هل ينجح «منبر جدة» في إنهاء الحرب بالسودان؟
هل ينجح منبر جدة للوساطة بين طرفي حرب السودان في إنهاء الأزمة؟، سؤال تبدو الإجابة عليه غاية في الصعوبة نظراً لواقع العمليات الحربية وتباعد المواقف، لكنه على الأقل يجعل التفاوض مبدأً للحل، وهو الطريق الأمثل وفق مراقبين.
التغيير الخرطوم: علاء الدين موسى
ما بين لاجئ ونازح وهارب من أتون الحرب وجد مواطنو العاصمة السودانية الخرطوم ومدن أخرى، أنفسهم بعد أكثر من تسعين يوماً من الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع، أمام بارقة أمل بالتوصل إلى حل سلمي يوقف القتال.
ومنحت تصريحات نائب قائد الجيش شمس الدين كباشي وترحيبه بفتح باب الحوار لوقف الاقتتال، والحديث عن العودة إلى منبر جدة، باب الأمل في أن تضع الحرب أوزارها ويتجه السودانيون إلى الحلول السلمية.
ورغم أن المبادرة السعودية الأمريكية بذلت جهوداً كبيرة للتفاوض بين الطرفين وحملتهما على اتفاقات عديدة لوقف إطلاق نار مؤقت، إلا أن مجهوداتها لم تظهر على أرض الواقع بسبب الخروقات التي صاحبت الهدن التي اتفق عليها الجانبان في وقت سابق، لكن تصريحات كباشي هذه المرة بدت ذات وقع مختلف لدى الشارع السوداني والقوى السياسية وبدا ذلك في بيانات الترحيب بها، مما رفع سقف التوقعات.
ممثلون عن الجيش وصلوا إلى جدة لاستئناف المحادثات مع الدعم السريع
المفاوضون في جدة
ومنذ اندلاع النزاع المسلح بين الجيش والدعم السريع في 15 ابريل الماضي، ظلت القوى الداخلية والمجتمع الدولي والإقليمي ينادي بضرورة نزول طرفي الصراع للرغبة الغالبة في إنهاء الصراع بصورة سلمية تعتمد مبدأ التفاوض والحلول السياسية، نظراً للخسائر الضخمة في الأرواح والبنية التحتية والقطاع الاقتصادي، وعدم قدرة أي من الجانبين على حسم المعركة لصالحه.
وبرز منبر جدة الذي ترعاه حكومتا السعودية والولايات المتحدة، كطوق نجاة لحل أزمة السودان الحالية، إذ أنه نجح في قيادة مفاوضات غير مباشرة بين وفدي الجيش والدعم السريع، وظلا مرابطين هنالك، وجرى التوصل إلى عدة هدن، رغم أنها لم تكن ناجحة لكنها أثبتت إمكانية الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، والآن مع ترقب عودة التفاوض وارتفاع سقف التوقعات، يبرز السؤال عن إمكانية نجاح المنبر في الوصول إلى حل جذري للأزمة.
وأكدت مصادر دبلوماسية لـ«التغيير»، أن ممثلين عن الجيش وصلوا إلى جدة لاستئناف المحادثات مع قوات الدعم السريع.
وكانت السعودية والولايات المتحدة علقت، مطلع يونيو الماضي، محادثات سابقة بين الطرفين إثر عدم التزامهما بوقف إطلاق النار.
فيما لم تؤكد الرياض أو واشنطن بعد موعد استئناف المحادثات بين المحاربين السودانيين.
وقادت الجارة مصر منفصلةً، محاولة للتوسط بين الجيش والدعم السريع يوم الخميس الماضي، وعقدت قمة لدور جوار السودان، رحب بمخرجاتها طرفا النزاع.
وأدى صراع الجيش والدعم السريع حول السلطة إلى نزوح نحو ثلاثة ملايين شخص، أكثر من 700 ألفاً منهم فروا إلى البلدان المجاورة.
خبير عسكري: منبر جدة يعد أقوى المنابر لهذا الملف الساخن لقوة الوسطاء
أقوى المنابر
ويعتقد الخبير العسكري اللواء أمين مجذوب إسماعيل، أن أحياء «منبر جدة» هو محاولة من الوسطاء «الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية»، لاستباق تحركات منبر القاهرة الذي خاطب جذور المشكلة، وقرر تكوين آلية للتنفيذ تجتمع في دولة تشاد وربما ينتقل الملف إلى القاهرة وهذا يعد أحد الأسباب.
وقال لـ«التغيير» إن الأمريكان يريدون كذلك، استباق القمة الأفريقية الروسية، وإمكانية مناقشتها للأزمة وإيجاد حلول لها مع الطرفين، ولذلك تريد الولايات المتحدة أن تكون هي الراعية لأي اتفاق.
ونوه إسماعيل إلى أن القوات المسلحة أبدت تصريحات إيجابية، والدعم السريع أيضاً أبدى موافقة إيجابية للتفاوض والتوصل إلى اتفاق يمهد لحل الأزمة السياسية.
وأضاف: «يعد منبر جدة أقوى المنابر لقوة الوسطاء لهذا الملف الساخن ونجاح المفاوضات والوصول إلى حل الأزمة السياسية».
أهمية التنسيق
لكن إسماعيل نبه إلى أن التنسيق مهم بين منبري القاهرة وجدة لعمل مقاربة بينهما في وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للسودان، والمحافظة على المؤسسات السودانية.
ولفت الخبير العسكري، إلى أن مبادرة «إيغاد» فيها إشكاليات واعتراض من السودان على رئاسة كينيا للجنة الرباعية وعدم حضور الوفد إلى أديس أبابا، وكلها أسباب أدت إلى أن المنبر قد يكون غير فعال ولكن ربما يتم الاستعانة به مستقبلاً إذا جاءت الحوجة للفصل بين المتحاربين فقد تكون قوات أفريقية.
قيادي بقوى التغيير: استئناف المفاوضات خطوة طيبة وإبعاد الإسلامويين يسمح بنجاح التفاوض
إبعاد الإسلامويون
من جانبه، وصف القيادي بقوى الحرية والتغيير المجلس المركزي معز حضرة، خطوة استئناف المفاوضات بين الجيش والدعم السريع بالخطوة الطيبة.
وقال لـ«التغيير» إن هذا يعد الحل السليم باعتبار أن الحرب المتضرر منها الشعب السوداني.
وأضاف: «رغم أن قرار الجيش بعودة المفاوضات كان متأخراً لكن لا بأس به».
وتابع: «نتمنى أن تكون هنالك إرادة حقيقة من الطرفين ويبعد الإسلامويون الموجودون في الجيش والتفاوض حتى ينجح هذا التفاوض».
وأشار حضرة إلى أن من يقودون هذا التفاوض الآن هم فلول النظام السابق للأسف وإذا تم إبعادهم فسيكون هنالك نجاح لتفاوض.
وقال: «لابد أن يكون تكامل بين المبادرات لأنه لا يوجد تعارض بينها وأنها جميعها تدعو إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب».
محلل سياسي: التفاوض هو الطريق الأمثل لمعالجة الصراع المسلح وحسمه بشكل كامل
الطريق الأمثل
بدوره، قال المحلل السياسي والناشط الحقوقي عبد الباسط الحاج: «لا شك أن عملية التفاوض هو الطريق الأمثل لمعالجة الصراع المسلح وحسمه بشكل كامل وقد فشلت الجولات التفاوضية السابقة لعدم رغبة الطرفين في تنفيذ الهدنة وفتح ملف تفاوضي جاد وربما لأن الرغبة الفعلية كانت تشير إلى إنها الصراع بالقوة العسكرية».
وأضاف لـ«التغيير»: «أعتقد أن نسبة نجاح التفاوض ضئيلة بالمقارنة مع الواقع العملياتي حيث نفذ الدعم السريع والمليشيات الداعمة له خلال اليوم عمليات عسكرية جديدة ضد الجيش السوداني في محلية كاس ولاية جنوب دارفور وحاولت السيطرة على مقر قيادة الجيش مما يعني أن الدعم السريع لايزال تقوده الرغبة الجادة لهزيمة الجيش السوداني وهو مؤشر لعدم رغبته في التفاوض الجاد الذي يقود إلى جيش وطني موحد».
وأوضح أن منبر جدة قام على التفاوض فيما يخص الملف الإنساني أو الهدنة لأغراض إنسانية ورغم إعلانها لمرات عديدة لكنها فشلت لعدم الالتزام.
وأشار الحاج إلى أن مبادرة «إيغاد» التي تم رفضها رسمياً من الحكومة السودانية ضعيفة من حيث أنها لم تضم ممثلي الحكومة السودانية ومن جانب آخر فإنها ناقشت أجندة بعيدة كل البعد عن تنفيذها في الواقع مثل نشر قوات شرق أفريقيا داخل السودان ونزع سلاح المدفعية وسلاح الطيران من الجيش السوداني، وهذه المخرجات تختلف تماماً عن مخرجات اجتماع قمة القاهرة التي لاقت ترحيباً واسعاً والتي شددت على سيادة السودان ووحدة أراضيه والتعامل مع الأزمة السودانية على أنها شأن داخلي لا يجب التدخل فيه بشكل سلبي من بقية الدول، وأضاف: «لذا لا أعتقد أن مبادرة الإيغاد قد تصمد أمام مبادرة دول جوار السودان».
عموماً، يتوافق الجميع على أن الحل للأزمة السودانية الحالية لن يكون عن طريق الحسم العسكري، وأن طريق التفاوض وإن اعترته عثرات وواجهته صعوبات فإنه الخيار الأفضل والأقرب للتوصل إلى حلول تفضي إلى عملية سياسية جديدة تضع السودان على طريق الانتقال المدني الديمقراطي أياً كان المنبر الذي سيحقق هذا الهدف.
المصدر: صحيفة التغيير