وفاة 4 أطفال وانهيار 1150 منزلاً ومئات الأسر في العراء جراء السيول في وادي حلفا وقرى بالولاية الشمالية
تقرير: سليمان سري
لقي أربعة أطفال حتفهم”3 بنات وولد” وأصيب شخصين بلدغة عقرب تم إسعافهما على الفور، أمس، الخميس، بمدينة وادي حلفا ولقيت الثلاث طفلات حتفهن بصعق كهربائي، والرابع جرفته مياه السيول، التي اجتاحت ثلاثة أحياء بمحلية وادي حلفا، حي “سمنة” والحي الثالث “مجراب” والحي الرابع “فرص”، كما شهدت أجزاء واسعة من قرى الولاية الشمالية أمطار وسيول من بينها دال، جدي، أبو صارى، سركيمتو وآشمتو، مخلفة كارثة انسانية وتلوث في مياه الشرب، ودمرت عدد من المنازل والمزارع وتسببت في قطع الطرق وعزل القرى عن بعضها وعن الطريق القومي. وأدت الأمطار والسيول لانهيار 919 منزلاً.
ولم يسبق أن شهدت الولاية الشمالية طوال تاريخها أمطار غزيرة بهذه الكثافة إلا في أعقاب التغييرات المناخية العالمية الأخيرة، التي أثرت على المنطقة، خاصة وأن المنازل أغلبها مبنية من الرمل والطين ويتم سقفها بمواد محلية. كما اجتاحت الأحياء والقرى سيول جارفة غير مسبوقة حملت معها كل مخلفات التعدين من “سيانيد وزئبق”، المسببة لأمراض “السرطانات”. ما يزيد المخاوف من احتمال ارتفاع معدلات الإصابة بهذه الأمراض الخطيرة.
ويتعايش سكان الولاية الشمالية مع ضعف وتذبذب خدمتي الاتصال والانترنت، بينما تنعدم خدمة سوداني بالكامل في الولاية، ولاتتوفر لديهم بدائل كما في الولايات الأخرى من خدمة شبكة “استارلينك”.
تلوث مياه الشرب:
واشتكى أهالي قرى أبو صارى وسركيمتو وآشمتو من تلوث كامل لمياه الشرب واختلاطها بمخلفات التعدين، وتغيير لون وطعم ورائحة المياه، وقال مواطن من تلك القرى لـ”راديو دبنقا” فضل عدم ذكر إسمه، أنهم أبلغوا السلطات ومن المقرر أن تكون قد أخذت عينات للمعمل، لكنه استبعد أي حلول أو معالجات من قبل سلطات المحلية.إذ استمر الحال على ما هو عليه لليوم الثالث منذ هطول الأمطار، وقال إنَّ سلطات المحلية غير قادرة أصلا على القيام بدورها لذلك لن تهتم بمعالجة تلوث المياه.
بينما قال مواطن من قرية آشمتو لـ”راديو دبنقا” فضل عدم ذكر إسمه، إنهم باتوا يعتمدون على مياه الآبار الجوفية برغم أنها غير صالحة للشرب لعدم وجود محطة تحلية، ومسببة لأمراض الفشل الكلوي إلا أنهم مضطرين لذلك تفاديًا لمياه الشرب المختلطة بمخلفات التعدين.
خسائر:
وخلفت الأمطار خسائر كبيرة في المنازل حيث أدت لانهيار كامل لحوالي 500 منزل بوادي حلفا في ثلاثة أحياء، أما في قرية سركيمتو فقد أنهار عدد 189 منزلاً انهيارًا كاملًا و230 انهيار جزئي، بينما تضررت 185 أسرة ضررًا كاملًا وجدوا أنفسهم في العراء بلا مأوى أو غذاء، وتضررت 200 أسرة ضررا متوسط إلى خفيف.
من جهتها أصدرت غرفة الطوارئ التابعة لوحدة عبري الادارية بمحلية وادي حلفا بالولاية الشمالية، بيان لموقف آثار السيول والأمطار وموقف الأضرار التي شهدتها الوحدة وبلغ مجموع المنازل المتضررة حتى اليوم، الجمعة، 231 منزلًا منها 48 منزل تضرر كلياً و183 منزل تضرر جزئيًا.
وكانت تفاصيلها انهيار 78 منزل بقرية صواردة 8 منازل كليًا و70 منزل جزئيًا، و34 منزل بقرية نلوة انيهار منزل واحد كليًا و33 جزئيًا، وفي قرية قبة سليم انهار 92 منزلًا بينهم 27 كلياً و65 جزئيًا، وتضررت عشرة منازل في قرية فركة ستة منها كليًا وأربعة جزئيًا، وتأثر 12 منزل في قرية حي العرب منها منزلين كليًا وعشرة منازل جزئيًا، بينما تعرضت خمسة منازل في قرية عبود لخسائر أربعة كليًا وواحد جزئيًا.
وأبلغ الناشط المدني هشام عباس “راديو دبنقا” الطفلة، منة الله خالد سعيد يعقوب “12” عامًا لقيت حتفها، إثر تعرضها لصعقة كهربائية أمس الخميس، بكرمة البلد بالولاية الشمالية وتم الدفن بمقبرة حاج محمود.
وقال إنَّ الإمداد الكهربائي كان قد انقطع عن المنطقة منذ يومين ولكن حين تم الإمداد حديث التماس كهربائي مع المياه، ما أودى بحياة الطفلة.
طفل جرفته السيول:
وقال الإعلامي والناشط المدني سمؤال عبد الجواد إن السيول اجتاحت أحياء، سمنة، الحي الرابع “فرص” والحي الثالث “مجراب”. وأكد وفاة ثلاثة أطفال، بنتين نتيجة صعق كهربائي، أما الثالث جرفته مياه السيول بعد أن سقط من يد والدته، وهي تحاول الخروج لمنطقة آمنة. وأصيب شخصين بلدغة عقارب تم إسعافهما برغم عدم توفر مصل مضاد لسم العقرب.
وأضاف أن عدد المنازل التي انهارت بلغت حوالي 500 منزل تهدموا بالكامل من جملة ثلاثة أحياء وأن 154 منزلاً تهدموا بالكامل في قرية سريكمتو بقرى المحس التابعة لمحلية وادي حلفا وأشار إلى أن الحاجة الماسة الآن تتمثل في ضرورة توفير مواد الإيواء، المشمعات والغذاء.
وفيما يتعلق بالطرق الرابطة بالولاية قال إنها انقطعت تمامًا، فقط الطريق الرابط مع جمهورية مصر العربية تم اصلاحه من قبل الحكومة المصرية في منطقة قسطل مبيناً أنه الطريق الذي يؤدي إلى العبارة داخل مصر.
وتوقفت حركة المسافرين من وإلى وادي حلفا لانقطاع الطرق الرئيسية عن المدينة ومدن الولاية الآخرى.
ووصف كردي الوضع بالمأساوي في الأحياء التي اجتاحتها السيول وقال إنَّ الأسر خرجت بملابسها إلى العراء مشيرًا إلى أن السيل اجتاح لأول مرة هذه الإحياء بعد أن خرج عن المجرى الرئيسي المألوف، وامتد لأحياء لم يكن متوقعا أن تمر بها سيول أو تتجمع فيها مياه.
وأشار إلى أن بضائع الركاب المخزنة في حظيرة الجمارك تعرضت لتلف كامل، وهي أول منطقة تعرضت لهذه السيول، وانتقلت بعدها للأحياء الثلاثة.
وسبق أن تعرضت مدينة وادي حلفا في العام 1988 لأمطار خفيفة لكنها أحدثت خسائر كبيرة في سوق حلفا الرئيسي، غير أنها تعرضت لأمطار وسيول في العام 1994 في معظم أحياء المدينة تسببت في انهيار مئات المنازل والمحلات التجارية.
معبر إشكيت:
وأبلغت مصادر “راديو دبنقا” بتوقف العمل بمعبر إشكيت منذ الثلاثاء نتيجة لهطول أمطار غزيرة استغرق تصريفها ساعات طويلة قبل استئناف العمل يوم أمس، الخميس، بينما انتظرت البصات القادمة من مصر عبر بوابات معبر إشكيت لساعات لحين إصلاح عطل كهربائي حدث في المعبر.
من جهته قال مدير معبر إشكيت، اللواء عباس حسين كردي، لـ”راديو دبنقا” إنَّ السيول لم تصل إلى المعبر، وأنها توقفت في حدود شمال المدينة بأكثر من 25 كيلومتر، وأضاف أن هنالك أمطار غزيرة هطلت داخل المعبر وتم فصل الكهرباء حمايه للعاملين من المخاطر وتم إعادة التيار الكهربائي بعد تصريف المياه.
وأوضح اللواء كردي أنه تم ايقاف تشغيل المعبر يوم الأربعاء بالكامل لتزامن ذلك مع قطع الطريق بالجانب المصري علي بعد 3 كلم شمال ميناء قسطل الجاف وتوقف أنظمة الشبكات بطرف الجانب المصري لفتره من الوقت علاوة على المعالجات المذكورة آنفا بمعبر إشكيت.
وأضح أنه تم استئناف العمل في المعبر يوم أمس الخميس ويسير بشكل عادي في جانب مغادرة ووصول الركاب والصادر والوارد عبر الشاحنات، وقال إنَّ 5 حافلات تغادر يوميًا كحد أقصى، بينما يتراوح عدد الشاحنات ما بين 100 ـــ 150 شاحنة. وعن تقديرات الدخل اليومي للمعبر وإن كانت قد تراجعت، قال مدير المعبر إنها ثابتة في حدود 3. 0 مليون دولار.
تغيير مجرى السيل:
واعتبرت الناشطة المدنية د. صباح كيرا في حديثها لـ”راديو دبنقا” أن هنالك عاملين أساسيين تسببا في هذا الكارثة، أولهما هنالك جانب خاص يتعلق بتغير المناخ الصحراوي عامة، أما السبب الثاني فرأت أنه بفعل الإنسان بسبب التعدين وما تسبب في المنطقة من حفر وتراكم الكثبان الرملية، التي غيرت مجرى مياه السيول وقالت: فبدلًا من أن تذهب المياه إلى النيل مباشرة فإنها اجتاحت القرى والأحياء.
وتابعت قائلة: “حدث كل هذا الدمار وكانت الخسائر في الأرواح والممتلكات والبنية التحتية من مدارس ومراكز صحية وكذلك في وادي حلفا بسبب تغيير مجرى السيل”.
وحذرت من أن مياه السيول ستختلط بمياه النيل مع مياه التعدين وما تحتويه من مواد ضارة بالإنسان والحيوان مثل مادة السيانيد “السامة” والزئبق، وطالبت الحكومة بالإسراع بنجدة أهالي وسكان القرى النوبية من معاناتهم.
واقع جديد:
من جهته قال رئيس تجمع أبناء حلفا، السكوت والمحس مزمل محمد عبدالجليل لـ”راديو دبنقا”: إنَّ هنالك تغيير في المناخ ظهرت تداعياته في هذا الخريف، والمناطق النوبية من أكثر المناطق تضررًا من هذه الظاهرة العالمية، حيث بدأت تشكل واقعًا جديدًا وغريبًا خاصة علي المناطق النوبية.
وقال معلوم لدي الجميع أن القري النوبية التي تضررت بصورة شبه كاملة فقدت بيوتها ومزارعها منها سركيمتو ودال وآشمتو وأبوصارى بالسكوت وجدي بالمحس، وأضاف قائلًا: لان ثقافة التشييد مختلفة تمامًا عن الواقع الجديد الذي فرض بتغير الاجواء، حيث البيوت المبنية من الرمل والطين والتي لم تصمد ساعة في وجه الأمطار، التي استمرت لأكثر من خمس ساعات في بعض المناطق فضلًا عن السيول التي تراكمت في الجبال بكميات كبيره.
