ورحل رفيق العمر
البروفيسور محمود موسى محمود قمر الدين (1941م 2024م).
رحلت لا تلوي على شئٍ مثل رهو السحاب الماطر.
رحلت وتلك السنوات المذهلات مازلن يبرقن في الخاطر.
من لي بأبٍ إذا إدلهمت الدنيا كان درعاً في وجه المخاطر؟.
يا ويح قلبي من فقد أبٍ رحيمٍ عطاؤه الحنان وحلو المآثر.
بك إزدانت مجالسنا وبك إزدهت أيامنا وبك ذُكرنا في المصادر.
العاطون بالميامن أعطوا مناً وأخذوا ما أعطوا بالمياسر.
وأنت في غير يوم عطيةٍ ، جوداً ، أعطيت بالميامن والمياسر.
عطاؤك لن يبلى مدى الدهر وإرثك باقٍ يا بحر العلوم الزواخر.
سأشتاق إليك وقد أدمى فراقك قلوبنا وأجف الدمع في المحاجر.
مُفأدٌ ، أستودعك الله فما رجونا منه لك إلا جنة خُلدٍ جزاءً للمآثر.
في السادسة من عمري عرفته ، يقولون أنه في أمريكا ، سألت الوالدة من هو محمود؟ ، قالت لي أخو أبوك، وفي ذات العام وصل من أمريكا بعد غيابٍ لمدة عامين كان فرح الأهل كبيراً بعودته إلى الفاشر، غمرنا بالهدايا والأعطيات ، ومن وقتها تعلق قلبي به … رافقته لأكثر من ثلاث عقود ، إستشرته في كل شئ ودعمني بلا حدود في كل موقفٍ وقفته في حياتي.
في عام 1970م حصل على درجة الدكتوراة من جامعة كولومبوس أوهايو في الولايات المتحدة الأمريكية في مجال ال Animal Trypanosomiasis
ثم جاء إلى الفاشر واحتفى به أهل المدينة وتم تكريمه كأول خريج يحصل على درجة الدكتوراة من أبناء مدينة الفاشر ، أُقيم على شرفه إحتفالٌ كبيرٌ في نادي الموردة فقُدمت له الهدايا والإشادات ، كان لهذا الإحتفال أثراً كبيراً في نفسه وتحدث عنه في مناسبات كثيرةٍ لاحقاً.
بعدها إستهل عهده بالتدريس في كلية البيطرة في قسم الطب الوقائ محاضراً ، ثم شغل منصب عميد شئون الطلاب بجامعة الخرطوم ، وفي عام 1977م ذهب في إجازة سبتية وعمل بالتدريس في جامعة أدنبرة ببريطانيا وفي عام 1980م تمكن من زراعة الطفيل المسبب لمرض النوم الأمر الذي أسهم كثيراً في أبحاث الأدوية لعلاج هذا المرض ، وفي خواتيم ذات العام تم إنتدابه إلى جامعة الفاتح من سبتمبر في دولة ليبيا وهناك أشرف على وضع المناهج لكلية البيطرة ، ثم عاد في عام 1984م إلى جامعة الخرطوم حيث نال درجة الأستاذية Professorship Degree بعد أن قدم ملفاً من الأبحاث العلمية أقنع لجان الشئون الأكاديمية ، ثم تم تكليفه مديراً لجامعة جوبا في عام 1986م وبعد توتر الوضع الأمني في جوبا نقل الجامعة إلى الخرطوم حيث بقيت هناك حتى تاريخ إنفصال دولة جنوب السودان.
نشر العديد من البحوث العلمية في العديد من الدوريات العلمية والمجلات المتخصصة ، وكان عضواً في المجلس الإستشاري للمجلة العلمية العالمية World & I
ضمن أنشطته العلمية انخرط في عضوية منظمة ال I.O.E والتي مقرها في باريس بدولة فرنسا ، كانوا نحو ثلاثة عشر من العلماء من مختلف أنحاء العالم يجتمعون سنوياً في باريس لمناقشة تطورات أمراض المناطق الحارة التي تؤثر على صحة الحيوان ويقدمون بحوثهم ويناقشون ما يستجد في هذا المجال.
في عام 1995م أختير رئيساً للإتحاد العام للبياطرة السودانيين وفي عهده خاض مع أعضاء الإتحاد معارك محتدمة من أجل أن تكون هناك وزارة منفصلة للثروة الحيوانية بدلاً من تبعيتها لوزارة الزراعة وقد كان لهم ما أرادوا.
تم إختياره في لجنة تعريب مناهج التعليم الجامعي وقد رفض فكرة تعريب الجامعات جملة وتفصيلاً ، وكان يبرر موقفه بأن مصادر العلوم ومراجعها مكتوبة باللغة الإنجليزية وأن الخريج الجامعي عندما يدرس باللغة الإنجليزية سيُسهِّل عليه الحصول على العلم من منابعه عندما يلج مجال البحث العلمي ، ولكن جهوده في الرفض ذهبت سدىً لأن القرار كان سياسياً.
وفي عام 1997م أختير مديراً لجامعة الفاشر ، قبل وبعد هذه الفترة وطيلة حياته العلمية والبحثية حضر العشرات من المؤتمرات العلمية في مختلف دول العالم.
ومنذ عام 2009م ظل مشرفاً أكاديمياً في كلية البيطرة علي دارسي الماجستير والدكتوراة للعشرات من الخريجين واستمر في هذا المجال حتى إندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م ، لتبلغ حصيلة سنواته في مجال التعليم العالي والبحث العلمي نحو 63 عامٍ من العطاء.
وداعاً يا رفيق العمر … سأفتقدك كثيراً … وسأشتاق إليك كثيراً … ما أمهلني الدهر وما طلعت عليّ الشمس … إلى أن ألتقيك في جنات الفردوس عند مليكٍ مقتدر … تقبلك الله وغفر لك وأنزل على قبرك شآبيب رحمته …
إبنك المكلوم بفقدك :
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة