وعركي بن رباح والصباح رباح
البراق النذير الوراق
وعركي كان ولا يزال هو عركي، بعناده وصبره وغضبه، عاصٍ بطبعه، وليّنٌ في تعامله، وإيمانه بالشعب والناس والبلد هو بوصلة معاشه؛ بدأ الغناء بوعد للناس والحبيبة، وعندي زيك كم حبيبة وكم قريبة، وعزف للحب وحكى قصته، وشرح لسنوات طوال كيف يمكن لساعات اللقاء القصار، بما فيها من تأمُّلٍ وأمل، أن تنتهي بالذهاب مع الجزر، على قسمٍ بالعودة مع المد الجديد، ووصف بركة القصر وازدحامها بالنيلوڤر، وكيف غازلت أفواف النخيل بتحفافٍ الرمل الساجي حولها مرة، فهي في الأصل حانة مفروشة به، وكيف في مرة أخرى غازلت الغيمة زهرة في جبل مرة، ثم غنّى لكل الوطن أجمل الأغاني، منذ الفجر والآذان وحتى صلاة الخلاص، بالضحكة التي هزت وتر الأزمنة، والأحزان الصاحية، والوجع الخرافي، ولم يكتفِ، بل قالها : قدرك تقيف في العاصفة منصوب الشراع.. ورغم ذلك سأل: لمتين يرجانا ونحن نكابر وليلنا مشاتر..؟ وليس هناك من مجيب!
ولما أسر الجنجويد أنس عمر خرج علينا هؤلاء وقالوا: عمار بن ياسر العصر أهو!
وأنس هذا لمن لا يعرفه، كان يدعو للحرب منذ أن كان طالباً بالجامعة؛ دعا لها بشتى الطرق، وحمل أدواتها الفكرية والمادية ووفر لها الأرضية الأيدولوجية، ووظف قدراته الخطابية من أجل أن تستمر ” بلبس”! كان يقف في ركن النقاش وهو يرتدي الكاكي مشهد تمثيلي ويقول: أي سووعال؟! حتى انتهينا لنصف بلد!
وكان يقول للطلاب: العلم يرفعكم والضرب ينفعكم.. يقصد الضرب بالسيخ طبعاً في المعنى البعيد، والضرب بالرصاص والبمبان في المعنى القريب المجرب للطلاب، والمعتاد في شوارع عاصمة المشروع الحضاري ومدن دولتها الجهادية البارِكة، التي سمحت له بأن يدعو للحرب من منابر الطلاب!
وعندما اندلعت الحرب الآنية قال هؤلاء (بل بس)، وعندما غادر السكان ديارهم أو أخرجوا منها وطُردوا بغير حق قالوا لهم أبقوا وقاوموا أو موتوا بغيظكم.. من يقاوم ماذا؟ يريدون للسكان العُزَّل أن يقاوموا النيران التي تنطلق من جميع الاتجاهات باتجاههم هم، ولا تفرق بين عدو وصديق، محارب ومسالم، وهل هي تستهدف دولة ٥٦ أم دولة الديمقراطية المُرتجاة، المدنية عبر العسكرية، أم العسكرية التي تئد المدنية والتي جزروا من أجلها رقاب الصحاب والشباب! أم تستهدف الوصول لاستبداد غرماء اليوم أصدقاء الأمس وفوز هذا أو ذاك بجائزة الحاكم على الجماجم؟!
عركي لم يصنع هذه الربكة والتشتت والمواقف المرتبكة للعسكر والجنجويد ومن ساندهم ليحملوا على الثورة السلاح، وهي، أي هذه الثورة ويا للأسف هي التي حملتهم من بين أربطة البوت، نحو أنسجة الكراسي الفاخرة؛ ولكن مرمي الله هو مرمي الله لن يُرفع إلا على النعش هذا إن وجد من يرفعه.
عركي صمد وبقي حيث يريد وقاوم على طريقته، رغم أن هؤلاء الزوار الذين هم بلا حياء ولا حياة، حاولوا طرده مرات ومرات من داره، فاستمسك بعروة الحق والتزم داره بالرغم من أنه ليس آمن ولا مسترخ، بل ظل متماسكاً مثل بلال بن رباح.. أحد أحد والصباح رباح.
المصدر: صحيفة التغيير