وابل من القصف الإسرائيلي والجوع في اليوم الأول من رمضان في قطاع غزة
لم يهدأ القتال ولا القصف المدفعي والغارات الجوية الإسرائيلية في اليوم الأول من شهر رمضان، الإثنين، في قطاع غزة حيث تتفاقم الأزمة الإنسانية التي قد تودي بغالبية السكان إلى المجاعة.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الاثنين، إلى “إسكات الأسلحة” في غزة. وقال “حتى مع بداية رمضان، يستمر القتل والقصف وإراقة الدماء”.
وقال عوني الكيال (50 عاما) النازح في مدينة رفح في أقصى جنوب القطاع المحاصر لوكالة فرانس برس “بدأ رمضان حزينا ومتشحا بالسواد وطعم الموت والدم وأصوات الانفجارات والقصف. سمعت صوت المسحراتي وهو شاب متطوّع يجول بين الخيم واستيقظت في خيمتي البسيطة وصرت أبكي على حالنا”.
وأضاف “فجأة سمعت دوي القصف. ضربوا بيتا بحي الجنينة، ورأيت سيارات الإسعاف تنقل شهداء وجرحى”.
وقالت وزارة الصحة في القطاع إن غارة استهدفت وقت السحور منزل عائلة بركات في حي الجنبية برفح وخلّفت أربعة قتلى بينهم ثلاث نساء وعدد من الجرحى.
وصباح اليوم السابع والخمسين بعد المئة للحرب، أفادت وزارة الصحة في القطاع بسقوط 67 قتيلا و106 جرحى خلال الساعات الماضية.
وقالت الوزارة إن كثيرا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرق، واتهمت الجيش الإسرائيلي بمنع الإسعاف والدفاع المدني من الوصول اليهم.
وارتفعت حصيلة الحرب منذ خمسة أشهر في غزة، وفق أرقام وزارة الصحة في غزة، إلى 31112 قتيلا و72760 جريحًا، “72% منهم أطفال ونساء”.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو شكّك الأحد في مقابلة مع صحيفة “بيلد” الألمانية، في حصيلة القتلى المدنيين في غزة. وقال إن العدد “ليس 30 ألفا ولا حتى 20 ألفا وهو أقلّ من ذلك بكثير”، مضيفا ان الجيش قتل “ما لا يقلّ عن 13 ألف” مقاتل.
خط أحمر
رغم تكرار الدعوات إلى وقف الحرب، تتمسّك إسرائيل بخطتها لمهاجمة رفح حيث يتكدّس 1,5 مليون من النازحين في ظروف كارثية.
وقال نتانياهو في مقابلة مع صحيفة “بوليتيكو” نشرت الأحد ردّا على سؤال عمّا إذا كان الجيش الإسرائيلي سيدخل رفح، “سنذهب الى هناك، لن نتركهم. أنا لديّ خطّ أحمر. هل تعرفون ما هو؟ هو ألا يتكرّر السابع من أكتوبر أبدا”.
وكان الرئيس الأميركي، جو بايدن، اعتبر الأسبوع الماضي أنّ “من حقّ” نتانياهو “الدفاع عن إسرائيل ومواصلة مهاجمة حماس. لكن يجب أن يكون أكثر حذرا حيال الأرواح البريئة التي تزهق بسبب الإجراءات المتّخذة”، مضيفا “في رأيي هذا يضرّ إسرائيل أكثر ممّا ينفعها”.
وسئل بايدن خلال مقابلة مع “أم أس أن بي سي”، ما إذا كان هجوم إسرائيلي واسع النطاق في رفح بجنوب القطاع الفلسطيني سيُشكّل “خطّا أحمر” على إسرائيل ألا تتجاوزه، فقال “هذا خطّ أحمر لكنّي لن أتخلّى عن إسرائيل أبدا”.
منفتحة على التفاوض
بعد فشل مفاوضات التهدئة، اتهمت إسرائيل حماس “بالتشبّث بمواقفها وعدم إبداء اهتمام بالتوصل لاتفاق وبالسعي إلى إشعال المنطقة خلال رمضان”.
