يا نبيل أديب، المجتمع الدولي لا تنقصه المعلومات
يوسف عبدالعظيم التاي
في آخر تصريحاته، قال المحامي نبيل أديب: “لو أن للمجتمع الدولي حصافة، لرأى أن (تقدم) لا تدعم الديمقراطية، وإنما تدعم الجنجويد للوصول إلى السلطة!”.
وأود أن أطمئن نبيل أديب بأن المجتمع الدولي/الغرب لا تنقصه الحصافة، والأهم أنه لا تنقصه المعلومات.
ومن سوء حظ نبيل أديب أن المجتمع الدولي لا تنقصه المعلومات. حيث يعرف المجتمع الدولي لماذا اختار صلاح قوش نبيل أديب كمحامٍ له عندما انقلب عليه إخوانه!!!
كما يعرف لماذا كلف جهاز الأمن نبيل أديب بتولي ملف أسر شهداء سبتمبر. فقد كانت الخطة أن تتم رشوة عدد من أسر الشهداء بدعوى تسوية الديات حتى يسقط القصاص عن عناصر الجهاز التي قتلت أبناءهم. ولم ينجح نبيل أديب إلا مع قلائل لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، منهم امرأة فقيرة وبسيطة والدة شهيد. ومرة أخرى، لسوء حظ نبيل أديب، فإن كل معاملات الموضوع كانت موثقة في ملفات جهاز الأمن. لذا، فإن المجتمع الدولي يعرف من أي طينة هو نبيل أديب.
كما يعرف المجتمع الدولي المأذون الذي جمع بين صلاح قوش ونبيل أديب في علاقتهما السفاح، وهي المخابرات المصرية، التي ارتبطت بكل منهما على حدة قبل أن تجمع بين رأسيهما في خيانة الشعب السوداني ودعم الاستبداد والفساد في كلا البلدين.
ولا تقتصر علاقة قوش بنبيل أديب على التجسس فقط، بل تجمعهما الخصائص الشخصية أيضاً. وصلاح قوش معروفة خصائصه الأخلاقية، ولا تحتاج لمزيد من التوضيح. لكن ما لا يعرفه العامة، وتعرفه أجهزة المجتمع الدولي، هو حفلات الخلاعة التي كان يمولها (الجهاز) وينظمها نبيل للإيقاع بالنشطاء والناشطات في شباك الابتزاز. وهذا ملف طويل عريض يخشى نبيل أديب أن تحكم البلد حكومة مدنية حقيقية فتفتحه كله للجمهور.
كان نبيل أديب يعتقد أن حكم العسكر والكيزان يمكن أن يدوم إلى الأبد، وأن مخازيه الأخلاقية ستظل طي الكتمان. ولكن منذ ثورة ديسمبر المجيدة، ظل يراوده شبح حكومة مدنية حقيقية، فتهاجمه الكوابيس، ويندفع بكل عدوانية ولؤم، عله يقطع الطريق على ما يقلقه، رغم كل كؤوس الويسكي التي يتجرعها.
المجتمع الدولي يعرف الكثير والمثير. وعلى عكس الآخرين، عرف نبيل أديب كيف يضحك بمكر على غالبية الحزب الشيوعي وعلى كثيرين من قوى الحرية والتغيير في فترات سابقة. وهنا نترحم على روح الأستاذ البصير والأديب الكبير كمال الجزولي، فهو من أوائل الذين كشفوا لعبة نبيل أديب: التأشير يساراً وديمقراطية، بينما يتحرك في الحقيقة نحو أحضان الخيانة في مخدع جهاز الأمن!!!
ولكن المجتمع الدولي ليس ببساطة ومسكنة القوى المدنية السودانية. لديه أجهزة تراقب الاتصالات وتحصي الأنفاس. ولذلك يعلم ما لا يتخيله نبيل مطلقاً: يعرف الصفقة التافهة والمنحطة مع الدعم السريع أيام كان الدعم السريع مرضياً عنه من البرهان وكرتي، أيام لجنة التحقيق في فض اعتصام القيادة. كما يعرف الصفقة الأخرى مع سفارة الإمارات في الخرطوم!!! وهذه أيضاً، لسوء حظ نبيل، موثقة. فإن امتنعت الإمارات عن كشفها لأنها لا تزال ترجو أسياد نبيل، فإن آخرين من المجتمع الدولي لا يرجون شيئاً من الشخصيات المحروقة.
كما أن المجتمع الدولي يعرف كيف يتحدث نبيل أديب مع البرهان في جلسات الأنس الخاصة، التي يعرفها القاصي والداني. لكن ما لا يعرفه إلا الخواص والمجتمع الدولي هو ما يُقال خصوصاً بعد أن تلعب الكؤوس بالرؤوس، وكيف تُرتب الرشاوى وتُحول الأموال من ميرغني إدريس وغير ذلك الكثير المثير!!!
لقد كشفت الحرب أحط شخصيات البلاد. أولئك الذين كانوا يتمسحون بلبوس القوى الوطنية الديمقراطية، في حين أنهم خونة تافهون. والآن انكشف هؤلاء تماماً: إما من لاعقي حذاء العسكر والكيزان، أو من خدم آل دقلو.
أما (تقدم)، فهي جسم واسع وعريض، ومما يؤخذ عليها أنها كانت ولا تزال تصر على “الخمخمة” لتكبير الكوم. وبهذا دخلت في تحالفات مع النطيحة والمتردية: بعضهم عملاء جهاز الأمن والكيزان، وقلة يتقاضون مرتبات من آل دقلو. وقريباً، سيفرز خدم آل دقلو عيشتهم، ويذهبون في حال سبيلهم. ونتمنى بعدها أن تطهر (تقدم) صفوفها من عملاء الكيزان المستترين.
ولولا أخطاء تقدم في تكبير الكوم بلا بصيرة، لما ظل نبيل أديب وغيره من الشخصيات الوضيعة ضمن صفوف الحرية والتغيير حتى انقلاب 25 أكتوبر.
ولكن مع ذلك، ورغم ذلك، فإن القيادة الأساسية للحرية والتغيير وتقدم قيادة ديمقراطية بحق وحقيقة. وأخطاؤها ليست من باب سوء النية أو الخيانة، وإنما من باب الاستعجال والرغبة البريئة، وإن تكن ساذجة، في توسيع الصفوف. ولهذا، لا يمكن مقارنتهم مطلقاً بالوضيعين المبيعين. ولعل هذه القيادة المخلصة، بعد كل هذه التجارب المريرة، تتعلم الدرس.
المصدر: صحيفة الراكوبة