اخبار السودان

والد شهيد يحكي قصة الحرب لروح ابنه!

 الصادق سمل

( اعتذر لكل من مسته هذه الكتابه فيما يرى او يؤمن و لكنها لحظات شوق لمن فقدنا و لعدم قدرتنا علي التعامل مع حياتنا و كان لغياب حكمتنا ان نعيش كل هذا الدم و اتساع دائرته الان … من فينا لم يفقد عزيزا لديه ؟ … لا أحد … )

يا عبدالرحمن يا صديقي ..

ارسلت لى امك هذه الصورة و التى لم أراها من قبل و لا أذكر متي و أين كانت فأخذنى الحنين لأكتب اليك …

نشبت الحرب و إتسعت دوائر الدم في بلادنا يا صديقي و لا أدري لما أخبرك بما تعلم ! وانا الذى يعلم انك افتقدت حسيس أقدام امك وهي تزور قبرك صباح كل جمعة ولكن اردت ان احكى لك اوجاعى ولاقول لك انك كنت اكثر حظا ممن قتلوا من بعدك و ان عزاءنا يا حبيب الروح اننا قد حملناك لمرقدك و قبرناك وهذا ترف و سمو و رفاهية لم يجدها من قتلوا بعدك في الحرب حيث لم يشيعهم الآباء و لا الأمهات و لا الاهل و لا الاصدقاء كما فعلنا معك بل حتى ان الكثير منهم لم يجدوا مكانا بجواركم ليكون عنوانا لابديتهم يُزار حين يعم السلام منهم من قُبر حيث هو و منهم من تحللت جثامينهم هكذا فى قارعة الطريق و يا للعار .

و أردت أن أقول لك أن دمك قد تقزّم أمام ما سُفح من دم بعدك .. و انت تعلم كم وددت أن يكون دمك آخرها و لكن الآن تعقدت الأشياء و صار كل يرى من موقعه أن هناك دم يخصه هو الأكثر قداسة و لا بد أن يأتى بمقابله من اخرين ليس مهما من هم ، منهم أُناس فقط وضعتهم الاقدار أمامه و لكن المهم انهم أُناس يعرف انهم لا يجب أن يكونوا أحياء .

وددت أن أخبرك ايضا ان هناك دم كثير بعدك يخص اخرين و كل يرى انه دم تم بذله لمبدأ و الكل يرى ان دمه مقدس فنحن يا ولدي لم نتعلم بعد من ان نرى الصورة الكليه بان كل هذا الدم .. [ يخصنا ] .. نحن اهل السودان … وان هدره هو شى يجب ان يتوقف و ان قبول الانتهاك لحياة ما فى اي مكان فى بلادنا انما هو صك لهدر دماء اكثر فى مكان اخر و ان استمرارنا فى الاعتداء على حقنا جميعا في الحياة هكذا مأسآة و عار .

تعقدت الأشياء يا ولدي نهبت البيوت و هجر الناس قسرا و انتهكت الحرمات و اغتصبت النساء و كل ما كان لدي من مجال للحديث عن التسامح صار ضيقا جدا و مستفزا جدا و من حق الناس ان يستهجنوا هذا النوع من الحديث فصرت كثير الصمت فهذة هي الحرب فهي لا تلد الا بؤسا و خراب .

من الصعب يا صديقي و مفهوم عندي جدا في مثل هذه الدرجات العاليه من الانتهاك ان لا تتحدث عن التسامح لان درجة الاعتداء علي حياة الناس و ممتلكاتهم و التي تكونت بصبر السنين من الطبيعي ان تقابلها رغبة من رد الحقوق و استعادة الكرامة و الناس هنا في الأصل ليسوا من دعاة العنف في اصلهم لكن مجبورين علي قبوله و السير في طريقه كحل لذلك تجدني اقل رغبة في الحديث فكيف لدم تقزًم لهذة الدرجه ان يطلب من دم كثير ان يسمع صوته و كيف لدم قديم ان يقنع دم جديد لم يخرج من صدمته بعد ان يهدأ !

تعقدت الأشياء يا ولدى لأننا على ما يبدو لا نحسن العيش معا و نحن على ما يبدو أقرب الشعوب لوصف الرب حين قال :

بسم الله الرحمن الرحيم
( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا )
صدق الله العظيم

يبدو أن حظنا نحن أهل السودان من هذا الوصف الإلهي عظيم جدا فنحن نجادل الاخر منا حتي قبل أن يبدأ بالكلام فإذا اراد احد قول شي ما فهو مجرم .
و صار عاديا ان نسمع ان الناس و دمهم و مالهم و عرضهم انما هم ادوات الصراع لان من يريد الحرب انما يريدها لسلطان قديم و من يسعى لوقفها ليس الا طمعا فى سلطان جديد اما من يريدون الحياة لا فلا يهتم لامرهم احد .

وددت أن أخبرك ان الناس في بلادنا انقسموا بين مؤيد للحرب و رافض لها ولكل رأي و ان الحرب بينهم اكثر ضراوة من التي بين الجيش و الدعم و ان الناس فيهم من يري ان البقاء مع مؤسسات الدولة هي الكرامة و الشهامة و الرجولة و ان غير هذا الموقف هو خيانة للوطن تستوجب الدم و الموت و فيهم من لا يرى ما وقع علي الناس من الانتهاكات العظيمة بحقهم غير ان عليهم فقط أن يقبلوا هكذا دون مسآءلة و ان يدخل الناس في إطار مستوهم متحكم في من هم الوطنيين و من هم الخونة و غالب أهل البلاد يعيشون في شتات بعيدا عن خصوصياتهم و ذكرياتهم منهم من تسندهم مدخراتهم و أهلهم و علاقاتهم الحميمه و منهم من صار نهبا لتجار الازمات يقتلونهم بطرق موت اخري .

لا أدري يا صديقي كم من الدماء و الخراب يحتاج أهل هذه البلاد ليدركوا ان سيادة مبادئ دولة القانون و المؤسسات هي التي تعصمهم من اذي بعضهم البعض و من كراهيتهم لبعضهم البعض و متى يختار الناس طريق الحياة .

و لو سألت عنى يا صديقي فاطمئن
فانا ما زلت احيا بين الناس و بذات الغباء الذي رأيتنى عليه يوم رحيلك ابيع على الطرقات ما تبقي من دمك علها تشع امنا و سلاما ليسير فيها من شآء آمنا مطمئنا و لا زال البعض يرى فيني خيرا و البعض يرانى تافها اعيش في ضلالى القديم … وانا لا اري جمالا الاً بقربكم يا سيدي و صديقي فقد غبت عني و غبت عنك كثيرا …

المصدر: صحيفة التغيير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *