هل يعود الجيش السوداني لمنبر جدة دون شروط؟
التغيير أمل محمد الحسن
الأسبوع الأول من مايو المقبل الذي تم تحديده للعودة إلى طاولة المفاوضات السودانية، يوافق الذكرى السنوية لانطلاق مباحثات منبر جدة في 6 مايو 2023م، ثلاثة أسابيع لاحقة لاندلاع حرب 15 أبريل، وفشلت طوال عام كامل في إسكات أصوات البنادق أو حتى إجبار طرفي الحرب على الالتزام بهدنة إنسانية كاملة تسمح للمساعدات الإنسانية بالمرور في سلام.
وبعد إعلان اقتراب العودة للتفاوض تطرأ تساؤلات مهمة حول مدى تعويل السودانيين على “منبر جدة” في إيقاف الحرب؟، وما هي المتغيرات التي يمكن أن تجبر الطرفين على العودة لطاولة التفاوض؟، فيما كان يتمسك كل طرف “خاصة الجيش” بشروط محددة يرفض التنازل عنها لإكمال الاتفاق!!.
عودة بلا شروط
بعد تعيين الولايات المتحدة الأمريكية لمبعوثٍ جديد، توم بيرييلو، أعلن العودة لمفاوضات جدة في 18 أبريل الحالي، لكنه سارع إلى الاعتذار عن التاريخ. وكشفت مصادر لـ(التغيير)، أن التأخير جاء من الجانب السعودي الذي اعتذر للانشغال بأعياد الفطر.
ثم تمت الإشارة في مؤتمر باريس، الذي انعقد في مناسبة مرور عام على اندلاع الحرب من أجل تقديم المساعدات الإنسانية، إلى ضرورة العودة للتفاوض وإيقاف الحرب بعد التدهور الإنساني المريع وشبح المجاعة الذي يطارد نصف السكان، وبحث اجتماع وزاري على مستوى الاتحاد الأوروبي ضرورة العودة للعملية السياسية.
ثم أكدت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، في بيان مقتضب، عودة الطرفين إلى المفاوضات “بلا شروط” وفق ما قال الناطق الرسمي باسمها بكري الجاك.
التصريحات التي خرجت من القيادات العسكرية في الجيش والتي تحدثت عن رفضهم للتفاوض وإصرارهم على الحسم العسكري جعلت من الصعب التصديق بأن الجيش سيوافق على العودة إلى منبر جدة بلا شروط!
وهو الأمر الذي أكده خبير عسكري ضابط سابق في الجيش السوداني، فضل حجب اسمه بعدم رغبة الجيش في التفاوض “عقيدته القديمة وممارساته طوال تاريخ مفاوضاته مع حركات التمرد سابقاً قائمة على المراوغة”.
وقال الخبير في مقابلة مع (التغيير)، إنه حال شارك الجيش في المفاوضات ستكون من باب كسب الوقت وتنفيذ “الطابور” بلغة العسكر ومن أجل كسب تأييد دولي يحفظ ماء وجه الداعمين الدوليين لهم على حد تعبيره.
وأكد أن التقدّم في العمليات العسكرية من عدمه لن يجعل الجيش يذهب للتفاوض “ستقول القيادات إنهم لن يذهبوا للتفاوض حتى يحرزوا تقدماً ميدانياً وحال أحرزوا تقدماً سيقولون لماذا نجلس للتفاوض ونحن متقدمون؟”
أما من جانب الدعم السريع، فقالت مصادر مقربة من التفاوض لـ(التغيير)، إنهم لم يتلقوا دعوة رسمية من الوساطة بعد، لكنهم يعلمون باقتراب العودة للمنبر وفق الإرهاصات الإقليمية والدولية.
ضغوط دولية
الجانب المدني بدا أكثر تفاؤلاً بإمكانية العودة لمنبر جدة وإحراز تقدم أفضل هذه الجولة. وكشف مصدر سياسي لـ(التغيير)، عن مفاوضات غير معلنة قادتها الوساطة بين الطرفين كانت محصلتها قبولهما عدم تشكيل حكومات في مناطق سيطرتهما.
وقالت مصادر سياسية متطابقة، إن الطرفين تعرضا لضغوطات عالمية كبيرة شملت الدول التي تدعم كل طرف بضرورة العودة للمفاوضات وإيقاف التدهور الإنساني والتهديد بنقل الصراع إقليمياً.
وأكدت المصادر أن الوساطة رفعت مستوى التمثيل، ومن المتوقع أن يقود الوفود التفاوضية للطرفين نائب القائد العام للجيش شمس الدين كباشي وقائد ثاني الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، وأن تستند المفاوضات على ما تم التوصل إليه في المنامة.
“زيادة الضغط الدولي على المتحاربين أمر بالغ الأهمية” هذا ما أعلنه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في مؤتمر باريس، وأكد في تدوينة على صفحته بموقع (إكس) ضرورة تعزيز التنسيق في الوساطة وترك مجال أقل للمناورة للأطراف المتحاربة.
وأكد مصدر دبلوماسي سوداني فضل حجب اسمه لـ(التغيير)، تعرّض الطرفين إلى ضغوط دولية لإجبارهما على العودة خاصةً مع وجود الداعمين للطرفين في إشارة للقاهرة وأبوظبي.
انضمام القاهرة
ويبدو أن انضمام مصر إلى طاولة المفاوضات سيمثل مزيداً من الضغوط على الجيش لانتقال موقفها من دعمه إلى محطة الوساطة.
وتعود أسباب هذا الانتقال إلى خوف القاهرة من دخول أجسام أيديولوجية تتبع للإخوان المسلمين وفق الصحفي المصري المهتم بالشأن الأفريقي سيد مصطفى، التي ستمثل تهديداً للأمن القومي المصري بعد انتهاء الحرب، مؤكداً قبول دورها كوسيط من قبل الدعم السريع.
وقال مصطفى في مقابلة مع (التغيير)، إن لدى القاهرة مخاوف مرتبطة بسيطرة الدعم السريع على أجزاء من السودان الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تقسيم البلاد، فيما تخشى القاهرة وجود دويلات متصارعة على حدودها الجنوبية.
وأشار إلى أن القوى السياسية التي وصفها بأنها تمثل غطاءً سياسياً للدعم السريع استفادت من كون القاهرة هي الدولة الوحيدة التي لا تؤيد عودة الإخوان المسلمين الأمر الذي مكّنهم من التعويل عليها في الضغط على الجيش من أجل العودة للمفاوضات.
وأضاف مصطفى: “هناك دول مثل تركيا وقطر تستفيد من إطالة أمد الحرب من أجل تقوية المليشيات الإسلامية وعودتها مرة أخرى إلى السودان”.
الضغط الإنساني
واتفق الخبير الاستراتيجي المختص في إدارة الأزمات محمد إبراهيم كباشي، مع الرأي السياسي المتوقع لعودة المفاوضات، وقال إن الواقع الإنساني المتدهور يعتبر أكبر عامل دفع لعودتها.
وأكد أن عدم تحقيق حسم عسكري خلق حالةً من السخط المجتمعي شملت أعداداً من أنصار الحرب خاصةً من المغتربين والمهاجرين الذين تحملوا عبء الفاتورة الاقتصادية لهذه الحرب.
وقال كباشي في مقابلة مع (التغيير)، إن هناك تحديات ربما تعيق المفاوضات مرتبطة بتعدد مراكز القرار نسبة لأن الحرب تولد قيادات جديدة ينشأ بينها تباين في المواقف “تعددت القوى العسكرية في صف الجيش من مستنفرين وجهاز أمن وشرطة ناهيك عن المليشيات الإسلامية التي تقاتل معهم”. وأضاف: “حتى الدعم السريع تشكلت لديه قيادات ميدانية وربما تتضارب مواقفها مع “حميدتي” نفسه”!.
وأكد الخبير الاستراتيجي تغير مواقف الدول الداعمة للطرفين والتي أصبحت أقرب لإنهاء الحرب عبر التفاوض للحفاظ على ما تبقى من مصالحها في السودان، وأشار إلى تعرضها لخسائر اقتصادية فادحة سواء بالدعم اللوجستي للحرب أو عبر استقبال اللاجئين السودانيين.
عنصر الإسلاميين
الإسلاميون الذين تم اتهامهم سابقاً بإفشال منبر المنامة بتسريبه؛ مازالوا يشكلون عامل ضغط على قيادة الجيش، لكن الخبير الاستراتيجي محمد كباشي قلّل من التخوف الكبير من تأثيرهم في المشهد، وأكد وجود صوت خافت داخلهم يتحدث عن التفاوض.
وأكد كباشي وجود تباينات كبيرة داخل معسكر الإسلاميين أنفسهم مع وجود أزمة ثقة تجاه بعض قيادات الكفاح المسلح “التفاوض قد يحقق لهم مكاسب سياسية”، والفئة التي تصر على استمرار الحرب هي الهاربة من العدالة فقط.
وأشار الخبير الاستراتيجي إلى الهزة التي حدثت لحلفائهم الإقليميين، ولفت إلى حرب غزة وما يحدث في إيران، وأكد في الوقت نفسه أن الصراع المسلح ألقى بظلاله على التنظيم الإسلامي العالمي “الداعمون الإقليميون بدأوا في التآكل!”.
على صعيد متصل، تقول مصادر عسكرية إن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان نفسه بدأ في التململ من ظهور الإسلاميين في المشهد، وقال في اجتماع مع القيادات العسكرية تم ذكره سابقاً، إن تصدرهم للمشهد العسكري عبر كتائبهم جعل الدول الداعمة للجيش تبدي تخوفها.
وأبدى استنكاره وفق المصدر العسكري من ظهور مليشيات إسلامية جديدة في الولاية الشماليةفي إشارة إلى كتيبة المعتصم بالله. لكنه لم يتحدث بصورة علنية مطلقاً عن الإسلاميين في الكتائب التي تقاتل مع الجيش أو المستنفرين، لكن جاءت هذه التصريحات المندّدة بالشعارات السياسية من نائبه شمس الدين كباشي.
المصدر: صحيفة التغيير