اخبار السودان

ومرت الذكرى الأليمة كالعادة بكل هدوء

حسن أبو زينب عمر

 

(1) وفقدت يا وطني البكارة .. لم يكترث أحد وسجلت الجريمة ضد مجهول .. وأسدلت الستارة نسيت قبائلنا أظافرها .. تشابهت الأنوثة والذكورة في وظائفها تحولت الخيول الى حجارة لم تبق للأمواس فائدة ولا للقتل فائدة فان اللحم قد فقد الاثارة نزار قباني مرت قبل يومين وفي هدوء تام تحلق فوقه علامات استفهام حائرة حزينة وفي صمت مريب الذكرى 19 لمجزرة ديم العرب بورتسودان 2005م وهي تجر كما جرت العادة أقدام الخزي والعار بعد أن انتهت صورا باهتة على جدران مدرسة ابتدائية فريسة لعوامل الرطوبة والتعرية.

 

(2) ملابسات الجريمة غير المسبوقة تكشف عن تفاصيل بشعة ورائها فرقة اغتيالات قادمة من خارج ولاية البحر الأحمر لم تعرف شيئا عن الذين يراد تصفيتهم بل لم تكن على علم بمسرح المعركة الدموية من طرف واحد .. أركانها شباب عزل البعض فيهم أبرياء كانوا لا في العير ولا النفير صادف وجودهم فقط حظهم العاثر في الزمان الخطأ وفي المكان الخطأ .. سبب جريمة هؤلاء الشباب حملهم لمذكرة تطلب توفير بعض الخدمات الأساسية التي أمنت عليها كل المواثيق وتم ذكرها في اتفاقية سلام الشرق لاحقا ولو كانوا يعلمون الغيب وان أرواحهم الغالية على المحك لفكروا أكثر من مرة قبل المخاطرة بها أما القتلة فيبدوا انه قد تم شحنهم بفتح النار بأوامر (الضرب في المليان) على كل من تواجد في المكان تحت شعار (أضرب أكسح قش ما تجيبو حي) . وهي ترجمة صريحة للعبارة الإنجليزية

shoot to kill .

 

(3) فرقة القتل لم تكن تعرف حتى موقع ديم العرب الذي جاءت لتسفك دماء ساكنيه فقد وصلت الى هناك بعد لأي تسأل هذا وذك عن مكان الحي وقد جاء أفراد الفرقة على ظهر عربات مكشوفة الظهر مزودة بمدافع دوشكا لترمل نسائه وتيتم أطفاله وهو أمر أكدته فحوصات حوادث المستشفى التي أجرتها على جثث الضحايا اذ كانت الإصابات محفورة في مناطق قاتلة حساسة في الرأس والقلب .

 

(4) تذكرت أنه حتى لا يفلت الجناة من الجريمة كالشعرة من العجين وحتى نكسوها بعدا عالميا اتصلت وعن طريق بعض الأخوة الهنود في صحيفة أراب نيوز بوكالة رويترز في العاصمة السعودية الرياض لنقل خبر الكارثة فحولوني الى مكتب الوكالة في الخرطوم الذي نقل الخبر بدوره الى المقر الرئيسي .. بعدها تلقيت مكالمة من المقر الرئيسي للوكالة في القاهرة يسألني عن التفاصيل فقلت له ان عدد القتلى تجاوز حت الآن العشرين فرد قائلا (الرقم الذي معنا يفيد بأن العدد أقل وكان ردي ان هناك من قرر عدم مخاطبة المستشفيات خوفا من الاعتقال وهذ حقيقة ربما يجهلها الكثيرين .. بعدها اتصلت بالسفارة البريطانية وطلبت الحديث للملحق الإعلامي لنقل الخبر الى حكومته .. وعدني الرجل خيرا وكان يستمع باهتمام لحديثي معه وكان تعليقه بين الآن والآخر this is bad .

