر الجميل الذي نسَجَه وغنّاه الراحل الفنان د. مصطفي الشريف.

 

اختارت قصيدة “ﺣَﻦَّ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩُ” المفردة الفصيحة كأداة للتعبير والتواصل في مخالفة صريحة لأغلب المُنتَج الذي اشتهر به الشاعر طلال دفع الله، وفي مخالفة كذلك لجُل المديح النبوي السوداني والذي ارتهن عبر تاريخه الطويل للعامية المرتبطة بالجماعات الصوفية المنتشرة في السودان والمتأثرة أدبياً وفنياً بأغنيات الحقيبة.

 

نسج طلال ومن خلال قصيدته صوراً بديعة ومؤثرة تحكي شوقه لرؤية الرسول صلي الله عليه وسلم، وتُعَدِّد جلياً صفاته ومناقبه، وتشرح اللهفة لزيارة الأماكن التي ارتبطت به.

 

ﺣَﻦَّ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺒﻴﺐِ ﺍﻟﻤﺼﻄﻔﻰ

ﺟَﻤﺮٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻮﻕِ ﺑﺼﺤﻦ ﻣَﻮﺍﻗِﺪﻱ،

ﻧﻮﺭٌ ﻋﻠﻰ ﻧﻮﺭٍ ﺑﻪ ﺍﻟﻜﻮﻥُ ﺍﺣﺘﻔﻰ

ﻗﻤﺮُ ﻳﺪﻭﺭُ، ﺑﻪ ﺗُﻀﺎﺀُ ﻣَﻮﺍﺟﺪﻱ،

ﻭاﻟﻨﻔﺲُ ﻗﺎﻟﺖ ﺇﻥَّ ﺑﺮﻗَﻚ ﺇﻥ ﻫَﻔﺎ

ﺷَﻔَﺔُ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡِ ﺗُﻀﺊُ ﻟﻮﺡَ ﻣَﺸﺎﻫﺪﻱ،

إﻧﻲ ﻭﻗﻠﺒﻲ ـ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝُ ـ ﺑﻚ ﺍﻛﺘﻔﻰ

ﻭﺍﻟﺮﻭﺡُ ﺗﺠﺮﻱ ﻧﺤﻮ ﻇﻞِّ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪِ.

 

وظّف طلال صوراً كثيفة واستخدم ادوات عديدة في الكتابة ليعبّر بعمق عن المضامين الروحية في قصيدته.

 

ﻳﺎ ﺧﻴﺮَ ﻣَﻦ ﻭﻃﺄَ ﺍﻟﺜﺮﻯ

ﻭ ﻳﺎ ﺧﻴﺮَ ﻣَﻦ ﻋﺮﻑ ﺍﻷﺯﻝ،

ﺛﻘُﻞَ ﺍﻟﺒَﺮَﻯ ﻳﺮﺟﻮ ﺍﻟﺒَﺮﺍ

ﻋﻤﺮﻱ ﺳَﺮَﻯ

ﺩﻣﻌﻲ ﺟَﺮَﻯ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺭَﻯ

ﺭﻭﺣﻲ ﺗُﺴﺎﺑﻖُ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝِ ﺑﻬﺎ ﻋَﺠَﻞْ

 

ولعل الجميل في قصيدة طلال انها لم تنحدر إلي الوصف الجسدي الذي طبع جزءً كبيراً من المديح النبوي خاصةً في السودان.

 

ﻫﺬﻱ ﺍﻟﺒﻼﺩُ ـ ﺃﻳﺎ ﺣﺒﻴﺐُ ـ ﻭ ﺃﻫﻠُﻬﺎ

ﺟﻞَّ ﺍﻟﻤُﻘﺎﺭَﻥُ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺭﻯ،

ﺭﻓﻌﻮﺍ ﻣﺪﻳﺤَﻚ ﻟﻠﺸﻤﻮﺱ ﺑﻴﺎﺭﻗﺎً

ﻓﺎﻧﺴﺎﺏَ ﻟﺤﻦُ ﺍﻟﻜﻮﻥِ ﻏﻴﻤﺎً ﺃﻣﻄﺮا،

ﻭﺍﻧﺪﺍﺡَ ﻧﺒﺘﺎً ﻟﻠﺨﻠﻮﻕِ ﺃﻇﻠَّﻬﺎ

 

ولم تغب الفلسفة ابداً عن قصيدة طلال دفع الله، يدفعها التأمل والإيمان.

 

ﻭﺍﻟﻈﻦُ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﻴﻘﻴﻦ ﻣﺸﻌﺸﻊٌ

ﻗﺪ ﻓﺎﺯَ ﻣَﻦ ﺑﺜﺮﻯ ﻣﻘﺎﻣِﻚ ﺃﺩﺑﺮا،

ﻣﻠِﻜﺎً ﺑﻴﻮﺕَ ﺍﻟﻄﻴﻦِ ظلَّ ﻣﺆﻣﻼً

ﺳﻴﻔﻮﺯُﻫﺎ ﻳﻮﻡَ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔِ ﺃﻗﺼُﺮﺍ،

ﻳﺎ ﻃﺎﻟَﻤﺎ ﺳﻴﺮﺍﻙَ ﺃﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝُ ﺣﻘﻴﻘﺔً

ﻭﻟَﻄﺎﻟﻤﺎ..

ﺃﻧﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻦَّ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩُ ﻟﻜﻲ ﻳﺮى.

 

ومن زاوية الموسيقي يظهر الأداء عالي التطريب للمُغنّي الراحل د. مصطفي الشريف من خلال أدائه لهذا العمل “حن الفؤاد”.

 

كما تظهر مقدرات مصطفي الشريف في التأليف الموسيقي عبر اللحن الجميل الذي صاغه للعمل. وتظهر معها مقدراته الجلية في المزاوجة ما بين الفطري والعلمي.

 

وتأخذ المدائح في السودان خصائص غنائية تعج بالتنوّع وذات طابع متفرد في الشكل العام من حيث السلّم الخماسي وأسلوب الأداء واستخدام الإيقاع.

 

ونجد هذه الخصائص مع كم من التطوير في لحن مصطفي الشريف والذي اجتهد في بناء لحني يستلهم من التراث ويستدعي الحداثة. فأنتج نغماً طروباً ولا تنقصه الدسامة من الناحية الفنية.

 

وفي التوزيع الموسيقي للعمل، جنح مصطفي لنوع من البساطة المحبّبة، وإن لم يخلو مجهوده من بعض التعقيدات هنا وهناك.

 

كما حرص مصطفي علي ابراز مُلهم للإيقاعات والتي لطالما ميّزت فن المديح السوداني.

 

نوّع مصطفي الأجواء في داخل لحنه. كما استفاد جيداً من المؤلفة اللحنية التي صنعها ل”الصلاة علي النبي”، فخلق منها نوعاً من الفواصل فيما يشبه المحطات داخل العمل المتخم بالأشواق والحنين وأماني الوصول.

 

ويمكن القول أن الشخصية الفنية للراحل د. مصطفي الشريف، وهو الفنان المجتهد والباحث والمختص في الموسيقي الاجتماعية، قد برزت بوضوح من خلال هذا العمل “ﺣَﻦَّ ﺍﻟﻔﺆﺍﺩُ”. ربما للسِمَة التجريبية الطاغية علي العمل والتحدي الكبير الكامن في داخله. وربما أيضاً للمحبة الكبيرة التي يكنّها شعب السودان للمصطفي عليه الصلاة والسلام.

 

جدير بالذكر ان التعامل الفني بين الشاعر طلال دفع الله وبين الراحل د. مصطفى الشريف وكورال جامعة الأحفاد تم من خلال عدد من الأعمال، نذكر منها :

 

تيجاني الماحي

د. عثمان النذير مصنع كنانة

جزائر الخير

إسلامنا سلام

نأمل .. نأمل

 

……

رابط العمل علي موقع يوتيوب

 

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *