وسط ضغوط خارجية واتهامات داخلية.. ماهو مصير علاقة البرهان مع الإسلاميين؟
تتأرجح علاقة البرهان (العلنية) مع فلول النظام البائد صعودا وهبوطا ما يجعل من الصعب تحديد قدرة التحالف الحالي بين الجيش والإسلاميين ومليشياتهم المسلحة؛ على الصمود في ظل إعلان المجتمع الإقليمي والدولي قلقه من تسيدهم للمشهد من جهة؛ والدعاية الحربية المكثفة للدعم السريع بحربهم ضد فلول النظام البائد. الأمر الذي يطرح تساؤلا حول مدى وجودية العلاقة بين الطرفين، هل تصنف علاقة استراتيجية يرتبط فيها البرهان رباطا مقدسا مع “الكيزان” أم هي علاقة مصالح طارئة حال تحققت سيسعى قائد الجيش للتخلص منهم؟
التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن
منذ خروجه في 24 أغسطس 2023 من مباني القيادة العامة التي وُجد بها قائد الجيش منذ لحظة اندلاع الحرب في 15 أبريل من العام الماضي، استمر في إنكار ضلوع الإسلاميين في الحرب ونافيا علاقتهم بالجيش عبر كل حديث جماهيري أو بيان ضحدا للدعاية الحربية للدعم السريع التي تقول إن حربهم ضد فول النظام البائد.
وكان البرهان يصر على عدم وجود “عناصر كيزانية” داخل الجيش واصفا الجنود الذين يقف لمخاطبهتم بأنهم جيش “قوقو” لا يحمل أي أجندة حزبية.
ولم يكتف بإنكار وجودهم في الداخل وحسب؛ بل حتى في زياراته الخارجية كان ينكر علاقة الإسلاميين بالجيش في الوقت الذي تنشر قيادات حزب المؤتمر الوطني المحلول التي هربت من السجون رسائل صوتية كما ظهرت في ولاية كسلا شرقي البلاد في اجتماعات معلنة، دون أن يعترضهم أحد.
مخالفة الوقائع
الصوت العالي لكتيبة البراء بن مالك، التي يرجح أنها ضمن المليشيات الإسلامية التي يعود تكوينها لتسعينيات القرن الماضي إبان حرب الجنوب، ونُشِّطَت في 2013 واختيار المصباح أبوزيد، أميرا لها، هو ما جعل إنكار علاقة الجيش بالإسلاميين صعبة التصديق.
محلل عسكري: البرهان ورث خوفه من الإسلاميين من “البشير”
وتقول مصادر مطلعة إن قيادات كيزانية عليا تدير شؤون المليشيا وتسليحها في الظل.
وما أكد علاقة البرهان الخاصة مع كتيبة البراء مسارعته لزيارة قائدها بعد إصابته ونقله لولاية نهر النيل كأولى المهام التي ينجزها في اليوم التالي لخروجه من القيادة بتاريخ 25 أغسطس.
وتنشط كتيبة البراء وقائدها الميداني المصباح أبو زيد في وسائط التواصل الاجتماعي، وتنشر صورها وفيديوهاتها وأسلحتها التي تحمل شعار الكتيبة، خاصة عمليات الهجوم عبر المسيرات.
فيما تثبت عدد من الفيديوهات ضلوعهم في الحرب منذ قبل اشتعالها، وليس انضمامهم إليها لاحقا ما يعضد التصريحات السياسية بأن الإسلاميين هم من أطلقوا الرصاصة الأولى، وأعلنوا بداية الحرب.
من ضمن هذه الفيديوهات اجتماع لبعض أعضاء الكتيبة يتحدثون فيه عن نقاط الالتقاء والتبليغ حال انقطعت الاتصالات، خلال شهر رمضان الذي اندلعت فيه الحرب. كما ظهر قائد الكتيبة في فيديو مع بعض القيادات الكيزانية يهددون فيه بالحرب، ويعلنون استعدادهم وجاهزيتهم في مناسبة إفطار رمضاني قبيل الحرب بأيام.
خطى “البشير”
على الرغم من تقليص البرهان للوجود الإسلامي في القوات المسلحة من المناصب العسكرية والاقتصادية؛ عبر إقالة رئيس الاستخبارات العسكرية جمال الشهيد وصديق سيد أحمد وأحد أعضاء المجلس العسكري مصطفى محمد مصطفى كما أطاح بهاشم عبد المطلب الذي كان أقدم منه وأعلى رتبة؛ إلا أنه حافظ على وجود نسبي للإسلاميين في معادلة توازن القوى لصالحه وفق محلل عسكري فضل حجب اسمه.
وشبه المحلل العسكري البرهان بالبشير، قائلا إن البشير أوجد قوات الدعم السريع حتى لا ينقلب عليه أخوان السلاح فيما حافظ البرهان على الوجود الإسلامي في الجيش ليخيف الدعم السريع ولاحقا بعد الحرب استفاد من دعمهم للجيش في الحرب ضد حميدتي.
وأضاف: “خوف البرهان من الإسلاميين ورثه من البشير”، مؤكدا أنه بحكم منصبه الأخير مفتشا عاما للجيش جعله يعرف كل صغيرة وكبيرة ومن بين ذلك المعرفة الدقيقة لوجود الإسلاميين في المؤسسة العسكرية.
وفور توليه قيادة الجيش اتبع معظم الوحدات لقيادته المباشرة مثل وحدة المسيرات والحرس الرئاسي، ووضع أحد أصدقائه المقربين رئيساً للتصنيع الحربي.
ومعركة محاربة الوجود الإسلامي في الجيش خاضها سابقا الجنرالان برهان وحميدتي إبان الفترة الانتقالية، والدليل عليها الخطاب الشهير لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي قال إن هناك مشاكل بين العسكريين أنفسهم.
وتوسط البرهان لفض الخلاف بينهما وفق مصادر من حكومة الفترة الانتقالية أكدت لـ (التغيير) أن الخلاف كان يدور حول عدد 800 ضابط إسلامي في الجيش طالب حميدتي بإقالتهم.
احتجاج “سري”
الحرب كانت العنصر الذي أجبر البرهان على الحفاظ على “شعرة معاوية” مع الإسلاميين وفق المحلل العسكري الذي توقع أن يكون هو من وجه الفريق شمس الدين كباشي لرفض الشعارات الحزبية في خطاب جماهيري شهير قال فيه إن المقاومة الشعبية ستكون الخطر القادم على السودان.
وأضاف: “لكن البرهان عندما أراد أن يقول ذات الحديث قاله في تنوير سري خاص”.
وقال مصدر عسكري لـ (التغيير) إن البرهان احتج على ظهور كتيبة البراء وتسيدها للمشهد مؤكدا أن هذا كان له تأثير سالب في صورة الجيش بالخارج.
وقال المصدر العسكري الذي حضر الاجتماع الخاص برتبة لواء وفريق وفريق أول مع البرهان في الكلية الحربية خلال شهر أبريل الجاري إنه منح الضوء الأخضر للقيادات العسكرية “للتعامل مع” كل من يذكر اسم كتيبة البراء.
وأضاف المصدر العسكري أن البرهان قال إذا أرادوا القتال في صف الجيش عليهم فعل ذلك دون ذكر كتائبهم الإسلامية.
من جانبه أكد القيادي بالمؤتمر السوداني مهدي رابح أن البرهان لا يمكن أن يقف موقفا صريحا ضد الإسلاميين؛ لأنهم يسيطرون على الجيش سيطرة تامة إلى جانب وجود مليشياتهم الموازية.
وقال في مقابلة مع (التغيير) إنهم سيقضون على البرهان حال اضطر لمواجهتهم.
مهدي رابح: البرهان فاقد للبوصلة الأخلاقية يريد البقاء في السلطة حتى لو حكم ركام
واعتبر رابح أن ذلك سيفتت الجيش السوداني لقوى مسلحة مقابل حدوث الأمر نفسه مع الدعم السريع ما يؤدي إلى تقسيم السودان إلى مساحات جغرافية يسيطر على كل رقعة منها أمير حرب في بيئة من الفوضى تعلن انهيار الدولة السودانية إلى الأبد.
واتهم رابح البرهان بفقده لأي بوصلة أخلاقية قائلا إن مشروعه المركزي الوحيد استمراره رئيسا للبلاد “حتى لو حكم ركام”.
وتوقع رابح أن يلعب البرهان بكافة الخيوط لإدارة التناقضات الكثيرة التي تلف المشهد الحالي، مثل وجود الإسلاميين من جهة وعلاقته مع مصر حليفه الإستراتيجي التي وقفت معه منذ فض الاعتصام، مرورا بالانقلاب حتى دعمه في الحرب الحالية بالإضافة لوجود إيران في المشهد.
وأكد القيادي بالمؤتمر السوداني أن محاولة البرهان لإدارة كل هذه التناقضات ستجعله ضحيتها آخر الأمر “في لحظة ما سيستنفذ الحيل كلها”.
ومن الواضح أن مواقف القاهرة تبدلت بعد أن بات تسيد الإسلاميين للمشهد عصيا على النكران، واستعادة السودان لعلاقته مع إيران، فتحولت مواقفها من دعم الجيش إلى تبني موقف الوساطة.
ووفق مصادر سياسية زار قائد ثان قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو مصر وأجرى حوارا مع القيادات المصرية الأمر الذي أفضى إلى قيام مفاوضات المنامة في يناير من العام الحالي.
ووفق ما أكد الناطق الرسمي لتقدم بكري الجاك في حديث سابق لـ (التغيير) ستنضم مصر إلى جانب الإمارات على طاولة المفاوضات المقبلة بجدة.
حرب وجودية
بالنسبة للجانب الآخر في المعادلة، وهم الإسلاميون الذين هددوا بالعنف طوال شهر رمضان الذي اندلعت فيه الحرب مؤكدين أن الاتفاق الإطاري لن يصل لنهاياته، وهم من أطلق الرصاصة الأولى في الحصار الذي تم لمعسكر الدعم السريع بالمدينة الرياضية لن يسمحوا بأن تتوقف الحرب، أو يفقدوا سيطرتهم على الجيش والسماح له بالجلوس في مفاوضات لن تعيدهم للمشهد السياسي.
بالنسبة لهم الحرب الحالية “وجودية” وفق رابح الذي قال إن الإسلاميين تنظيم إجرامي يسعى للإفلات من العقاب عبر الحرب، ويسعى عبرها أيضا لاستعادة سيطرته على موارد الدولة “هذه الحرب لا علاقة لها بالكرامة ولا الدين عبارة هي حرب عصابة تريد الاستمرار في السلطة والاستمرار في نهب الدولة”.
من الواضح أن تسريب ما قاله البرهان في لقائه الخاص مع الرتب العليا في القوات المسلحة كانت له نتائج واضحة في رد الفعل الإسلامي عبر الأقلام التي تدعمهم وبدأت في شن حملة منظمة ضد الفريق البرهان فيها توقعات بمخالفته قريبا، وتحمله مسؤولية الأخطاء كلها قبل وأثناء الحرب.
لكن المحلل العسكري استبعد حدوث مصادمات بين كتائب الإسلاميين والجيش مشيرا إلى أن أقصى ما ستفعله هي الانسحاب من المعركة، وترك الجيش وحيدا فيها.
محلل عسكري: (…..) هذه فرصة البرهان الوحيدة للنجاة من غدر الإسلاميين
وأضاف أن الحركة الإسلامية جربت الدخول في مواجهات مع الجيش مرة واحدة في يوليو 1976، ولم تفعلها من جديد وحتى عندما انقلب البشير على الأب الروحي للحركة الإسلامية وشيخها الترابي لم يغادر العسكريون الموالون له، بل ظلوا في مؤسساتهم العسكرية.
وقال المحلل العسكري لـ (التغيير) إن للبرهان فرصة واحدة للنجاة من غدر الإسلاميين عبر كسب ولاء الضباط المنتمين للتنظيم الإسلامي مؤكدا أن العسكر ولاؤهم للجيش أعلى من ولائهم للتنظيم.
من جانبه قال الخبير الاستراتيجي المختص في العلاقات الخارجية راشد الشيخ، إن الضغوط الخارجية التي تمارس على القوى العسكرية للتخلي عن الإسلاميين هي عبارة عن تقاطعات مصالح كانت موجودة من قبل الحرب، لكنها استغلت هذه الظروف الجديدة لتمنع وصولهم للسلطة.
وقال الشيخ لـ (التغيير) بعد الحروب كلها التي تأخذ فترات قصيرة تحدث عملية دمج بين الأنظمة المتحاربة، واستمرارها لفترة متوسطة من سنتين لثلاث سنوات تؤدي إلى إقصاء كلي لأحد أطراف الحرب.
وأضاف: “أما استمرارها لفترات طويلة يحدث فيها ما يسمى بإنهاء وجود النظم السياسية واستبدالها بأخرى”.
هذا فيما سيكون ذهاب الجيش إلى منبر جدة المقترح في النصف الأول من مايو المقبل والتزامه بما يُتَوَصَّل إليه في المفاوضات هو الاختبار الحقيقي لمدى استجابة البرهان للضغوط الخارجية في مقابل إقصاء الإسلاميين من تسيد المشهد.
المصدر: صحيفة التغيير