«وقود الحرب الضروس».. صراع الجيش و«الدعم» يهدد مستقبل شباب السودان
«وقود الحرب الضروس»، هكذا وصف محللون حالة شباب السودان خلال الحرب الجارية حالياً بين الجيش والدعم السريع، محذرين من أن الصراع المسلح لن يترك للسودان وشباب السودان مستقبلاً.
الخرطوم: التغيير
يعيش السودان حالة من الاستقطاب الحاد بين طرفي النزاع الحالي “الجيش والدعم السريع”، مما يهدد شريحة الشباب التي تعد الميزة التي يتفوق بها البلد الذي يوصف بـ”الشاب”، وتهدد الحرب التي دخلت شهرها الخامس، مستقبلهم تماماً حال استمرارها لفترات أطول.
واندلع الصراع بين الطرفين في 15 أبريل الماضي مما أدى لتجدد المعارك يومياً بالعاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكردفان، وأججت عمليات القتل بدوافع عرقية في دارفور، مما يهدد بجر البلاد إلى حرب أهلية طويلة الأمد.
واستدعت مليشيا الدعم السريع مقاتلين إضافيين من دارفور وكردفان وغيرها، مع تصاعد الصراع ونقلتهم عبر الجسور من أم درمان إلى بحري والخرطوم، لمزيد من السيطرة والانتشار. فيما دعا قائد الجيش، رئيس مجلس السيادة الانقلابي عبد الفتاح البرهان الشباب وكل من يستطيع حمل السلاح إلى الانخراط في معسكرات التدريب لمقاتلة المليشيا، الأمر الذي ينذر بمزيد من العسكرة واتساع دائرة الحرب والعنف.
أحداث عنف
ويتخوف مراقبون من أن يؤدي هذا الاستنفار إلى إطالة أمد الحرب التي دخلت شهرها الخامس دون أن يستطيع أي من الأطراف حسمها بشكل نهائي، وبات الخطر يهدد الجميع بتحول الصراع إلى مناطق كانت آمنة، وبدأت الفوضى تعم فيها، آخرها مدينة الفولة بغرب كردفان التي شهدت اليومين الماضيين أحداث عنف أدت إلى حرق الأسواق والمرافق العامة.
وينخرط الشباب في الحرب العبثية بين الجيش والدعم السريع بنسبة كبيرة، بدوافع كثيرة من ضمنها المال والقبلية والدفاع عن الأرض والعرض.
بلد شاب
ويعتبر السودان دولة شابة وفق آخر إحصاء سكاني في العام 2008م بنسبة فاقت الـ60%، كما ذكرت مسؤولة الإعلام في الجهاز المركزي للاحصاء نفيسة أحمد لـ(التغيير).
وقالت نفيسة إن الشباب يشكل النسبة الأكبر من السكان، فنسبة المواطنين دون سن الخامسة والعشرين تمثل 61.5% من جملة السكان، وهذه أرقام لها دلالاتها الاقتصادية والاجتماعية الهامة.
وأكدت أن استمرار الحرب يمكن أن يؤثر على هذه الفئة العمرية باعتبارها الأكثر انخراطاً في القتال.
ويُقدّر عدد سكان السودان في 2023م بنحو 48.251.997 نسمة، بنسبة 0.57% من إجمالي عدد سكان العالم، وذلك حسب أحدث إحصائية رسمية للأمم المتحدة حول سكان السودان، ونتيجة لذلك يحتل السودان المرتبة 34 في قائمة دول العالم الأكبر حسب عدد السكان.
مخاوف الحرب الأهلية
ويرى مراقبون أن الاستنفار والاستنفار المضاد يمكن أن يتحول إلى حرب أهلية في ظل التحشيد والغبن الذي أخرجته الحرب ضد مكونات بعينها، وأكدوا أن ما حدث في روندا ليس ببعيد عن السودان في حال استمرار الحرب العبثية.
فيما حذرت الأمم المتحدة، أمس الأربعاء، من تحوّل النزاع في السودان بين قوات الدعم السريع والجيش إلى حرب أهلية.
حالات الاستنفار
ويقول الناشط الحقوقي عبد الباسط الحاج: “لا شك أن أكثر الفئات التي تنخرط في الحروبات هي فئات الشباب وبشكل خاص الذكور لاعتبار أنهم أكثر فئة قادرة على تحمل متطلبات الحرب من رفع السلاح والتدريب والخفة والسرعة وغيرها من مواصفات الجندي.
