يا شباب السودان، لا تكرروا مآسي تجربة التطوع للمشاركة في حرب الجنوب
يا شباب السودان، لا تكرروا مآسي تجربة التطوع للمشاركة في حرب الجنوب
صديق الزيلعي
نواصل نقاش استمرار الحرب، وما ينتج عنها من دمار ومآسي. وسأحاول اليوم مخاطبة قضية هامة وحساسة، هي نداء قائد الجيش للشعب السوداني بالتطوع. تحت ذريعة المشاركة في حرب الجيش ضد الدعم السريع.
هذه الدعوة لم تأت من فراغ. فهي ناتجة من عدة مسببات، ولها، أيضا، عدة أهداف. فهي نتاج لما حدث للجيش، وما آل اليه، خلال عهد الاسلامويين. وأيضا ولإنهاك وإرهاق الجيش، في معركة، لم يحسب طولها وعدتها، ولا حدتها. كما أن لقائد الجيش اهداف تتعلق، لم يعلنها، لكنها واضحة وضوح الشمس، وأهمها إعطاء فرصة لقوى الاسلامويين المسلحة، التي كانت أساسا تحارب مع الجيش، للظهور علنا، بحجة انها الشعب الداعم لجيشه، ومن ثم يكون لها اليد العليا، في تطور الاحداث اللاحقة، عسكريا وسياسيا.
دعا قائد الجيش عبد الفتاح البرهان (الثلاثاء 27 يونيو)، الشباب السوداني للانضمام إلى الجيش لمواجهة قوات الدعم السريع. وقال “حجم المؤامرة يتطلب من الجميع اليقظة والاستعداد للتصدي للمهددات الوجودية لدولتنا، ولذلك نطلب من جميع شباب بلادي وكل من يستطيع الدفاع ألا يتردد أو يتأخر في أن يقوم بهذا الدور الوطني في مكان سكنه أو بالانضمام إلى الوحدات العسكرية لنيل شرف الدفاع عن بقاء الدولة السودانية”.
هذا النداء العاجل واللحوح، لم يأت من فراغ. بل هو نتاج لكل سياسات الاسلامويين تجاه الجيش، حيث فقد قدراته، وأصبح أداة لقمع الشعب. ورغم 80% من موارد البلاد، التي يحوز عليها، الا ان التأهيل لم يرق لاحتياجاته. فقد كان الحاكم الفرد، عمر البشير، يحس بالخوف على ما ظنه عرشه. وصار لا يثق في العسكريين غير المنتمين لتنظيمه، وفصل الالاف. لكنه أيضا، أصبح مهووسا بمؤامرات اخوانه الاسلامويين، الذين لا يتورعون، عن فعل أي شيء، في سبيل السلطة والثروة. فصار يعتمد اعتمادا كليا على قوات الدعم السريع في المعارك البرية ضد الحركات المسلحة. وحول الجيش لعملاق بأرجل ضعيفة، حيث تكدس كبار الضباط في القمة، بعدد مهول لا يناسب حجم الجيش. إذا قارناه بالجيش الأمريكي او الصيني نجد ان فرقاء ولواءات جيشنا الممكون، أكثر منهما معا، رغم الفارق الكبير لعدد قواتهما مع أعداد جيشنا. الهدف من ذلك هو رشوة كبار الضباط بالترقيات، وعضوية مجالس إدارات الشركات، والتصديقات والتسهيلات، فتركوا فنون العسكرية، وتفرغوا لنهب مقدرات البلاد.
الهدف الأساسي من هذا النداء هو جعل مشاركة كتائب الظل في المعارك، علنيا، تحت ادعاء ان الشعب يحارب مع جيشه. رغم ان تلك الكتائب، كانت ولا تزال موجودة داخل ثكنات الجيش، منذ اندلاع الحرب. كما يهدف أيضا بإلقاء الشباب السوداني إلى محرقة الحرب، ليكون درعا وساترا للجيش، في معاركه.
الاعتماد على الدعم السريع، منح البشير إحساسا زائفا بالأمان. لكن ذلك الإحساس الوهمي، كان على حساب مقدرات جيشنا، الذي بان واتضح في الحرب الحالية.
هذا الموقف، يثير قضية هامة هي التراتبية والضبط والربط والطاعة العمياء للقائد، الأمر الذي يجعله يفعل ما يريد، وكيفما يريد. وقد تكرر مثال البشير في البرهان، وما فعله بثورتنا، التي لم يشارك فيها. كل ذلك باسم الجيش السوداني، والجيش برئ منهما. بل الأدهى والأمر انه قدم للدعم السريع إمكانيات مهولة، في طبق من ذهب. ولم نسمع موقفاً من بقية القادة.
إحدى مخاطر هذه الدعوة، ان المناطق التي بادرت وتحمست لها، رغم انه حماس جزئي وأقل من طموح قادة الجيش، فهي مناطق ما يسمى بالشريط النيلي. وهذه ستكون بداية الحرب الاهلية الشاملة الكارثية، لان قطاع من قبائل الغرب اصطفت الى جانب الدعم السريع.
إننا ندعو شباب الشباب الا ينساق مع الدعوات الكاذبة. فهذه الحرب ليست حربهم، ولا ناقة لهم فيها ولا جمل. فهي صراع بين الطفيليين للاستحواذ على ثروات بلادنا. ومهما كانت نتيجتها النهائية، فالخاسر هو بلدنا وشعبنا. وسيكون الضحية هم أبناء شعبنا، ممن سيتطوعون للمشاركة، ومن يقبعون في منازلهم. والدرس الأهم هو ما حدث للآلاف من أبناء شعبنا، الذين دفعوا دفعا نحو محرقة حرب الجنوب. ولقد شاهدنا مرات ومرات، الجنود الذين يغلقون كبري أمدرمان، تعبيرا عن تجاهل السلطة لهم. هذا عن العسكريين، اما الشباب الذي جمع من الشوارع، وبعنف وعنجهية، فصاروا ضحايا مجهولة، لحرب عبثية سميت بالجهاد. وانتهت باتفاق لاقتسام الغنائم، فنالت الحركة الشعبية ما تريد، ونالت السلطة ما تريد، بلد يمكنهم فرض شكل الحكم الذي يريدون، وسماه رئيسهم ” شريعة بلا دغمسة”.
المصدر: صحيفة التغيير