في المقابل، حمّل رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية إسرائيل مسؤولية الفشل، في كلمة ألقاها لمناسبة رمضان.
وقال “أي اتفاق يجب أن يكون شاملا.. وبضمانات دولية… إذا تسلّمنا من الإخوة الوسطاء موقفا واضحا من الاحتلال بالتزامه الانسحاب ووقف العدوان وعودة النازحين، فنحن جاهزون لاستكمال حلقات الاتفاق وأن نبدي مرونة في قضية التبادل”.
وقال مصدر مطّلع على المفاوضات التي تشارك فيها الولايات المتحدة ومصر وقطر، بصفتها جهات وسيطة، إنه “سيتمّ تسريع الجهود الدبلوماسية في الأيام العشرة المقبلة” بهدف محاولة التوصل إلى اتفاق خلال النصف الأول من رمضان.
وهنأ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت المسلمين في فيديو على تلغرام بحلول رمضان. وقال “إسرائيل تحترم حرية العبادة في (المسجد) الأقصى وجميع الأماكن المقدسة”. وأضاف “نحن نعلم أنه من الممكن أن يكون شهر رمضان شهرا للجهاد، ونقول لكل من تسوّل لهم أنفسهم، لا تجربونا، لأننا مستعدون، فلا تخطئوا”.
تعهّدت إسرائيل “القضاء” على حماس بعد هجوم الحركة غير المسبوق في السابع من أكتوبر على الدولة العبرية الذي أوقع أكثر من 1160 قتيلا، معظمهم مدنيون، وفق تعداد لوكالة فرانس برس يستند الى أرقام رسمية.
وقال الجيش الإسرائيلي إن 249 من جنوده قتلوا في غزة منذ بدء العمليات البرية في 27 أكتوبر.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الاثنين أن قواته وجهت ضربة جوية في غزة استهدفت المسؤول الثاني في كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، دون أن يوضح ما إذا كانت الضربة قد أسفرت عن مقتله.
وقال دانيال هاغاري “ليل السبت الأحد (..) هاجمت مقاتلات قاعدة تحت الأرض لقادة في حماس بوسط قطاع غزة قرب النصيرات (..) كان يستخدمها مسؤولان كبيران في المنظمة أحدهما مروان عيسى”، المسؤول الثاني في القسام.
“لا شيء على الفطور”
وأعلنت الهيئة العامة للمعابر والحدود التابعة لحماس الإفراج عن “56 أسيرا” كان الجيش الإسرائيلي اعتقلهم في مناطق مختلفة من قطاع غزة “خلال الأسابيع الماضية، وتظهر عليهم آثار تعذيب”.
وفيما يخيّم شبح المجاعة الوشيكة على القطاع المحاصر الذي يعاني معظم سكانه نقصا بالماء والطعام والوقود، وفق الأمم المتحدة ومقاطع فيديو وروايات يومية من غزة، أعلنت وزارة الصحة التابعة لحماس أن عدد الذين توفوا نتيجة “سوء التغذية والجفاف” ارتفع إلى 25.
وقال المتحدث باسم وزارة الصحة أشرف القدرة الاثنين “عشرات الأطفال يتوفون أسبوعيا بسبب سوء التغذية والجفاف من دون أن يصلوا المستشفيات”.
وقال جمال الخطيب في رفح “لا يوجد أصلا طعام، فكيف سنفطر في رمضان؟ كيف سنفرح ولا مأوى ولا كهرباء ولا ماء والأسوأ لا شيء على مائدة السحور أو الفطور في خيام النازحين المنكوبين”.
وقال أحمد خميس (40 عامًا) “رمضان حزين جدًا هذا العام.. لا طعم له. حرب قذرة ودموية، حرب إبادة، ولا طعام ولا شراب”.
