رباعية واشنطن: وقف الحرب، وقطع الطريق أمام الإسلاميين

صلاح شعيب 

عقل الأميركان شغوف بوتيرة الـ Assessment، والمعنى إعمال النظر جيداً تجاه القرار المحدد اتخاذه، ومن ثم الإعلان عنه متى دعت الأولوية. فمراكز القرار الحكومي حتى تحدد سياستها Making the case تجتمع كلها بما فيها من بيت أبيض، وسلك دبلوماسي، ومكون أمني، وعسكري، وإدارات معنية استشارية لتفلسف سياسياً جوهر التعامل مع القضية المطروحة، ثم يأتي بعد ذلك الدفاع عن التوجه المعلن بناءً على دراسات مستفيضة. وعندئذ تكون غلبة التكييف لتنفيذ القرار لدى الإدارة الاميركية بمستشاريها المتعددين لرعاية هذا التوجه السياسي المطلوب. وهذا نهج أميركي راسخ ينبع من الذهنية الأميركية التي توزن دائماً حساباتها جيداً في بحث الموضوع بكل أبعاده. فسياسة الـ Laying out the vision أي طرح الموضوع المعني في أولوية النقاش الجماعي هو ما يمهد لواشنطن اتخاذ سياساتها التي تأخذ وقتاً في البحث مع الاحتياط نحو بدائلها. ومع ذلك فقد تخفق واشنطن مرات في التطبيق، وربما يظهر خطل سياستها برمتها بناءً على ما في أرض الواقع. ولكن المهم أن واشنطن تتبع لقراراتها إخراجاً هادئاً يتصل بخلاصات تجارب السياسي، والدبلوماسي، والعسكري، وبقية المتعلقات.

قيادة واشنطن لاجتماع الرباعية التي تضم بجانب الولايات المتحدة كلاً من مصر، والسعودية، والإمارات، تأتي في ظروف تأخذ في الحسبان سياق الرغبات التي يريد ترمب تحقيقها في ولايته الأخيرة. فهو منذ حملته الانتخابية طرح مبدأ جديداً لانكفاء أمريكا على داخلها، تطويراً لمبدأ الانعزالية الذي عرضه من قبل الرئيس مونرو. ولكن ترمب شأنه مثل الرؤساء الأميركيين يريد أن يكون مبدأه قادراً على التركيز على إصلاح بلاده بالداخل عبر توظيف دعمها الخارجي المهدر من أجل النهوض الاقتصادي، من جهة، والمساهمة من جهة أخرى في حلحلة النزاعات الخارجية بصورة أقل تركيزاً من ممارسات الإدارات الأميركية، والتي كانت تلقي بكل ثقل جهودها في الشأن الدولي بما سبب ذلك من إرهاق مالي ومعنوي للمساعي الإمبريالية الأميريكية.

إن هذا الاعتماد على الدول المشتركة في اجتماع الثامن والعشرين في العاصمة الأميريكية المعني بالسودان أمله تعاون الولايات المتحدة مع حلفائها الأساسيين في المنطقة للدفاع عن مصالحها بما لا يتقاطع مع المصالح العليا لواشنطن. ونعتقد أن أمر اتفاق الرباعية لن يكون سهلاً في ما يتعلق بمستقبل السودان. ذلك في ظل مواقف هذه البلدان السياسية والاقتصادية والأمنية المتناقضة إزاء الحرب، وما تنتهي إليه من خلاصة قد تضمن مصالحها، أو لا تضمن. وكذلك لا بد أن نأخذ في الحسبان اتفاق الدوائر المؤثرة في الولايات المتحدة على المستوى التشريعي والإعلامي، خصوصاً، والتي أحيانا قد تتقاطع رؤاها الإستراتيجية مع الموقف العام للإدارة الأميركية. ذلك برغم أن المؤمل فيه أن صاحب البيت الأبيض كما دلت التجارب سيخلق دائماً انحيازه الأخير، سواء توافق مع رؤى خبراء المجتمع، أو تعارض مع مواقف خبراء، وسفراء سابقين في الخارجية الاميركية ينتمون للحزب المعارض.

الموقف الصعب الذي تواجهه خلاصة رؤى الرباعية نحو السودان يتمثل في مواقف المتحاربين من جهة بالإضافة إلى مواقف المكون المدني السوداني حيال خطة العمل لإنهاء الحرب من الجهة الأخرى. وفوق كل هذا سيكون التحدي الأكبر هو مواقف الإسلاميين المؤيدين للبرهان، والتي لاحظنا أنها شككت في نزاهة التوجه الاميركي الجديد للتقرير بشأن السودان بمجرد الإعلان عنه، والوصف بأنه هو الأساس الخفي ضد السودان دون الاعتبار لمواقف الدول الأخرى.

والحال هكذا يكون التساؤل عن قدرة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الإذعان للتوجه الرباعي الذي فيه داعمون لحربه، وإثبات قدرته في تأكيد جدارته بالإمساك بأمر الجيش إذا وجدت خطة الرباعية معارضة وسط الداعمين للحرب.

ما لا شك فيه أن التوقعات غير المحسوبة هو أن تفرض هذه التوصيات التي يخرج بها اجتماع واشنطن ضرراً على جبهة المؤيدين للحرب ما قد يودي ذلك إلى انقسامات قد تضعف قدرة الجيش في الحرب إذا عاكس رغبات الرباعية السلمية.

إن تحديات مبدأ ترمب للمساهمة في مضاعفة رصيده لإنهاء الحروب الطويلة الأمد والقصيرة حول العالم ستحمله لتكثيف الضغوط على حلفائه، وطرفي الحرب، للتوصل إلى صيغة سلام بأسرع ما يمكن، وذلك بهدف لتوظيف هذا النجاح الدبلوماسي في الانتخابات الأميركية النصفية القادمة كونها مساعدة لتدعيم سياساته الداخلية. ولكل هذا فمن المتوقع أن يتم الإسراع في تنفيذ خطة الرباعية السلمية للحاق بها كأجندة نجاحات لترمب مضافة لمجهوداته التي بذلها، محاولاً إنهاء حرب روسيا أوكرانيا، ودعمه للتوجهات الاسرائيلية للتخلص من النفوذ الإيراني، وحلفاء طهران في الشرق الأوسط، ومساعيه الأفريقية لإنهاء نزاعات مماثلة للنزاع السوداني.

مهما يكن موقف الجيش والدعم السريع من الخطة المنتظرة لعمل الرباعية فإن الحرب في السودان مقبلة على الانتهاء إذا أخذنا في الاعتبار عزم ترمب لتخليد نفسه بالنهج السلمي، مدفوعاً بقدرات الولايات المتحدة في التأثير الدولي، وكذلك تأثير أعضاء الرباعية في الطرفين المتحاربين. وفوق كل هذه العوامل رغبة غالب السودانيين لإنهاء القتال، والعودة لاستئناف الانتقال نحو الديمقراطية كسبيل أوحد لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وقطع الطريق أمام المؤتمر الوطني للعودة إلى السلطة.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.