وأوضح رئيس تجمع أبناء حلفا، السكوت والمحس مزمل عبدالجليل، إن عدد المنازل المتضررة 185 منزلاً تضررت بالكامل و230 منزلاً تضررت جزئيًا. وناشد كل الجهات الدولية من منظمات وخيريين للوقوف مع مواطني هذه المناطق ومساعدتهم في تغيير ثقافة البناء لمواكبة هذه المرحلة العصيبة.
تحذير من وقوع كارثة بيئية:
من جهته حذر تجمع أبناء حلفا، السكوت والمحس في تعميم اطلع عليه “راديو دبنقا”، من وقوع كارثة بيئية وإنسانية جراء السيول والأمطار في مناطق إنتاج الذهب بمحليتي دلقو ووادي حلفا، حيث جرفت السيول كثير من المنازل والممتلكات ومناطق التعدين الأهلي والشركات بما في ذلك ما يُعرف بـ”الكرته”.
وقال التجمع النوبي إنَّ الوضع ينذر بكارثة نتيجة الاستخدام السابق لمواد كيميائية قاتلة مثل الزئبق والسيانيد، والتي تسبب مشاكل متعددة منها تأثيرات ضارة على الجهاز التنفسي. وتزايد حالات الإصابة بأمراض الجهاز الهضمي ولدغات العقارب والكسور جراء السيول.
تحرك عاجل:
وفي استجابة إنسانية قدمت غرفة طوارئ وادي حلفا والمجلس الأعلى لأهالي وادي حلفا، وأهالي سركمتو ومفوضية العون الانساني ومنظمة دوسة الخيرية وشركة دوسة والهلال الأحمر وبعض رجال الأعمال والخيريين والجهات الفاعلة، مساعدات إنسانية عاجلة يوم الأربعاء عبر لقرية سركمتو والقرى المجاورة.
وتعاني الأسر بسركمتو حالة من التشرد وانعدام للغذاء والمأوى والعلاج بالإضافة للخطر البيئي المصاحب لجريان السيول، وأكدت غرفة طوارئ وادي حلفا على القيام بالتدخل بمواد للمأوى من “مفارش وأغطية” والوقوف على أرض الواقع حتى الاطمئنان على أوضاع الجميع خاصة الاطفال والنساء والمرضى وكبار السن والجميع بخير.
الإعدام الجماعي:
من جانبه قال القيادي المدني هشام عباس إنَّ الكارثة ليست في غياب الحكومة لأننا طوال تاريخنا خارج الدولة أصلاً لم نسمع ولا نعرف معنى حكومة، لأننا لم نر حكومة في حياتنا لكن الكارثة الأكبر أن الحكومة التي لا نعرفها ولم نرها فتحت أبواب التعدين العشوائي في المنطقة وأرسلت حراسها ليتصدوا لكل احتجاجات الأهالي ومطالبهم بإيقاف التعدين العشوائي وما سببه من ضرر بيئي خطير.
وقال عباس في منشور على صفحته الخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” اطلع عليه “راديو دبنقا”، قال مع هذه السيول والأمطار التي تجرف كل مخلفات التعدين العشوائي من سيانييد وغيرها باتت التربة غير صالحة والمياه الجوفية غير صالحة وحتى النيل لم يعد آمن كونه المصب لهذه المياه.
وأضح قائلا: “بمعنى بسيط بات محكوم على أهلنا بالإعدام الجماعي جراء هذه الكارثة والغريب أن الحكومة، حتى مع انشغالها بالحرب أرسلت كتائب شرطية قبل أيام لمواجهة سكان المنطقة الرافضون لهذه الجريمة، في مناطق دلقو وابوصارة وصاي وتعدوا بالضرب على المواطنين واعتقلوا الشباب.
ووصف الناشط النوبي هشام عباس التعدين العشوائي في المنطقة النوبية بالإبادة الجماعية فقط لا منتبه لغياب صوت الرصاص، والتي اتت بمعدلات لم تعرفها المنطقة تاريخياً، بيوت هدمت ومزارع جرفت وقرى تقطعت بها السبل ووفيات واصابات.
دبنقا
المصدر: صحيفة الراكوبة