ومن الخزعبلات والأساطير ما يقر بهزيمتنا كمدنيين
وجدي كامل
لم اشعر بخيبة امل في ثقافتنا الشعبية وحكاياتها المؤسسة على الخزعبلات والاوهام والأساطير مثلما شعرت وانا استمع لتسجيل فيديو بتطبيق الفيس بوك من الممثل والدرامي المعروف محمد شريف على وهو يسرد قصة انتقام (شواطين) بيت امدرمان المسكون الذي يقع بشارع النيل اسفل كبري شمبات.
سرد محمد على، وبقدرات إلقاء، وتمثيل المؤدي المهني الحصيف قصة دخول جماعة من الجنجويد الى البيت الذي اجتمعت الاحاديث الشعبية الكثيفة عن كونه بيتا مسكونا وغير قابل على القبول باي قاطنيين داخل مساحته. وهذا مكمن خلوه برأيهم لمدة طويلة من الزمان.
شريف الذي تقمص دور الحكواتي والشاهد على وقوع الحدث حكى عن كيف تسلل الجنجويد الى البيت وعثورهم على الاثاث الفخم الذي لم يروه من قبل والذهب الذي ما ذهب الى الحمام الذي سلقوه في اناء كبير ثم ما بدأوا في تناوله حتى بدا الحمام يتمطى ويقوم بإغارات متتالية عليهم ، وان الجنجويد وعندما اتوا بالجامبو ركب اثنان منهم بالقرب من السائق الذي ما ان سالهم عن الوجهة حتى فوجئوا بوجه فيه عين واحدة بمنتصفه. وختم الممثل المخضرم سرديته بان هكذا هي امدرمان محصنة ومحمية ضد اعدائها ووووو.
الدرامي شريف محمد على يدرك تماما ان ما سرد لا يعدو سوى كونه الامنيات او الاماني بالحاق الهزيمة على الجنجويد بعد خروج ونزوح لاغلب سكان احياء وسط امدرمان ومنها ودنوباوي الحى الذي يسكنه، وان اغلب تلك البيوت تعرضت للنهب والسرقة بما احتوت عليه. هذا الجرح الذي يظل غائرا في نفوس اهل امدرمان لا يتم علاجه وللاسف يا شريف باستحضار المقاومة بالاسطورة وبناء النصر باوهام القوى الخارقة ولو كانت (شواطين) بيت شارع النيل، ولكن بخلق المعادل الموضوعي الواقعي للمقاومة ببث الرسائل التي تدعو الى التوحد والتماسك وامكانية اعادة امدرمان الى الحياة بشكل معاصر وقوي يحفظ لها ما اضطلعت به من ادوار وطنية متقدمة دون بناء على الأساطير والمعلومات الكاذبة.
البناء على الاساطير وغيرها من ميراث وتراث متخيل صار يطعن في صحة ما تم نقله من جيل آلى جيل عن تاريخ البطولات والمقاومات التي ودون حكاية بيت شارع النيل اصبح ثمة شك عريض في واقعيتها ومطابقتها للوقائع الحقيقية وان تغطيتها بتعميق المسكوت عنه والهاب العواطف باشعار وغناء الحماسة واضفاء الشجاعة كصفة حصرية على السودانيين المستقرين بالشمال والوسط كرمزية للسكان الاصيلين الأصليين.
كل ذلك يتهدم ويتساقط بخروج معلومات ما يعرف بالتاريخ المضاد.وبعد يا استاذ شريف نقول بان لو كانت ثمة شواطين قد سكنت امدرمان واحيائها فهم ليسوا بجيوش المقاومة المتخيلة وانما الاسلامويون الذين صنعوا أسطورة الجنجويد وانجبوهم من صلب مصالحهم ورغبة الحفاظ عليها حتى لو هلك جميع السودانيين. فهم من غذوا قوتها من اموال الشعوب السودانية وهم بالتالي من يستحقون السحق والطرد من الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية بشكل خاص حتى يتعافى السودان ويسلم من كل مرض الم به، واتاه من تربية الخزعبلات الى رعاية الحرب الحالية ليقوم وينهض ويثأر لحقوقه المستلبة من كل فاسد وظالم مستبد.
المصدر: صحيفة التغيير