رشا عوض

هل انتهاكات الدعم السريع في حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ هي الأولى من نوعها ضد الشعب السوداني؟ هل السودان لم يشهد لها مثيلا من قبل؟

كثيرون سيجيبون بنعم هي الأولى من نوعها، ولم يشهد لها السودان مثيلا من قبل!!

إنها إجابة خاطئة تماما ومجافية للمعلومات والوقائع التاريخية، ولكن هذه الإجابة الخاطئة تم تقديسها وتخوين من يقول إنها خاطئة!

لماذا؟

لأنها إجابة تخدم التعبئة الحربية للكيزان الذين يتوقف نجاح خطابهم الحربي على محو الذاكرة وتسطيح واختزال المشكلة في الدعم السريع فقط وخروج نظامهم زي الشعرة من العجين من وزر الانتهاكات، ومن المسؤولية المباشرة عن صناعة الدعم السريع نفسه ومشاركة الجيش والأجهزة الأمنية لجنجوويد موسى هلال ثم للدعم السريع في انتهاكات أفظع وأبشع من انتهاكات الحرب الحالية! لذلك الكيزان أصحاب مصلحة في تصفير عداد الانتهاكات ليبدأ يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣!

ما بال غير الكيزان يتمسكون بالإجابة الخاطئة؟

السبب الأول هو أن العقل الجمعي في مدن وقرى شمال ووسط السودان يتعامل مع جرائم وانتهاكات الحروب في دارفور وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، وقبل ذلك في جنوب السودان بلا مبالاة! ولا يتابعها ولا ينفعل بها! خصوصا في ظل التعتيم الإعلامي، وهناك العقلية العنصرية التي تتصالح مع الانتهاكات، وتبررها في حق إثنيات معينة بدلا من التعاطف بكل أسف.

هذه العقلية المنحازة إثنيا وجهويا لا تنتفض ضد الانتهاكات والجرائم، بل حتى لا تطلق عليها هذه المسميات إلا إذا ارتكبت في الخرطوم ومدني وسنار، باختصار في مدن الشمال والوسط؛ لأن هذه المناطق تستحق السلام والأمان في مقابل مناطق أخرى تستحق الحرب والانتهاكات مهما كانت فظاعتها، ولا تستحق مجرد الاعتراف بمعاناتها أو تذكر ما تعرضت له! ناهيك عن مساءلة السلطة المسؤولة عن كل ذلك!

الحقيقة أن كل الانتهاكات التي مارسها الدعم السريع خلال هذه الحرب وهي مدانة وقبيحة بلا شك، ولكنها إذا ما قورنت بما حدث من انتهاكات في دارفور والجنوب وجبال النوبة في الماضي القريب ستكون أقل كما ونوعا! هذا لن يخفف الإدانة، ولكنه يضيف إلى قائمة المجرمين من الجنجويد أسماء جديرة بالإضافة!! أي أسماء صناع الجنجويد..!!

لن ننجو جميعا من الانتهاكات إلا إذا اتفقنا على أننا جميعا نستحق السلام والأمان! نستحق أن تحفظ كرامتنا، ولا ننتهك لا في الشمال ولا الوسط ولا الجنوب ولا الشرق ولا الغرب! الوعي الذي يجب علينا استخلاصه من هذه الحرب هو مشروع للنجاة الوطنية الجماعية لكل السودانيين! بدون هذا المشروع لن ينجو أحد! وإذا لم تتوقف هذه الحرب لن ينجو أحد..!

هناك سبب آخر لشراء الإجابة الخاطئة وهو التضليل الممنهج والماكينة الإعلامية الجبارة التي ثابرت على تلقين السودانيين السردية العسكركيزانية حول الحرب التي تمركزت حول تصفير العداد السياسي والحقوقي في السودان وكتابة تاريخ للسودان يبدأ يوم ١٥ أبريل ٢٠٢٣ بخروج الدعم السريع من رحم القحاتة وارتكابه لانتهاكات جديدة لنج لم يشهد لها السودان مثيلا في تاريخه؛ إذ إن هذا التاريخ تم محوه تماما، وتم تخوين وتجريم كل من حاول التذكير به..!

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.