✍ حسن عبد الرضي الشيخ
في زمنٍ انقلبت فيه المفاهيم، وتحوّل فيه الدم إلى خبزٍ للسلطة، وعلى إثر مقابلةٍ صحفية أجرتها صحيفة إسبانيول الإسبانية مع عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش، قال فيها:
> “أتمنى أن يذكرني التاريخ كقائدٍ انتصر في وجه أكبر مؤامرة دولية ضد السودان.”
يخرج علينا الصحفي عثمان ميرغني، الذي ظلّ يرقص على الحبال، بمقالٍ يزعم فيه أن “الجيش السوداني تحت قيادة البرهان قد سطّر أروع الانتصارات التي بلغت حد المعجزات”!
ما هذا الهذيان؟ وما هذا الكذب وتزوير الحقائق؟
عن أيّ “انتصارات” قادها البرهان تتحدث يا عثمان؟ أهي انتصارات الهروب المخزي من بدروم القيادة؟ أم بطولات “الزلابية” التي التهمها البرهان من ستّ الشاي المسكينة؟ أم انتصار “السفنجة” الشهير؟ أم تراك تقصد المعجزة الأعظم: تدمير البلاد وتفتيتها تحت راية “تحرير الخرطوم”؟
أيّ جيشٍ تقصده يا عثمان؟
هل هو جيش البرهان الذي استخدم القنابل الحارقة ضد المدنيين في أم درمان وكرري وبحري؟
هل هو من دكّ الجسور والمستشفيات ومحطات الكهرباء والماء، وشرّد أكثر من عشرة ملايين من أبناء الوطن؟
هل هو من أطلق يد مليشياته وقنّاصيه لترويع الأبرياء وقتلهم بلا رحمة، ثم يزعم ناطقوه أن الضحايا “حواضن”؟
هل هو ذات الجيش الذي خسر أكثر من نصف الخرطوم، وانسحب من عشرات المواقع في دارفور وكردفان والخرطوم والشمالية والنيل الأبيض؟
هل “الانتصار” أن يُهزم جيش البرهان مرارًا، ثم تأتي لتلوِي عنق الحقيقة وتصف الهزيمة بالمعجزة؟
إنه لمنكر القول وزوره أن تلمّعوا صورة البرهان، وتصفوا سنوات حكمه بأنها مجرد “مهمة صعبة” تستحق التقدير، وهي لم تكن سوى مسلسل دمٍ وخذلان.
عثمان ميرغني، تدّعي الحياد والموضوعية، ثم تتقافز في نهاية مقالك لتدعو بأن “ينتصر جيش البرهان نصرًا مؤزرًا”!
أهذا هو الحياد؟ أم أنه الانبطاح الناعم تحت أقدام العسكر؟
تقول إن التاريخ لا ينسى. نعم، صدقت. فالتاريخ قد دوّن بالفعل كل شيء: دوّن مجزرة القيادة العامة، دوّن مآسي الجنينة وكادقلي، دوّن الخراب في نيالا ومدني وكسلا، دوّن الفشل الاقتصادي والإنساني والسياسي، ودوّن انسحاب الجيش بالبرهان من أرض المعركة، لا انسحابًا تكتيكيًا، بل مذلّة أمام من كانوا بالأمس حلفاءه.
التاريخ، يا عثمان، لن يفتح صفحةً بيضاء للبرهان لأنك تريد له أن يُذكر بخير.
التاريخ لا يُكتب بالحبر المزوّر، ولا بمقالات “حديث المدينة” التي أضحت نشرة علاقات عامة باسم المجلس العسكري.
البرهان لا يحتاج إلى من يُذكّره بالتاريخ، فالتاريخ لن يرحمه، ولن يرحم من نافقوه وكذبوا على الشعب باسمه.
ختامًا، لا ينكر أحدٌ أن في الجيش شرفاء تُرفع لهم القبّعات، كما أن الدعم السريع لم يكن بريئًا من الانتهاكات، غير أن البرهان هو مهندس معظمها بشهادة الوقائع.
إنّ الشعب السوداني، الذي ما زال يُذبح ويُجوّع ويُشرّد، يعرف تمامًا من انتصر ومن انهزم، من دافع عنه ومن خانه.
وليس بين أولئك المنتصرين مَن اسمه البرهان…
ولا من بينهم مَن اسمه عثمان ميرغني.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة