وزيرة غفلة تُطيح بالشرف التربوي..!
حسن عبد الرضي الشيخ
في بلدٍ يترنّح تحت ضربات الحرب والفساد، لم تكن ولاية النيل الأزرق استثناءً، بل نموذجًا صارخًا لكيف يتحوّل التعليم إلى مسرحية عبثية، يُدار فيها الغش برعاية رسمية، وتُكافَأ فيها النزاهة بالإقالة أو التهميش.
الوزيرة فواتح النور التي جاءت إلى كرسي الوزارة لا بالجدارة، بل بسُلّم العلاقات والنفوذ لم تخذل التوقعات، بل فجّرت غضب الشارع التربوي بقرارٍ أرعن أقالت فيه كبيرة المراقبين بمركز امتحانات بمحلية الرصيرص، فقط لأنها رفضت أن تكون ترسًا في ماكينة الغش المنهجي التي وُضعت خصيصًا لخدمة أبناء الكبار.
يا للحسرة عندما تكون الشبهات أقوى من التصريحات. ما يُتداول ولم يُنكر حتى الآن أن المركز المذكور يضم أبناء أخ الوزيرة وأبناء أختها، ومعهم ما يزيد عن ١٠٠ طالب من أبناء المسؤولين والتجار المتنفذين بالدمازين، فضلًا عن نحو ٣٠ طالبًا من مدارس “دونتاي” الخاصة. والمثير للسخرية أن الوزيرة لم تجد حرجًا في التدخل المباشر في إدارة الامتحانات داخل مركز توجد فيه صلة دم مباشرة بينها وبين بعض الطلاب! وفي عالمٍ تحترم فيه المؤسسات نفسها، كان الواجب أن تتنحى الوزيرة فورًا درءًا للشبهات، لا أن تنكّل بمراقبة رفضت أن تبيع ضميرها.
ويا للخيبة حين يكون العرض مريبًا… والرفض نبيلًا. فبحسب ما تسرّب من إفادات محلية، فقد طُلب من المراقبة المغضوب عليها أن “تغادر المركز بهدوء”، مقابل وعدٍ بتسوية مالية كاملة دون التزام وظيفي! عرضٌ يحمل في طيّاته رشوة مموهة للتغطية على الجريمة. لكن المعلمة الشريفة رفضت ذلك العرض المسموم، متمسكة بشرف المهنة وكرامة الضمير.
إنه عهد الغش المدفوع المعجون بدموع أبناء الكبار.
في أول أيام الامتحانات، وبعد مادة التربية الإسلامية، انهارت الخطة. لم يتمكن أبناء الطبقة المحظية من الغش كما هو معتاد، فاندلعت موجة بكاء هستيرية، ليس لأن الامتحان صعب، بل لأن “الخدمة” التي دُفع ثمنها لم تصل! بعض الأمهات اقتحمن الكنترول، وصرّحن علنًا أمام الشرطة والمراقبين أنهن دفعن مبالغ طائلة لتأمين الغش لأبنائهن!
يا لهواننا ونحن نشاهد مسرحًا لجريمة تربوية. فما جرى لا يمكن وصفه إلا بأنه مسرح جريمة مكتمل الأركان: وزارة تُدار بالعلاقات، امتحانات تُفصَّل على مقاس أبناء المتنفذين، ومراقبون شرفاء يُستبعدون من الصورة لأنهم يرفضون الانحناء.
هذا ليس خللًا عابرًا في مركز امتحانات، بل عرضٌ مرعبٌ لمرضٍ عضال ينخر جسد التعليم السوداني، ويحوّله إلى بضاعة تُباع في سوق الواسطة والفساد.
وكما ظللنا نردد، فها نحن نصرخ اليوم: لا إصلاح دون اقتلاع الفساد.
لن يُصلح الله أمر التعليم في بلادنا ما لم يُقلع هذا النوع من المسؤولين من الجذور. فحين يتحول الغش إلى امتياز طبقي، تُغلق الأبواب أمام أبناء الفقراء والمجتهدين، ويُصادر حقهم في المستقبل بعد أن سُرِق منهم الحاضر.
وعليه، فإن أول خطوة نحو أي إصلاح حقيقي تبدأ بـمحاسبة وزيرة الغفلة، لا بحمايتها. ويجب أن يُفتح تحقيقٌ عاجل وشفاف في ما جرى داخل مركز الرصيرص، ليس فقط لإعادة الاعتبار للمراقبة المُقالة، بل لإنقاذ ما تبقّى من قيمة تُدعى “العدالة التعليمية”.
🛑 كفى استهتارًا بمصائر الأجيال. وكفى عبثًا بمستقبل السودان.
فالتعليم ليس ترفًا، بل هو خط الدفاع الأخير ضد الخراب.
المصدر: صحيفة التغيير