في المشهد السياسي السوداني، قلّما يبرز اسم اقترن بالتحولات الحادة والتقلبات اللافتة كما هو الحال مع ياسر سعيد عرمان. الرجل الذي شغل مواقع متقدمة في العمل السياسي منذ عقود، تنقّل بين الحركات المسلحة والتحالفات المدنية، وظل في كل محطة من محطاته يثير الجدل ويخلّف وراءه كثيراً من الانقسامات والخصومات التي مزّقت الصف الوطني.
خروج عرمان من تحالف “صمود” مؤخراً لم يكن مفاجئاً، لكنّ محاولة تسلله نحو تحالف “تأسيس” تثير تساؤلات جوهرية، تتعلق بمدى حقيقة أهدافه السياسية، وحدود الأجندة التي يحملها في طياته. فهل هو سياسي يسعى إلى التوافق الوطني، أم أنه أداة استخباراتية موجهة لإرباك التحالفات وتشتيت الجبهات المناهضة للحرب والاستبداد؟
تقسيم الجبهة الثورية… ثمرة عرمان الأولى
أولى محطات الاتهام تعود إلى دور عرمان المحوري في تقسيم الجبهة الثورية خلال مفاوضات اتفاق جوبا للسلام عام 2020، حيث عمد إلى تشجيع منهج المساراتالذي أفرغ الاتفاق من مضمونه الوطني وحوّله إلى تفاهمات جزئية جهوية كرّست المحاصصة وأفشلت مشروع السلام الشامل. بذلك، قسّم الجبهة الثورية إلى كتل ضعيفة، وفتح الطريق أمام أطراف الاتفاق للدخول في السلطة دون رؤية موحدة أو أجندة وطنية.
تفتيت الحركة الشعبية… وتدجين المشروع الثوري
لم يكتفِ عرمان بذلك، بل لعب دوراً رئيسياً في شق صفوف الحركة الشعبية شمال، حين تحوّل إلى رأس حربة في مشروع تحويلها إلى جناح سياسي خانع بعد إبعاده من القيادة الميدانية، وافتعال صراع مع عبد العزيز الحلو، قاد إلى الانقسام المعروف الذي أضعف الحركة وأفقدها بوصلتها الثورية.
الحرية والتغيير… انزلاق نحو التسوية
وفي قوى الحرية والتغيير، التي كان يُفترض أن تمثل ضمير الثورة، برز دور عرمان في تقريب التيار المدني من العسكر عبر التسويات السياسية التي تمت في أعقاب سقوط البشير. وبتأثيره على رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، حين عُيّن مستشاراً سياسياً له، ساهم في تضليل بوصلة الانتقال، والدفع نحو شراكة هشّة مع المجلس العسكري انتهت إلى انقلاب 25 أكتوبر.
مهمة الاستخبارات الناعمة؟
هذا التاريخ الحافل بالتشظيات والانقسامات جعل كثيرين يصفون عرمان بأنه **”الموس” الذي يقطع أوصال التحالفات الوطنية**، وهي عبارة اقتبسها الراحل الدكتور علي محمود حسنين أحد رموز النضال المدني حين وصفه بأنها أداة تقطيع وتحطيم لا تكلّ ولا تملّ.
ومن هذا المنظور، فإن محاولة ياسر عرمان القفز من “صمود” إلى “تأسيس” لا يمكن قراءتها خارج إطار مشروع تخريبي ممنهج، يتقاطع مع مصالح إقليمية ودولية لا ترغب في وحدة القوى المدنية الحقيقية، وتسعى لإعادة إنتاج الوجوه القديمة بأدوار جديدة مموّهة.
تحالف تأسيس.. لا مكان للمخربين
إن تحالف “تأسيس”، الذي يحاول أن يقدم نموذجاً جديداً لاستعادة القرار المدني بعيداً عن الانبطاح والتبعية، بحاجة إلى الحذر من محاولات الاختراق التي قد تقود إلى إعادة إنتاج التجارب الفاشلة. فـ”لا أهلاً ولا سهلاً” بمن هدم تحالفات الأمس، وفرّق بين رفاق النضال، وضيّع فرص التغيير.
وفي زمن الحرب والانهيار، لا مكان للمغامرين بالمصائر الوطنية، ولا مرحباً بمن اعتاد التسلق على أكتاف الثوار ليمارس مهماته الملتبسة في وضح النهار.
المصدر: صحيفة الراكوبة