وقال زكي حسين أبو منصور لفرانس برس “أفضل أن تقصفني الطائرات وتقتلني على أن أستمر في العيش بهذه الطريقة. هذه ليست حياة”. وأضاف هذا النازح الذي يعيش في خيمة موقتة في رفح أنه لا يملك سوى قليل من الخضار لإطعام أسرته.
وحذرت سيندي ماكين، مديرة برنامج الأغذية العالمي، من أن “الوقت ينفد”، مشددة على أن “الشعب الجائع في غزة لا يستطيع الانتظار أكثر من ذلك”.
وسيُحرم “مئات آلاف” الفلسطينيين من أداء صلاة التراويح، بحسب وزارة الأوقاف في غزة. وقال المكتب الإعلامي لحماس إن الجيش الإسرائيلي استهدف “أكثر من 500 مسجد، بينها 220 مسجدا هدمها بشكل كلي، و290 مسجداً بشكل جزئي وصارت غير صالحة للصلاة”.
في الأثناء، تشارك دول عربية وغربية كل يوم تقريبا منذ أسابيع بإلقاء طرود غذائية ومساعدات طبية على قطاع غزة بالمظلات.
لكنّ الأمم المتحدة ترى أنّ عمليّات إلقاء المساعدات جوًّا وإرسال المساعدات من طريق البحر، لا يمكن أن تحلّ محلّ الطريق البرّي.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني المنتهية ولايته محمد اشتية الاثنين “تشتد وطأة التجويع الذي لا يعالَج فقط بإسقاط الوجبات، بعضها يسقط في البحر، والآخر يتحول أداة لقتل الجوعى بسبب أخطاء في الإنزال. الحل الأسهل والأكرم للجوعى هو وقف الجريمة أولاً، وإيصال المساعدات عبر المعابر والموانئ بإشراف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، فإذا كان الهدف تقديم المساعدات، فإن هناك خمسة معابر توصل إلى غزة يمكن إيصال المساعدات عبرها خلال ساعات، بدل الانتظار ثلاثة أيام في البحر”.
وأظهرت مشاهد التقطتها فرانس برس تحطّم بعض رزم الطعام عند الاصطدام بالأرض، ما يدفع السكان للبحث بين التراب عمّا يصلح منها.
كما تسبّب سقوط رزمة بعد تعطّل إحدى المظلات الأسبوع الماضي، على منزل، بمقتل خمسة أشخاص.
وتحذّر الأمم المتحدة من أن 2,2 مليون شخص من سكّان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون، مهدّدون بالمجاعة. وقد نزح 1,7 مليون من السكان بسبب الحرب.
وفي إطار الممرّ البحري الإنساني الذي يعمل الاتحاد الأوروبي على تجهيزه بمساندة بعض الدول العربية، ما زالت أوّل سفينة محمّلة مساعدات تنتظر في قبرص للإبحار نحو غزة.
وقالت منظمة “أوبن آرمز” (الأذرع المفتوحة) غير الحكومية التي تشرف على العملية إن سفينتها ستقطر بارجة تحمل 200 طن من الأغذية، لكن لم تتمكن متحدثة باسمها من تأكيد موعد مغادرتها.
إقليميا، اعتبر ممثل للبحرية الفرنسية الاثنين أن البحر الأحمر، حيث تتعرض سفن تجارية لهجمات المتمردين الحوثيين على خلفية الحرب في غزة، يواجه سيلا من العنف “المتفلت”.
وقال لوران سونوا قائد الفرقاطة الفرنسية “لانغودوك” التي عادت من منطقة البحر الأحمر بعد مهمة استمرت ثمانية أشهر “ثمة خطر فعلي يهدد الملاحة التجارية”.
وفي لبنان شنّت إسرائيل الاثنين ضربات جوية قرب مدينة بعلبك (شرق)، وفق مصدرين أمنيين ووكالة الأنباء الرسمية اللبنانية، وذلك للمرة الثانية منذ بدء القصف المتبادل عبر الحدود على خلفية اندلاع الحرب في غزة.
المصدر: صحيفة الراكوبة