 

(5) جرت العادة أن تمر ذكرى المذبحة التي لم يتم ادراجها حتى ضمن قوائم اتهامات سيئة الذكر (الإنقاذ) الخاصة بمحاكمة القيادات الكيزانية بعد ثورة ديسمبر 1919م هادئة ويتيمة ورغم هذا فلا تتسول أحدا من قيادات آخر الزمان للدفاع حتى عن الأرواح البريئة الي راحت في غمضة عين وانتباهتها في تلك الساعة المشؤومة ربما ايمانا منها بأن الضرب في الميت حرام بل ربما تمد هذه (الذكرى) الحزينة طرف لسانها للقيادات المنصوبة والمفروضة علينا والتي لم تحرك ساكنا سوى الصراع الرخيص على السلطة بين الجنرال شيبة ضرار ولا (الدولار) وترك مرق و(اليأباه حرق) وثوار التتريس الذين يشلون الطرق والشوارع في (الفاضية والمقدودة) .

 

(6) الدليل على ذلك انه رغم حملات الضغط المسعورة لقبول الديات لشراء الصمت فان الكثيرين من ذوي الضحايا لم ينصبوا حتى الآن سرادقات للعزاء ريثما يتم توقيع العقاب المستحق على القتلة السفلة دون اكتراث للتهديد والترغيب من قيادات الإنقاذ وقتها وكان على رأسها آنذاك مجذوب الخليفة الذي رفض حتى الاعتذار خلال زيارته لبورتسودان وقال بكل صلف وعنجهية (لم أتي الى بورتسودان لفتح مناحة) مما يؤكد ان الجريمة ارتكبت عن سبق إصرار وترصد.

 

(7) ان الذي بات حقيقة لا تقبل الجدل ان ولاية البحر الأحمر هي أكثر الولايات التي تضررت من حكم الإنقاذ ففي عهدها فقدنا حلايب وشلاتين وكلاهما تمثلان جزءا غاليا من الولاية بل الوطن بعد اقدام شرذمة من القيادات الكيزانية بالتورط في ارتكاب جريمة غريبة الوجه واللسان .. جريمة غير مسبوقة على امتداد تاريخنا في الاقدام على اغتيال رئيس دولة كما جاء في اعترافات عرابها الترابي في حواراته مع احمد منصور وكانت النتيجة كما يعرف الجميع ضياعها بوضع اليد عليها بقوة السلاح ووضع السودان في قائمة الإرهاب.

 

(8) من وقتها قامت مصر بحملة ضارية من التمصير شاملة أغدقت فيها على المنطقة وسكانها (البشاريين) من النعم والتسهيلات والخدمات المجانية بما لا ينعم ولا يحلم بها سكان الجيزة والمنوفية تحسبا لاستفتاء ربما تقدم عليها الأمم المتحدة لحسم النزاع بعد أن رفضت حتى الجلوس مع السودان على طاولة التفاوض في محكمة العدل الدولية وهو أمر تشترطه المحكمة بضرورة قبول الطرفين المتنازعين للنظر في النزاع بل ان السلطات المصرية أقدمت على ابعاد أي مواطن سوداني نازح من أرضها يعلق خارطة حتى بحسن نية لا تؤكد على ملكية مصر لحلايب وشلاتين .

 

(9) حتى اذا ابتلينا بداء النسيان فلن ينسى أحدا في ولاية البحر الأحمر وربما في السودان بل لا يعرف أحدا أين اختفت 17 باخرة من أسطول (سودان لاين) كانت تجوب عباب البحار حاملة صادرات السودان من القطن والصمغ والكركدي والفول السوداني والذرة وغيرها من خيرات السودان ولكن حكومة ذلك الزمان غيرت اتجاهها وهدفها من دعم للخزينة العامة الى تمويل لآلة الحرب القذرة في جنوب السودان مما ينفي أي دور للقرود والغزلان التي أوهموا بها شعب السودان وزعموا انها كانت تنزع الألغام وتكشف مواقع العدو قبل الاحتفال والهتاف والرقص وذبح الثيران بانفصال الجنوب . الله لا كسبكم .

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *