ولنا في ألمانيا واليابان ورواندا أُسوةٌ حسنة…
ولنا في ألمانيا واليابان ورواندا أُسوةٌ حسنة…
نضال عبد الوهاب
مُعظمنا الآن كسُودانيين يكاد اليأس والإحباط يخنقنا ويقتل بعضنا أحياء…
يتبادل أغلبنا أخبار وصور الموت والدمار والفظائع والنهب والتكسير هُنا وهُناك… نتبادل خبرات النزوح وكيفية الخروج… عبارة (البلد إنتهت) و(يا حليل السُودان) أصبحت تتردد في ألسنة الكثيرين/ات…
الحُزن والخوف من المجهول وترقب لحظات الدمار أو في أفضل الأحوال محاولة تخيل سيناريوهات وقف الحرب أو مآل البلد حال انتصار لطرف على آخر وكيف سيكون الوضع بعده… الخوف من تمدد الحرب…
إذاً يتأرّجح الغالبية ما بين الخوف واليأس… وقليلون أو مستترون هُم من ينظرون هنالك في البعيد مبعثهم التفاؤل بل حتى اليقين بأن حال البلد سيعود أفضل… بصدقٍ شديد تجدني أحد هؤلاء المُتيقنين بهذه العودة وتبدل الحال للأفضل لبلد عظيم اسمه السُودان وشعب عظيم هُم السُودانيون! …
فشخصي عظيم الإيمان بهذا الوطن السُودان…
لدّي ثقة بلا حدود في شعبنا وبأن مستقبل يوازيه في العظمة ينتظره بإذن الله…
أحببت أن أنقل بعض هذا اليقين ليتسرب إلى شعبنا…
فالدول العظيمة جميعها نهضت بعد الخراب والدمار… بل إن هذا الدمار في حد ذاته يصبح مُحفزاً للنهوض من جديد ودافع قوي لعدم الاستسلام…
ما بعد الحرب العالمية الثانية تم تدمير شبه كامل لكل من ألمانيا في أوروبا واليابان في آسيا… في ألمانيا قُتل أكثر من 7 ملايين وخمسمائة ألف إنسان… ودُمر تدميراً كاملاً حوالي الـ70% من ألمانيا وانقسمت لدولتين… ولكنها وفي أقلّ من عشرة أعوام نهضت من العدم… لتصير في سنوات قليلة بعدها من أعظم الدول اقتصاداً والرابعة عالمياً بعد الولايات المتحدة والصين واليابان…
وحتى اليابان التي تُشابهها في النهضة وفي ذات الظروف والتوقيت وهي التي أُلقيت عليها قنبلتان نوويتان وتدمرت 67 مدينة دماراً كاملاً ومات ملايين البشر بل وحتى الأسماك في المياه والأجنة في أرحام الأمهات وغير التشوهات الجينية نتيجة الإشعاعات النووية… هل يتخيل أحد أن اليابان وبعد كُل هذا الدمار نهضت وفي سنوات لا تتجاوز العشرين لتُصبح ثالث دولة في العالم كقوى اقتصادية ومن أغنى الدول وأعلاها نمواً وتطوراً صناعياً وتكنولوجياً…
هذان النموذجان نعم قُدم لهم الدعم للإعمار وبشكل مُباشر من أمريكا فيما عُرف بمشروع (مارشال) الذي تقدم بمليارات الدولارات لتعويض خسائر ألمانيا واليابان ومُساعدتهم في النهوض ولمحاربة ومجابهة تمدد الشيوعية والنفوذ الروسي… ولكن خلف هذه النهضة كانت هنالك قوة الإرادة وحُسن القيادة والتخطيط والعمل…
تمت إصلاحات سياسية واقتصادية ومحاربة للفساد ونشر للتعليم وتطبيق صارم للقوانين أفضى لهذا التطور المُذهل في سنوات قليلة وتم سداد كُل الديون التي قُدمت لهم، بل وتعدت ذلك لمستويات مُدهشة في التقدم والنمو الاقتصادي حتي صارت إلى ما صارت إليه اليوم…
أما في أفريقيا ذات قارتنا السمراء وفي ظروف أعقد منا نهضت رواندا…
تلك الدولة الصغيرة التي ليس لها أي منفذ على البحر أو سواحل… شهدت حروب إبادة قبلية خلفت قُرابة المليون قتيل في شهور قليلة من عام 1994م… دمار ونزوح بمئات الآلاف… انهيار كامل للدولة والمرافق… ومع هذا نهضت في أقلّ من 8 سنوات ما بعد تلك المجزرة وحرب الإبادة…
تغلبت بحُسن القيادة والتخطيط وقوة الإرادة والنظر للمُستقبل… مضى شعبها وبرُغم تباياناته القبلية التي أنتجت ذات الصراع الدموي لتكاتف حقيقي وعمل دؤوب مُثمر حولها لواحدة من أسرع الدول نمواً في أفريقيا والعالم… حاربت الفساد والظلام والقُبح، وفعّلت القوانين والإصلاح الاقتصادي والسياسي ونشرت التعليم فنهضت وأصبحت دولة جاذبة للإستثمارات وللسياحة…
لذلك فالسُودان وبإرادة وعزيمة شعبه ودعم وشراكة الأصدقاء الحقيقيين في العالم يُمكنه النهوض وفي زمن قياسي… الحرب يجب أن تغيرنا للأفضل وأن لا تُحبطنا وتقتل فينا طموحات شعب عظيم قادر على التحدي والتحول ودفن الماضي مع رُكام وحُطام ما تم تدميره في كُل الوطن وليس فقط الخُرطوم…
نحتاج الآن إلى وقف الحرب وحتمية ذلك للنهوض… وإلى إصلاح سياسي كبير يُعطي قطيعة مع الماضي المُظلم في الظُلم والعُنصرية والتفريق بين بنات وأبناء الوطن الواحد والتمييز بينهم بسبب العرق أو اللون أو الدّين أو اللغة أو الموقع الجُغرافي… وإلى قطيعة مع الإتجار بالدين والحُكم بالأُسر والبيوتات وغش البسطاء وسرقتهم… نحتاج لقطيعة مع مافيا حلب أموال وثروات الضُعفاء والكادحين… نحتاج لقطيعة مع القيادات الهشة المُنكسرة واللعوبة والكذوبة التي كانت أحد أسباب هذا الواقع الذي تعيشه بلادنا اليوم… ليس السُودان ما قبل الحرب في الخرطوم كما بعده… نحتاج أن تنهض الأطراف يتساوي أبناء وبنات الوطن في كُل شئ… إن النهوض لهذا البلد العظيم سيكون بواسطة بنات وأبناء المظلومين والمقهورين والمُهمشين وسيكونون في الطليعة مع كُل المُخلصين من الشباب في كُل السُودان… عندما تقف الحرب سيتقدم الصفوف حتماً جيلٌ جديد من القيادات والثوريين أصحاب المقدرات والعلم والفكر ومن صُناع المُستقبل غير المُلوثين من الفاشلين المُجرّبين المُنهزمين، قيادات جديدة قادرة على المُساهمة الحقيقية لنهضة السُودان وتقدمه…
16 مايو 2023م
المصدر: صحيفة التغيير