وأضاف لـ(التغيير): “لقد درجت التجارب على إعلان حالات الاستنفار خلال فترات الحروبات لزيادة أعداد المقاتلين وسد النقص الذي يحدث نتيجة للموت أو الإصابات الناتجة عن المعارك وهذا أمر طبيعي في مسار الحروبات في كل العالم، ولكن الأخطر هو أن يتم هذا الاستنفار بشكل قبلي أو إثني مما يؤثر على التركيبة الاجتماعية والأمنية عموماً”.
وقال الحاج إن الاستنفار في الحرب الأخيرة بدأ عندما قام الدعم السريع بالتواصل مع القبائل لمناصرته ودعمه من خلال إرسال مزيد من الجنود للانضمام للدعم السريع وكان ذلك واضحاً من خلال البيانات التي أصدرتها مجموعة من القبائل في أقليم دارفور.
وأضاف أنه نتيجة لذلك قامت القوات المسلحة السودانية بفتح باب التطوع للتجنيد للشباب القادرين على حمل السلاح خاصةً وأن هنالك استهداف كبير للمدنيين من قبل الدعم السريع مما يعبئ الشباب للانخراط وخوض الحرب لأسباب عديدة.
التوازن السكاني
وتابع الحاج: “أعتقد أن عمليات التجنيد والاستنفار عموماً تؤثر بشكل مباشر في التركيبة السكانية وتقلل من عدد الشباب الذكور بشكل خاص لأن كلا الجانبين يستهدف الشباب للانضمام له ولحسم المعركة ما سيؤثر مستقبلاً في عجلة الإنتاج والأيدي العاملة وقد يسبب اختلالاً في التوازن السكاني إذا استمرت الحرب لفترة أطول”.
واستدرك الحاج بالقول: “من ناحية أخرى فأنا أقف ضد فكرة التجنيد غير المضبوط والذي يقوم على توزيع السلاح للمدنيين وتركهم لخوض المعارك بدون دراية بقوانين الحرب وقواعد الاشتباك مما يجعلهم عرضة للموت العبثي وقد يقود هذا الأمر إلى حرب أهلية تخرج عن سيطرة الطرفين خاصةً وأن السودان شهد أطول حرب أهلية من قبل والآن الحرب تدخل فصولاً جديدة أكثر خطورةً سيما وأنها اشتعلت داخل العاصمة في مركز السودان بالإضافة إلى السلاح المنتشر في الأطراف فإن السودان لن يتحمل تكاليف حرب أخرى مع التردي الذي شهده في السنوات الأخيرة والمخرج لذلك هو جيش سوداني واحد تحت قيادة واحدة مؤهل فنياً لحماية الوطن والمواطن”.
وقود للحرب
وفي ذات الاتجاه مضى المحلل السياسي محمد تورشين، ورأى أن الحرب لن تجعل للسودان وشباب السودان مستقبل.
وقال تورشين لـ(التغيير)، إن مستقبل الشباب مرتبط ارتباطاً وثيقاً بارتباط السودان سلماً أو حرباً أملاً أو سخطاً أو توتراً.
وأضاف: “في تقديري لا يمكن التعويل على مستقبل مشرق للشباب في هذه الأوضاع التي استمرت لأكثر من أربعة أشهر”.
وتابع: “الفرص أمام الشباب الآن هو الانخراط في العمل العسكري باعتباره هو المتوفر ليسهم في زيادة أمد الحرب في ظل غياب الفرص”.
وأكد المحلل السياسي أن المسارات التي يمكن اتباعها لإنهاء الحرب هي التأكيد على وجود جيش وطني واحد يؤمن بالتحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.
واختتم بالقول: “في ظل كل هذه التعقيدات سيكون الشباب وقوداً لهذه الحرب الضروس”.
وما بين مخاوف تطاول أمد الأزمة وسط دعوات التجييش والتحشيد المضاد، والدعوات إلى منابر الحوار، يأمل السودانيون في التوصل إلى حل تفاوضي يوقف النزيف ويطوي صفحة الحروب بالبلاد إلى الأبد، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية تستطيع الاستفادة من طاقات الغالبية الشابة في خلق مستقبل مختلف، والتي لن تكون سوى وقود لصراعات الجنرالات حال استمرار النزاع المسلح!!.
المصدر: صحيفة التغيير